عادل الباز يكتب: الشيوعيون.. الاستراتيجية والتكتيك
في ما أرى
1
يتعجب كثيرون من مواقف وتعنت الحزب الشيوعي السوداني تجاه تحالف الحرية والتغيير الذي قال إنه اكتشف عواره وغادره إلى غير رجعة بعد أن أجرى تحليلاً لمواقفه وصنف التحالف (كحركة برجوازية صغيرة عاجزة عن مواكبة الثورة ناهيك عن قيادتها.) اتضح للشيوعيين مؤخراً أن البرجوازية الصغيرة تلك تتماهى مع مواقف وسياسات الإمبريالية العالمية والتي ترهن نفسها للاستعمار الحديث ووكلائه الإقليميين، وبذا فهي أصلاً كقوى هبوط ناعم وبرجوازية صغيرة كانت تلهث وراء إبرام صفقات مع نظام الإنقاذ وما أن سقط بفعل المد الثوري الجماهيري حتى هرولت لإبرام صفقة مع اللجنة الأمنية لنظام الانقاذ نفسه ورهنت الثورة للتسويات لكونها ليست قوى تغيير جذري ثورى. ويقول الشيوعيون أن المشكلة ليست في أنهم لايملكون برنامجاً وطنياً للتغيير فقط بل يريدون ايضا استبدال التمكين بتمكينهم والطفيلية الإسلامية بطفيلية جديدة منهم وحلفائهم.
وبناء على هذا التحليل فإن التحالف التكتيكى الذي تأسس مع بداية الثورة لن يقودها إلى آفاقها وأهدافها العليا وستضيعها قوى الحرية والتغيير وتغرقها في بحر من المساومات والتسويات كما ضيعت القوى الطائفية ثورة أكتوبر بتآمرها على الحزب وكما خانت البرجوازية الصغيرة الحزب الشيوعي نفسه فتآمرت مع قادة الإنقلاب المايوي لضرب الحزب. ولذا وبناءً على دروس التاريخ والحاضر يجب التعلم من التجارب واجتراح درب آخر للثورة قوامه لجان المقاومة وكل الجذريين.!!. هذا هو رأي الحزب الشيوعى المعلن، أتمنى أن أكون أفلحت فى رصده من جملة البيانات التي يصدرها الحزب والتصريحات الموثقة المنسوبة لكوادره.
2
إذا كانت هذه التصريحات والمواقف المعلنة، فما هي الدوافع المسكوت عنها في الخطاب الشيوعي التي تعبر عن موقفه الاستراتيجي من قوى اليسار أو المتماهين مع الخط اليساري الديمقراطي أو اليسار الطائفي الجديد أو اليسار الجزافي ؟ المعركة التي يخوضها الحزب الشيوعى ضد فقاعات اليسار بتنوعاتها تستند لتحليلات سياسية دقيقة على خلفية تجارب فى الماضي وتنظر إلى المستقبل ولا تعبأ بالهرج السياسي الجاري الآن. في تقديري أن رفض الحزب الشيوعى للمساومات والوساطات إنما يعود لتقديرات وحسابات موضوعية تخص حاضر ومستقبل الحزب.
أولاً: للحزب تجربة فى التحالف مع كائنات تحالف الحرية والتغيير وخلال تلك التجربة أدرك انها كائنات هلامية يقودها يساريون وطائفيون هواة وناشطون، ثم إنه لا يمكن الوثوق بها فهي، بحسب رؤية الحزب، لا تملك قرارها بالكامل. ثم إنها تود أن تقود مسيرة الثورة وحدها والحزب الشيوعى بعد نضالات وتضحيات لنصف قرن لا يمكن أن يترك رسن قيادته لتلك الكائنات لترسم وتقرر فى سياسات ومستقبل البلد كما تهوى تحت لافتة تحالف أجوف.
الحزب الشيوعي هو الذي أسس وأطلق فكرة لجان المقاومة التي لها القدح المعلى فى قيادة الثورة حتى انتصرت دون أن يعني ذلك أن الآخرين لم يشاركوا، ولا يزال الحزب يحتفظ بالنسبة الأكبر والفاعلة من تلك اللجان والآن يتجه لفرز عيشته كليا بتبني منظومة جديدة لذات لجان المقاومة تحت لافتة أخرى. يقول الشيوعيون أنهم لايسعون للسيطرة على لجان المقاومة إنما للتحالف معها.
شعر الحزب الشيوعى أن تحالف الحرية والتغيير يستخدم حماس لجان المقاومة لتنفيذ أجندته فيخادعها بالشعارات الثورية ليصعد بها مجدداً إلى سدة السلطة بتسوية جديدة مع العسكر، إضافة إلى أن اللجان نفسها باتت مخترقة من عدة جهات، فالدعم السريع مجتهد في تجنيد قياداتها وبعضهم صار مستشاراً للقائد حميدتي الآن وللأمن مصادر موثوقة داخلها وللاستخبارات العسكرية قواعد وهناك أصابع لصلاح قوش وللسفارات علاقات مفتوحة معها تحاول أن تستميلهم بشتى الوسائل. يعني أن قضية اللجان هاصت ولم يعد الحزب يثق في كثير من تحركاتها وأجنداتها المتضاربة. إذا تم تجريد تحالف الحرية والتغيير من أداة المساومة الوحيدة بين يديه فيصبح (معلم الله) من أى أداة نضالية.. فلا جيش ولا شارع… فقط يستند على حوائط السفارات الداعمة للخط العلماني / الليبرالي / الإمبريالي وهو خط اوهى من خيوط العنكبوت. هذا ما يسعى إليه الحزب الآن ويعمل عليه. وهو بهذا يطمح إلى قيادة الموجة الثورية الجديدة المنتظرة (تسقط تالت) بعد إضعاف قوى الحرية والتغيير وربما تفكيكها . وللحزب تجربة في هذا النوع من العمل الصبور، وهو غير متعجل مثل قوى الهبوط لكراسي السلطة فلقد عمل فى الستينيات بتكتيكات مختلفة ست سنوات استطاع أن يحصد نصيب الأسد من حكومة ثورة أكتوبر عبر لافتة جبهة الهيئات. بغض النظر عمّا حدث له بعد ذلك.
3
الحزب الشيوعى بحكم تاريخه فى النضال على مدى خمسة عقود لا يمكن أن يسمح لأي حزب ناشئ وناشط مثل المؤتمر السوداني أو التجمع الإتحادي أو حزب البعث وبعض عناصر الطائفية اليسارية أن تصعد على ظهره للتنافس لقيادة اليسار العريض والفئات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدنى.
الحزب الشيوعى لن يستطيع المنافسة في جماهير الإسلاميين ولا فى قواعد الأحزاب الطائفية ولكنه يستطيع المنافسة فى قواعد اليسار والديمقراطيين لذا لن يتيح لأي حزب أن يلعب في حيزه الحيوي. فالمطلوب فقط من أحزاب اليسار داخل المجلس المركزى للحرية والتغيير أن تدخل في قفطان الحزب وتحت قيادته بأدب جم وتقبل بكل برامجه وأطروحاته بغير ذلك لن يكون هناك تحالف ولا عمل مشترك معها، لن يغذى الحزب حملاناً لتصبح أسوداً فى المستقبل تلتهم كل رصيده من الجماهير.
4
برنامج الحزب الشيوعي الإقتصادي، وهو مربط الفرس وعقدة التحالفات اتضح أن بينه وبين برنامج قوى الهبوط الناعم بون شاسع واختلافات جذرية لا سبيل لرتقها بمبادرة لا تدرك كنه الخلاف ولا عمقه. فبرامج صندوق النقد والبنك الدوليين وعموماً أجندة الغرب الإقتصادية التي تتبناها قوى الهبوط الناعم تتناقض جذرياً مع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحزب الشيوعى الذى يرفض الاندغام في محرقة المؤسسات والسياسات الامبريالية لأسباب عديدة تضج بها كتابات الشيوعيين ووثائقهم وأهمها (الماركسية وقضايا الثورة السودانية.). اتضح هذا الصراع جلياً حين رفض الحزب الشيوعى برنامج حكومة حمدوك وقدم برنامجاً بديلاً لم تأبه له الحكومة وسارعت بتبنى روشتة صندوق النقد الدولي وإنفاذها على عجل حصد منها الشعب نتائج لايزال يدفع ثمنها الآن ولسنوات قادمة.
5
للشيوعيين رأي ومواقف واضحة تجاه استقلالية القرار الوطني وبما أن قوى الهبوط الناعم والطائفية واليسار الليبرالي مرتهنة كلياً لأجندة الخارج والسفارات، والسيد فولكر واللجان الثلاثية والرباعية فمن المستحيل أن يحشر الحزب نفسه فى حضن المحاور الإقليمية والعربية التي قال عنها عبد الخالق محجوب فى مقال له بأخبار الأسبوع ١٩٦٨/٤/١٧ (الرجعية السودانية قطعت العهد أمام أباطرة المال العربي بأنهم يسلمونها السودان وقد خلا من كل حركة ثورية وأطفأوا بأفواههم كل شمعة أوقدها شعبنا لتنير له الطريق.). بالله شوف. يسعى الحزب على المحافظة على خطه كحزب وطني مستقل القرار.
6
الشيوعيون يتبنون موقفاً جذرياً ضد حكم العسكر.. فليس للعسكر عند الحزب إلا أن (يتركوا السلطة ويمشوا بيوتهم) بحسب عمنا صديق يوسف وفي قول آخر يخضعون لمحاكمات.!!. هذا الموقف يتقاطع كلياً مع موقف قوى الهبوط الناعم التي تسعى لتسويات مع العسكر برعاية السفارات ويلحون صباح مساء عليهم ليسلمونهم السلطة كممثلين وحيدين للثورة. إذن لا سبيل للتوفيق بين الموقفين.
7
الآن الحزب الشيوعي ضد دستور قحت الذي أعدته تسييرية نقابة المحامين كما يطالب بإلغاء اتفاق جوبا وحل الدعم السريع وتلك مواقف وسياسات جذرية لا قبل لقوى الهبوط الناعم بها ولا يمكن أن تدعم أو توافق على أجندة الحزب الشيوعي ومواقفه وسياساته تلك.
لهذا كله لن تجد قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ما يجمعها بالحزب الشيوعي مهما تدثرت بشعارات وحدة قوى الثورة أو حاولت ذلك بواسطة السفارات أو حتى لو توسلت بالشيوخ لأن الحزب الشيوعى له خط، لا يستجيب لشيوخ كدباس ولا لعويل البرجوازية الصغيرة، لا يهمه إن قامت قيامة الثورة أو قعدت إنما يهمه انتصار خطه الثوري الجذري ضد العسكر وحلفائهم واستلام السلطة كاملة غير منقوصة.. وعلى كل، لكل حزب الحق فى مطاردة أحلامه ولو كانت محض أوهام.!!.