عادل الباز يكتب: ماوراء صفقة زين/ دال (3/2)

*فيما أرى*

1
شكّل دخول مجموعة (دال) في مجال الاتصالات علامة استفهام عند الكثيرين، وسرعان ما بدأ نسج خيوط الأوهام حول طبيعة الصفقة ومَن وراءها ولماذا (دال) بالتحديد؟ وذلك بدلاً من الإحساس بالفخر لاقتحام شركة سودانية لمجال الاتصالات واثقة في مقدرتها على التنافس في سوق تتنافس فيه الدول للاستحواذ على شركات الاتصالات الناجحة. فأوريدو القطرية مثلاً تمتد استثماراتها وكذلك اتصالات الإماراتية وأورنج؛ وكثير من الشركات العربية والاجنبية تمتد بأذرعها للخارج.
(إم تي إن) الجنوب إِفريقية تستثمر في أكثر من خمس دول إِفريقية، من بينها السودان، والسودان نفسه امتد عبر (سوداتل) حتي موريتانيا والسنغال، فوجود شركة تتبع لمجموعة (دال) السودانية في قلب  قلب سوق لا تلجه إلا الشركات المؤهلة مالياً وفنياً ينبغي أن يُسعد السودانيين، لا أن يثير  الشكوك والاتهامات بلا اسس موضوعية.
2
إذا ما تمت الصفقة هنالك إمكانية أن تتحول (دال تل) إلى قصة نجاح سودانية ثالثة في إفريقيا، بعد نجاح سل تل وسوداتل السودانيتين، فالسودان كان من طلائع الدول التي تقدمت في مجال الاقتصاد، بل أصبح الرقم الثاني في مجال الاستثمار في شبكات الاتصالات العابرة للدول، وكانت الفكرة التي اجترحها الأستاذ عبد الرحيم حمدي شآبيب الرحمة علي قبره، بخصخصة قطاع الاتصالات، مبدعة  قادت لتأسيس (سوداتل) مما ادي  اتميز وتقدم قطاع الاتصالات في افريقيا.
إن ما أنجزته الانقاذ في مجال الاتصالات يستحق الاحتفاء، إذ امتدت الشبكات في عهدها من اقصي البلاد إلى أقصاها، وتدفقت مليارات من الدولارات للاستثمار في القطاع، وأهم من ذلك كله تأهيل الآلاف الكوادر التي تدير كل قطاع الاتصالات، من كافة النواحي الإدارية والفنية من دون الحاجة لأي خبرات أجنبية.
3
مجموعة (دال) ليست أولى الشركات السودانية في مجال الاتصالات، فلقد سبقتها (سوداتل)؛ التي استحوذت على 60 في المائة من أسهم موبيتل (زين لاحقاً)، ومعلوم أن السيد مو إبراهيم كان من أوائل المستثمرين السودانيين في قطاع الإتصالات بإفريقيا عبر (سل تل)؛ أشهر شركة اتصالات عملت في أكثر من عشر دول إِفريقية.
الشاهد أن وجود  السودانيين بشركاتهم وأموالهم وكوادرهم ليس جديداً في عالم الاتصالات، ومن الأفضل أن يتم تشجيع الشركات السودانية لمواصلة الاستثمار في الاتصالات والاقتصاد الرقمي لأنها استثمارات المستقبل.
4
هل مجموعة (دال) التي تستثمر عبر شركة مسجلة بالخارج مؤهلة فنياً ومالياً للاستثمار في ذلك المجال؟
الإجابة بالطبع نعم، فتصنيف (دال) في السودان يشير إلى أنها من أكفأ الشركات في إدارة الموارد، وأنها ظلت تحقق نجاحات متصلة في كل مجالات استثماراتها المتعددة، واستطاعت أن تصمد في وجه كل العواصف الاقتصادية والسياسية وحملات التنمر والتشكيك المستمرة، وذلك ما لم تفعله سوى شركات سودانية محدودة، منها شركات محجوب أولاد، و شركات آل البرير.
عرفت (دال) بتميزها وانضباطها الإداري وكفاءة موظفيها وحسن توظيفها لعلاقتها الداخلية والخارجية، أضف لذلك سمعتها المالية الجيدة في الدوائر المالية بالخارج، سواء أكانت بنوك أو صناديق استثمار، وبالإضافة إلى سمعتها وعلاقتها؛ تتمتع (دال) بأصول وموجودات تشكل ضماناتٍ كافيةً لأي استثمار، فحين يثور سؤال حول مقدرة (دال) على الحصول على قيمة الصفقة، يصبح السؤال بلا قيمة، لأن استثمارات (دال) الناجحة تقدر بعشرة أضعاف الرقم المطلوب لإنجاز الصفقة، وكلها قابلة أن تتحول إلى ضمانات، بأكثر من الرقم المطلوب، ولذا فإن (دال) ليست بحاجة إلى شريك خفي أو معلن، (وبعدين أهم حاجة أسامة داؤود ما بشارك زول.. لو بشارك كان يشاركني أنا !! مافي زول يسألني في شنو).
5
هناك ثلاثة أسباب رئيسة حفزت (دال) للاستحواذ على (زين) في هذا التوقيت بالذات، برغم التراجع الذي يشهده قطاع الاتصالات.
الأول: يأس الكويتيين من أي عوائد يمكن حصدها في المستقبل القريب من استثمار (زين السودانية)، وهكذا أصبحت إدارة (زين العالمية) مهيأة للخروج بيسر من السودان، فالوضع مواتٍ تماماً.
ثانيا: ثقة (دال) في قدراتها المالية والإدارية، إضافة إلى ثقتها في كوادر (زين) وهم من أهم العناصر المحفزة في الصفقة، فزين تملك خبرات وكوادر مؤهلة لإدارة الشركة بنجاح، وبذا ستكون (دال) حصلت على أفضل كوادر مميزة في قطاع الاتصالات، وليست بحاجة لأي خبرات خارجية، وقطاع الاتصالات ليس غريباً على السيد أسامة داؤود فهو كان لسنوات عضواً في مجلس إدارة (سواداتل)؛ ممثلاً لشركة (سل تل).
السبب الثالث: السعر المغري الذي استطاعت (دال) الحصول عليه، وهو مليار وثلاثمائة مليون دولار، فزين تمتلك حوالي ثلاثة ألف برج، تغطي أكثر من 90‎%‎ من المناطق المأهولة بالسكان و17 مليون مشتركاً، و50‎%‎ من الدخل في سوق الاتصالات، بالإضافة إلى بنية تحتية ممتازة من الكيبلات، وهي الثالثة بعد (كنار وسوداتل)، وستستحوذ (دال) ضمن الصفقة على الشركة الكويتية القابضة، التى تمتلك عدداً كبيراً من العقارات والأراضى، بمواقع متميزه خاصةً على شارع النيل.
6
التحديات التي ستواجه (دال) إذا اكتملت الصفقة، ولم تتآمر عليها جهة ما؛ هي كيفية النجاح في ظل التراجع الذي يشهده قطاع الاتصالات؟ والتحدي الثاني هو توفير الأموال اللازمة للاستثمار في قطاع يحتاج إلى أموال ضخمة، تُصرف على تجديد البنية التحتية للشبكة، التي تعاني من ضعف بائن حالياً.
المشكلة العويصة التي تواجه (دال) مع الحكومة تتمثل في القوانين التي يفرضها بنك السودان المركزي على قطاع الاتصالات، في موضوع تحويل العملات الصعبة للخارج، ولا أعرف كيف تدعو الحكومة المستثمرين الأجانب والمحليين للاستثمار وتمنعهم من تحويل أرباحهم، إذ أن ذلك يعني أن تتجمد أموالهم في الداخل وتفقد قيمتها. وعدم تحويل الأرباح للخارج يحد من قدرة تلك الشركات للحصول علي العملات الاجنبية، التي تساعدها في تطوير شبكاتها بالاستثمار المستمر، وبالطبع لا أمل في أي تنازلات من الحكومة عن معدلات الضرائب التي تفرضها علي شركات الاتصالات، والتي تقارب 60 في المائة من مداخليها.
نواصل

Exit mobile version