فيما أرى
1
أثار الخبر الذي نشره د. مزمل أبو القاسم على صفحته في الفيس بوك أول أمس، بخصوص لقاء الفريق كباشي بعبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة، ونشرته بالأمس هذه الصحيفة (الأحداث)، أثار ردود فعل متباينة، أهمها ثلاث: أولها أن الخبر غير صحيح، ولا يمكن لكباشي وسط هذه المعمعة، وأنباء تقدم الجيش أن يقوم بالتفاوض سراً مع الجنجويدي المجرم عبد الرحيم دقلو، وبناء عليه نفى هؤلاء الخبر جملة وتفصيلاً.
هنالك رأي ثانٍ ذهب باتجاه صحة الخبر، ولكن رأى أن الوقت غير مناسب لنشر الخبر من ناحيتين: فهو يحبط الروح المعنوية للجيش الذي يقاتل الآن في كل ساحات الميادين، فكيف تمتد يد القيادة إلى الخونة من وراء ظهورهم؟!!، الناحية الثانية: يرى البعض أن نشر الخبر ما هو إلا استهداف للفريق الكباشي من منافسين داخل كابينة القيادة لغرض حرقه.
رأي ثالث يتعلق بالموقف المهني من نشر الخبر، فهذا الخبر نسب إلى مصادر. تلك المصادر مجهولة، مما قد يشير إلى أن الدكتور مزمل وقع ضحية تسريب سام ذو أجندة.
2
في الصحافة عموماً، أول ما ننظر إليه هو مصدر الخبر، فإذا انتابنا شك أو غاب المصدر، لجأنا إلى ناقل الخبر نفسه، من هو؟ وما تأريخه في نقل الأخبار؟، وفي هذه الحالة، غاب المصدر وحضر ناقل الخبر، الذي نعرف أنه ليس صحفياً صغيراً غراً باحث عن الشهرة بنشر الأخبار المثيرة، كما لا يمكنه الإساءة لتأريخه بنشر خبر كاذب كهذا، وقد عرف عنه أنه ليس عجلاً في نشر كل ما يقع في يديه من أخبار، وهل هذه أول مرة ينقل فيها مزمل خبراً من مصادر، ويثبت بعد حين صحته؟.
كما يعلم الجميع أن للمزمل مصادر كبيرة وموثوقة تم بناؤها عبر سنوات طويلة بعلاقاته الواسعة، إذن لا يمكن التشكيك في نزاهة ناقل الخبر، كما لا يمكن تصور أنه وقع ضحية تسريب، فخبر كهذا لا يمكن أن يمر من تحت يدى أصغر صحفي في صالة التحرير في “اليوم التالي” التي رئس مزمل تحريرها لسنوات.
عموماً، لا يعرف عن مزمل تحيزه لحزب أو لجماعة، ولذا ليس من سبب يدعوه لاستهداف الفريق كباشي شخصياً، بل أشهد أنه كان من المعجبين به.
لنأت إلى الرأي الثاني، لا أعرف كيف يحبط خبر مفاوضات مع عبد الرحيم دقلو الروح المعنوية للجيش، إذ أنه بعد أسبوعين من بداية الحرب بدأت مفاوضات معلنة فى جدة، واستمرت شهوراً، ثم قريباً، أعلن عن مفاوضات ولقاء بين البرهان وحميدتي شخصياً، لم تنخفض الروح المعنوية للجيش، وظل كما هو يقاتل كما كان يفعل بكل بسالة.
3
أما قصة أن التوقيت غير مناسب، فهذه تقديرات صحفية يمكن لصحيفة أن تنشر الخبر، وأخرى تقدر أن الوقت غير مناسب، وذلك لا يشكك في مصداقية أو مهنية الخبر.
شخصياً، نشرت هذا الخبر في هذه الصحيفة، بعد أن تأكدت من مصدر غير مصدر د. مزمل، وأضفت إليه معلومات نشرتها بالأمس، وهناك معلومات إضافية احتفظت بها.
وننشر جزء منها في هذا العدد وما يهمني هنا ألا ننخرط كصحفيين في صراعات السياسيين ومواقفهم، كما لا يجوز أن نشكك في مصداقية الزملاء، لأننا لا نرغب في نشر خبر ما لا يتفق مع مواقفنا السياسية والفكرية.
4
الأمر في غاية البساطة، إذا كان الخبر مفبركاً أو كاذباً، كان يمكن لمجلس السيادة أو الجيش نشر التكذيب علناً ويطالبنا بالاعتذار أو حتى الذهاب به للمحكمة، أما أن تلوذ السلطات بالصمت، وتترك للأسافير أن تتجادل في صحة وعدم صحة الخبر، فإن ذلك أكبر تأكيد على أنها تقر بصحة الخبر، ولن ينفع تسريب أخبار هنا وهناك تنفى ما نشر، ” ستبدي لك الأيام ما كنت تجهله”.
ما يسر في هذا الصخب، هو أن الصحافة المسؤولة لا تزال حية تواصل مسيرتها في توجيه الرأي العام، وتفرض ضغوطها على قيادة البلاد وأحزابها وسياسييها، وتلك نعمة كبرى في وسط هذا العدم.