تقارير

عادل الباز يكتب: حكايتي مع حمدنا الله (4)

فيما أرى

1
البحث عن مصادر ثقافة د. عبد الله حمدنا الله من شأنه كشف الكثير عن المنهج النقدي الذي اتبعه وأنتج كشوفاته في التاريخ الإجتماعي وتاريخ الصحافة والشعر التشادي، وكل ماكتب من آراء مثيرة في الثقافة والفكر والتاريخ.

2

تنوعت البيئات والأماكن التي عاش في أجوائها حمدنا الله وشكلت مخيلته منذ صباه الباكر فهو سليل أسرة أنصارية عريقة في شمال الجريزة، وهي بيئة تتمتع بصفاء روحي ويمثل الدين مرتكزها الأساسي، فكانت قراءة راتب المهدي الذي يشكل حضوراً مذهلاً في ثقافة الأنصار مصدراً ملهماً له في سنوات التكوين الأولى إضافة لما تنتجه تلك البيئة من حكايات وقصص حول مجاهدات أنصار المهدي. وخاصة قصص تلك الملحمة البطولية التي دارت رحاها بالقرب من عديد البشاقرة وهي ملحمة ود حبوبة في أرجاء الكاملين حيث ديار الحلاوين، تلك الملحمة التي كان حمدنا الله يحفظ تاريخها وشعارها ولا يمل من تكرارها.. هنا لابد أن أستطرد على طريقة حمدنا الله لإنعاش ذاكرة جيل جديد، تقول الحكاية: (إلتقى ود حبوبة، أحد قادة المهدية، الإمام المهدي في قرية طيبة الشيخ القرشي، وعندما قامت الثورة المهدية بايع قائدها، وأصبح لاحقاً من أبرز قادتها، شارك في كل معارك المهدية ما عدا معركة كرري، وبعد موقعة كرري عاد ود حبوبة إلى مسقط رأسه وهناك قام بثورته المشهورة في تاريخ السودان ضد الإنجليز فَقَتل مستر منكريف المفتش الإنجليزي برئاسة مديرية النيل الأزرق، والمأمور واليوزباشي محمد شريف، فأعدمه المستعمر الإنجليزي شنقاً بعد محاكمته في مدينة الكاملين يوم 7 مايو 1908 أمام قاضي محكمة المديرية المستر بيكوك القاضي الإنجليزي بعد أن أثبتت عليه المحكمة قتل المفتش ومن معه، واتهم بإثارة الفتنة، والحرب على حكومة السودان، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام ومصادرة أملاكه. وقد نُفِّذ الحكم صبيحة يوم الأحد الموافق 17 مايو 1908 بسوق حلة مصطفى، فأُحضر مكبلاً بالحديد وفي شجاعة نادرة صعد إلى المشنقة وهو يهلل ويكبر ومن حوله النساء يزغردن فكتبت رقية بنت حبوبة اخت الشهيد ود حبوبة.
سيفك الللفقر قلّام بتريد اللطام أسد الكدادة الزام
هزيت البلد من اليمن للشام سيفك للفقر قلام
بى عيني بشوف أب رسوة طامح فوق
كان جات بالمراد واليمين مطلوق
ما كان بنشنق ود أب كريق في السوق.
تلك البيئة التي أنتجت كثيراً من الأدباء والشعراء والشاعرات هي التي شكلت الوعي الباكر لحمدنا الله والتي أسست على قيم الدين، وقادته للالتحاق بالتيارات الإسلامية لاحقاً قبل أن ينفتح على قراءات أدبية وشعرية واسعة، ويقول د. حمدنا الله إن شغفه بالقراءة وبالصحافة بدأ من حصد صفحاتها من بين أشواك الأشجار، إذ كان يلتقط صفحات الصحف التي تعلق بأشواك الأشجار، فيقضي وقتاً طويلاً بين قراءتها، الأمر الذى أثر لاحقاً في كل مسيرته الثقافية والصحافية.
3
تلك المرحلة الأولى تركت أثرها عميقاً في توجهاته الفكرية، وقادت بعد ذلك خطاه إلى المعهد العلمي، وبعد تخرجه التحق بوزارة الشئون الدينية على عهد د.عون الشريف قاسم، وهي الفترة التي بدأت فيها علاقاته بالكتابة والتحرير الصحفي، إذ عمل باحثاً ومحرراً بمجلة الشئون الدينية. هذه هي الفترة – كما يحكي حمدنا الله – التي بدأت فيها اهتماماته بالأدب السوداني وبالتاريخ الإجتماعي للسودان، وبدأ بقراءات واسعة متنوعة في الأدب السوداني والشعر قديمه وحديثه، وحين تستعرض الآن مكتبته العامرة (أكثر من 4 ألف كتاب ومخطوطة)، تلحظ هذا التنوع الهائل في قراءاته ومصادر معرفته. أنهى انتداب حمدنا الله إلى القاهرة للدراسات العليا في الأزهر في تلك الفترة، لتبدأ أخرى خصبة في حياته، ظهر فيها نبوغه وتوسعت مداركه وأثرت بشكل عميق في ثقافته. كما سنرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى