تقارير

عادل الباز يكتب: درس باشدار

فيما أرى

1
لكم وددت أن تكف الأسافير عن الإسراف في السخرية والشماتة لما جرى للحرية والتغيير في ميدان باشدار، لأن الذين يُظهرون الشماتة اليوم تأذوا من العنف العبثي في زمان قريب، وسيتأذون منه في المستقبل، ما لم تواتيهم الشجاعة لإدانة ما جرى في باشدار. لابد من إدانة العنف أيّا كان مصدره وأيّا كانت الجهة التي يصوب إليها. تلك هي العدالة والاتساق مع المبادئ.
حاولت أن أفهم لماذا هذا القدر من الشماتة والسخرية التي طفحت بها الأسافير تجاه العنف التي جوبهت به مظاهرة قحت؟ وما هي مؤشرات ودلالات ما حدث؟..
2
من الواضح أن ما حقنت به قحت شرايين السياسة خلال الثلاث سنوات، بدأت بثوره تظهر في الجسد المُعتل أصلاً بالتشظي المستمر. ثلاث موبقات ارتكبتها قحت، مهدت لما جرى في باشدار، الصمت الذي مارسته حول ممارسات عنف جرت أمام ناظريها وأبان حكمها وبل شجعت عليه، بدأ تشجيع العنف بالشعارات والهتاف (أي كوز ندوسو دوس).. ثم سرعان ما انتقل الهتاف القميء إلى حيز الأفعال فشاهدنا سلسلة من الاعتداءات على أنشطة سياسية ( قرطبة/ إفطار الاسلاميين/ الاعتداءات المتكررة على أنشطة الإسلاميين في العاصمة والأقاليم/ الاعتداء على المستشفيات /احتلال المحليات .) حتى اسمها دكتور مزمل ابوالقاسم وقتها دولة الفوضى ، يومها لاذت قحت بالصمت المريب ولم تسعَ لكف أيادي عضويتها عن انتهاك حرية الآخرين الذين صدعونا بأن من حقهم أن يكونوا آخرين. زجت بمعارضيها في الزنازين وصادرت ممتلكاتهم، شردتهم وأسرهم من وظائفهم.
3
مرة أخرى، حقنت قحت شرايين السياسة بمصل الكراهية. فبعد أن كان الشعار (يا عنصري يامغرور كل البلد دارفور) تحول إلى أن (ديل ما بيشبهونا / يشبهو بعض جاؤوا من حتة واحدة) كان مفهوماً من يقصد خطيبهم يومها. حين جاء أهل دارفور ليساهموا معهم في مسئولية الفترة الانتقالية، رفضوا إدماجهم في سلطتهم الجديدة خوفاً على محاصصاتهم ابتداءا ثم كرهوا اتفاق جوبا وما رتبه من التزامات حتى طالبت أطراف منهم بالغائه. كيف تكون (كل البلد دارفور) وأهلها بلا سلطة ولا ثروة، يعني بتستهبلوهم ولا شنو؟. الغريب أنهم بعد ان فقدوا سلطتهم إثر انقلاب البرهان دعوا ذات أهل دارفور الذين كرهوا مشاركتهم بالأمس للاصطفاف إلى جانبهم في مناهضة الانقلاب.!!. بالله شوف. ممارسات قحط العملية نسفت شعاراتها وأفقدتها أي مصداقية، وشظّت الساحة السياسية، فضلاً عن أنها دفقت سم الكراهية في النفوس.
4
من المؤسف أن تكون أكثر ممارسة شائعة لقحت في زمن الحرية والعدالة هو قمع حرية التعبير، فحق الهتاف والمظاهرات جعلته حقاً حصرياً لها ولا أحد غيرها، (لا أحد يتظاهر غيرنا هذا ممنوع). فنسفت مبدأ الحرية الأول (الحرية لنا ولسوانا)، طوت هذا الشعار الجمهوري النبيل ولاذ الجمهوريون بل وكل (الديمقراطيون) بالصمت فنحرت حرية التعبير. ثم لم تلبث قحت إلا قليلاً في مقاعد السلطة حتى بعثت لصحيفة السوداني بالدوشكا، وطردت الصحفيين من مقر عملهم دون أن يكون هناك أي حكم قضائي إنما نزوة وشهوة الانتقام من زملاء لهم. ذبحت يومها حرية التعبير، خرست الألسن التي طالما ما أدعت أن حرية التعبير جزء من عقيدتها. ذلك قبل أن ينكشف زيفها وخداعها.. أضف إلى ذلك مئات الصحفيين والاعلاميين تشردوا بقوائم التفكيك، وأغلقت أكثر قنوات فضائية ثم منعت استضافة أي شخص معارض للحرية والتغيير في برامج تلفزيون القومي، بل حتى التلفزيونات الخاصة أغلقت في وجه المعارضين وانتزعت المايكات من أفواههم.
هل عرفتم لماذا فاضت الأسافير بالشماته؟. قحت تتجرع سمها وتحصد ثمار خيانتها لشعارات الثورة (والبِلدْ المحن لابُد يلولي صغارن).
5
ماهي دلالات ما حدث، وإلى ماذا تشير أحداث باشدار؟. تشي مناظر الاشتباكات بين (الثوار) أن ما يسمى بوحدة القوى الثورية صار الآن أثراً بعد عين وأن الذين ينتظرون حدوث تلك الوحدة إنما ينتظرون غودو.!! .فليمد العسكر سلطاته ورجليه ويدخن غليونه.
سببت أحداث باشدار ضرراً بالغاً بصورة قحت والقوى الثورية داخلياً وأمام المجتمع الدولي الذي ثبت له الآن أن رهاناته على قحت خاسرة. وأن ثوارا عاجزين عن توحيد أنفسهم في مظاهرة بميدان محدود سيعجزون بالضرورة عن توحيد وطن متشظي أصلاً. بل كيف يوحدون وطناً بالسكين والمطاوي وأي حوار سيجري بين رفقاء الأمس وموقف باشدار يفيض بالدماء القانية؟.
6
الآن سيجد العسكر فرصة ذهبية بعد العرض الدموي الذي جرى على مسرح باشدار، هاهي القوة السياسية التي دعوناها للتوحد إذ بها تتقاتل في الأزقة والحواري، فإلى متى ستظل البلاد رهينة لوحدة قوى ثورية لن تأتي؟ السؤال مطروح الآن أمام المجتمع الدولي. هذه فرصة للعسكر لتكريس سلطة الأمر الواقع والتقدم للأمام بمباركة المجتمع الدولي الرأي العام الداخلي المرعبين من شبح الفوضى والحرب الأهلية.وهاهي إذن نتائج باشدار بفعل غباء وحماقات قحت والقوى الثورية، فبدلاً من انهاء حكم العسكر، هاهي تمدهم بأسباب البقاء والسيطرة بلا ثمن.!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى