عادل الباز يكتب : المقاومة الشعبية المسلحة في السودان…إلى أين؟

فيما أرى

 

(1)

يدور في أروقة السياسة جدلٌ ساخنٌ بين مؤيدي فكرة المقاومة الشعبية ورافضيها، وكلٌ يتمسك بمواقفه، والفكرة التي يدور حولها الجدل الآن بدأت منذ الشهور الأولى للحرب، حين دعا القائد العام للجيش السوداني قدامى المحاربين والقادرين على حمل السلاح، للتوجه للمناطق العسكرية لإسعاف الجيش الذي بدا أنه يعاني نقصاً حاداً في قوات المشاة، وتقول تقارير متواترة إن الجيش كان قد أوقف التجنيد لسنوات، واعتمد على قوات الدعم السريع لمكافحة التمرد في مناطق دارفور المختلفة، ومكنها من التجنيد حتى فاقت أعداد قوات الدعم السريع – وهي قوات شبه عسكرية – المائة ألف جندي.

بدأت بقوات تُدعى حرس الحدود، ثم تطورت لتصبح قوات شبه نظامية لها قانون صدر 2017م، ومن ثم ساهمت الدولة في تسليحها وأتاحت لها فرص تدريب واسعة، ومشاركات في مهمات خارجية، أكسبتها علاقات وموارد ضخمة، إضافة إلى عملها في مجال الاستثمارات والتجارة عبر شركاتها المتعددة، وخاصة في مجال الذهب.

الاستجابة لدعوة قائد الجيش للاستنفار في البداية كانت محدودة، والذين سارعوا للانضمام إلى معسكرات الجيش ظلوا بدون تدريب أو تسليح كافٍ لخوض المعارك المشتعلة في العاصمة السودانية الخرطوم في الثلاثة أشهر الأولى، مما أحبط الفكرة وجعل تدفق المستنفرين يتضاءل شيئاً فشيئاً.

بدأت نقطة التحول في قضية المقاومة الشعبية بعد أن أقدمت قوات الدعم السريع على اجتياح مدينة ود مدني – (200) كيلو متر شمال العاصمة الخرطوم – في نهاية العام الماضي، ثم تدفقت تلك القوات لتستولي على مساحات واسعة من ولاية الجزيرة بوسط السودان، وصاحبت هجماتها عمليات قتل ونهب واسعة لممتلكات المواطنين والدولة على السواء، منذ تلك اللحظة بدأ نداء المقاومة الشعبية المسلحة في منطقة الجزيرة يتصاعد وسرعان ما تمت دعوة المواطنين لحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم ومدنهم وقراهم وأعراضهم.

ثم تواصلت الدعوات لمجموعات من المستنفرين في ولايات أخرى كانت قد بدأت تدريب الآلاف من الشباب في معسكرات الجيش، عمّت الدعوة أغلب أقاليم السودان الشمالية، وتدفق الآلاف من المواطنين والشباب استجابة للاستنفار العام، في وقت تصاعدت فيه الاستجابة الكثيفة لدعوة الاستنفار وحمل السلاح تحت مسمى “المقاومة الشعبية” ظلت الدولة صامتة لفترة من الزمن إلى أن أعلن قائد الجيش، الرئيس البرهان تحت الضغط الشعبي انحيازه للمقاومة الشعبية، وأعلن البرهان يوم 25 ديسمبر من العام الماضي بمدينة سواكن شرق السودان، دعمه للمقاومة الشعبية المسلحة، وأمر بتسليح كل من يستطيع حمل السلاح لمواجهة قوات الدعم السريع، التي توسعت في ولايات أخرى خارج العاصمة الخرطوم.

وطالب الرئيس البرهان في ذات الخطاب بتنظيم المقاومة تحت قيادة القوات المسلحة، حتى لا تنفلت لتلد مشكلة أخرى أشد خطراً، ووعد بتسليحها، ولكن وعود الدولة بتسليح المواطنين للدفاع عن أنفسهم اتسمت بمحدودية وبطء شديدين، مما دفع بعض الأقاليم للمسارعة في جمع التبرعات من الأهالي، لتتسلح المقاومة دون انتظار سلاح الحكومة، وخاصة أن المخاوف من غزو قوات الدعم السريع لمناطق أخرى في الإقليم الشرقي، وإقليم النيل الأبيض، تتصاعد بسرعة مذهلة.

كان منطق الذين أطلقوا دعوة المواطنين لحمل السلاح، أو ما سُمي بالمستنفرين، الذين شكلوا المقاومة الشعبية المسلحة، أن الجيش الذي يقاتل على امتداد مساحة السودان 860 ألف كيلومتر مربع، ليس بوسعه الدفاع عن المواطنين في كل قرية وبلدة ومدينة في تلك المساحة الشاسعة، إضافة إلى أن بعض وحداته العسكرية محاصرة ويعاني أصلاً من نقصٍ في قوات المشاة، وعدم قدرة على إيصال الإمدادات للمناطق التي تحتاجها بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على كثير من الطرق الرئيسية، إضافة إلى أن الجيش نفسه يعاني من نقص في إمدادات السلاح.

وسط مخاوف واسعة انتابت المواطنين بسبب ما شاهدوه من حملات ترويع وقتل واغتصاب، قامت بها قوات الدعم السريع في مناطق أخرى، في غرب السودان، وعاصمته الخرطوم، ومدينة ود مدني بوسط البلاد، لكل هذه الأسباب وجدت الدعوة إلى المقاومة الشعبية المسلحة استجابةً كبيرةً من المواطنين في ولايات شمال السودان ووسطه.

رفضت القوى المدنية المعارضة بالخارج دعوات الاستنفار العام، ووقفت ضد تأسيس المقاومة الشعبية، وأعلنت أن تلك الدعوات من شأنها تأجيج الصراع العسكري، في وقت تتبنى فيه هي الحوار تحت شعار (لا للحرب)، وقالت إن هذه الدعوة لتسليح المواطنين يمكن أن تشعل حرباً أهليةً بالبلاد بين مكوناتها القبلية والإثنية، وقد تؤدي إلى تقسيمها، ودعت ما عُرفت بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، إلى حصر السلاح في الدولة باعتبار أن الدول هي وحدها التي يجب أن تحتكر أدوات العنف.

سبب ثالث وهو الأهم، تعتقد المعارضة أن الإسلاميين (أعدائهم الاستراتيجيين) يسعون من خلف دعوات الاستنفار إلى تصعيد الحرب للعودة إلى السلطة.

 

المقاومة ومستقبل الحرب

بالاستجابة الواسعة للاستنفار من قبل طوائف وقطاعات مختلفة من الشعب، أصبحت المقاومة الشعبية المسلحة عنصراً مهماً في الصراع بين الجيش والدعم السريع، إذ بدا الآن أن الجيش لا يحارب وحده، إنما خلفه الملايين الذين يساندونه في الحرب، إضافة إلى أن المقاومة بدأت تدعم مادياً وحدات الجيش المختلفة، كما بدأت تنظم نفسها وهياكلها مما يجعل دعمها وتأثيرها في الحرب أكثر فعالية.

تتسم المقاومة الشعبية المسلحة بثلاثة سمات أساسية، يمكن إذا ما وظفتها التوظيف الصحيح أن تؤهلها للعب أدوار حاسمة في التأثير على مجريات الحرب، أولها أنها تعتمد على مواردها الذاتية في تمويل نفسها، وهذا يساهم في دعم مادي مباشر للمجهود الحربي وخاصة أن الدولة تعاني عجزاً كبيراً في ميزانيتها هذا العام 2024، وتراجعت الإيرادات من العام الماضي إلى أقل من الثلث، ويتوقع أن ترتفع قليلاً هذا العام، ولكن مع زيادة أعباء الصرف العسكري، ستعاني من عجز مريع في إيراداتها، وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن الاقتصاد السوداني بسبب الحرب تراجع بنسبة تصل إلى 42%، نتيجة لتضرر مرافق التصنيع وتدمير البنية التحتية، ليؤدي ذلك إلى بطالة جماعية.

السمة الثانية أنها تمتلك الحافز للقتال دفاعاً عن مواطنيها، أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم، فالمقاومة الشعبية المسلحة تتأسس وتعمل بصورة مناطقية فيتكون لها ولاء وحوافز أكثر للدفاع عن تلك المناطق.

Exit mobile version