فيما أرى
1
في مؤتمر للأمم المتحدة استضافته جنيف أول أمس الاثنين تعهّد مانحون تقديم نحو 1,5 مليار دولار للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية في السودان والدول المجاورة التي تستضيف لاجئين فارين من القتال. هذا المؤتمر جاء بطلب من بعثة السودان في الأمم المتحدة، ولم تستجب الأمم المتحدة لانعقاده إلا بعد ضغط وإلحاح بعثتنا في نيويورك، تلك البعثة التي ظلت تكتسب يوما بعد يوم احترام السودانيين وتقديرهم لمجهوداتها العظيمة في مكافحة الجنجويد الأممي الذين اصطفوا لمناصرة الجنجويد المحلي.
2
رغم أن تجاربنا مريرة مع مؤامرات المانحين منذ أوسلو (2005) مروراً (بباريس 2020) في عهد الثورة وإلى الآن وكلها كان حصادنا منها الرماد، دعونا نتفاءل الان ولنطرح تساؤلات حول تلك الوعود التي أطلقت في مؤتمر جنيف وحول مصير مليار وخمسمائة مليون دولار ستتدفق إلى خزائن بحسب بيانات المانحين لو صدقوا.
3
غالباً تستلم الأمم المتحدة هذه الأموال لتتصرف فيها عبر وكالاتها المتعددة وهي نحو ستة عشر وكالة.. السؤال ماهي تلك الوكالات التي ستتعامل معها الأمم المتحدة بشأن السودان.؟. أغلب الوكالات الأممية للسودان لدينا تجارب مريرة معها، وخاصة في مناطق النزاعات، إذ عملت كثيراً منها كجسور لدعم المتمردين بالإغاثات، بل وأدخلت سلاحاً لهم… آخر مفاوضات مع الحركة الشعبية شمال فشلت بسبب محاولة الحركة تحديد المناطق التي تعبر منها الإغاثة وهى مناطق اشترطوا ألا تكون تحت سيطرة الحكومة. وكالات الأمم المتحدة إذا عملت بلا رقابة داخل أو خارج حدود السودان فإن أموال المانحين يمكن أن تكون وبالاً علينا، إذ يمكنها أن تسلم مباشرة لقوات الدعم السريع أو تدعي تلك الوكالات أن الدعم السريع قد نهبها.خاصة وأن كل من الأمين العام وأغلب الدول المانحة تبدي تعاطفها الآن مع المتمردين، ولم تتجرأ واحدة منها بإدانة التمرد. (تذكروا أن مئات الأطنان من مواد الإغاثة التي عليها علامات الأمم المتحدة وجدت فى مخازن الدعم السريع بمنطقة جبل سركاب بعد التمرد الأخير ولم تسأل أي جهة كيف وصلت تلك المواد لمخازن المتمردين.)
4
ما هي الأولويات التي ستكرس تلك الأموال لخدمتها؟. مثلاً هل شراء وتوزيع الغذاء أولوية الآن للإغاثة في الخرطوم، أم الأولوية للدواء وإصلاح المستشفيات؟.
أغلب مناطق الشمال الآن ليس بها معسكرات لاجئين وخيام لا داخلها ولا خارجها.كل الذين نزحوا من الخرطوم نزحوا باتجاه أهلهم ومناطقهم وبعضهم اختار منطقة استأجر فيها مسكناً، فلم تنصب خيام في كل أرجاء السودان (حرب بلا خيام) وهذا ما نفخر به.
ماهي تلك الجهات الداخلية التي تحدد أولويات الإعانات مع الأمم المتحدة؟. هناك لجنة تابعة لبعثة السودان في الأمم المتحدة رفعت الاحتياجات العاجلة للأمم المتحدة ولكن ما ضمان التزام وكالات الأمم المتحدة بها.؟. وخاصة أن لجنة أخرى للمتآمرين تعمل من نيروبي للاستيلاء على أموال المانحين وتحديد مساراتها وتقترح أن تكون اليد العليا في التوزيع المباشر للإعانات تحت “لجان المقاومة” وهو ما اقترحه أيضاً الاتحاد الأفريقي.!!.
5
تقدر الآن وكالات الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية أن عدد اللاجئين السودانيين تجاوز المليون شخص، موزعين على أربعة دول هى مصر، وإثيوبيا، وتشاد وجنوب السودان. فيما بلغ عدد النازحين من الخرطوم 700 ألف شخص بحسب إحصاء مايو الماضي. إذن كيف ستتعامل الأمم المتحدة مع اللاجئين خارج السودان.؟.هل تدفع لهم مالاً أم تستخدم بطاقات غذاء، أغلب السودانيين لن يقبلوا أن يعتاشوا أو يمدوا أيديهم لأخذ طعام من المنظمات.إذن ما هي الآليات التي ستعتمدها الوكالات الأممية فى إيصال دعمها الغذائي أو المالي للمحتاجين خارج السودان وهم ليسوا في خيام أو معسكرات.؟.
6
نأتي إلى السؤال الأخير، كيف ستتعامل الحكومة (وأين هي) مع الوكالات الأممية التي ستسلم أموال المانحين بإسم الشعب السوداني؟. لا أحد يعرف كيف، بل لا يعرف أحد أين هي الحكومة نفسها.!! على العموم أيَّا كان نقترح الآتي.:
1- أن تُسمي الحكومة عدداً من المنظمات الوطنية التي لا تزال حية بعد أن اغتالت يدى قحت الآثمة أغلبها لتعمل كشريك وطني مع الوكالات الأممية ولا تسمح لأي وكالة اممية ليس لها شريك وطني معتمد من الحكومة بالعمل في مجال الإغاثة، لا داخل ولا خارج السودان. لكثير من المنظمات الوطنية خبرة ممتازة وطويلة في مجال الإغاثة.
2- أن تُسمي الحكومة بعض الجمعيات والمنظمات الإقليمية المعتمدة دوليا والموثوقة (قطر الخيرية نموذجاً)، لتكون شريكة أيضاً مع الوكالات الأممية لتتولى توزيع الإعانات للمحتاجين في مناطق النزاع أو خارجها. وألا تسمح مطلقاً للجان مقاومة أو أي أجسام هلامية غير قانونية بالتدخل في استلام وتوزيع الإعانات.
3- أن تنشأ آلية وطنية للتعامل مع كل الشأن الإغاثي والإعانات، تعمل على التخطيط والمتابعة وتعمل أيضاً كآلية مراقبة على الوكالات الأممية وطرق توزيعها للإغاثة لمنع استخدامها كحصان طروادة لدعم المتمردين.
7
يا أيتها الحكومة (إن وُجدت) إن سمحتي لوكالات الأمم المتحدة أن تستلم أموال المانحين لتصرفها مرتبات وإقامات فاخرة ومصروفات طيران ونثريات ورشاوي، ومن ثم تستلم الإعانات لتوزعها كيفما أرادت ولدعم المتمردين، سيكون مؤتمر جنيف وأموال المانحين وبالاً على بلادنا ، فالأفضل إن كنتم غير قادرين على وضع الآليات اللازمة للتعامل مع الإعانات والسيطرة عليها، مراقبة وتوزيعاً عادلاً، أن توقفوا تدفق أموال المانحين على خزائن منظمات ووكالات الأمم المتحدة التي لها تاريخ في التآمر على الدول الأفريقية تحت لافتات العمل الإغاثي. إقرأ كتاب “أفريقيا المستهدفة” للكاتبة النيجيرية بيانوجو إيكيوتشا.