فيما أرى
1
“لتقدم” سردية واحدة في كل كتابات جنجويدها الإعلامي، وهو أنه إذا لم تقف الحرب الآن، وبأي شكل وفوراً، وبدون شروط، فإن من شأن ذلك أن يقودنا لثلاثية كارثية مذكورة أعلاه.
2
لنبدأ بموضوع التقسيم، يقصدون أن السودان يمكن أن ينقسم إلى كيانات عديدة، يعنى يخافون على الوطن من التقسيم بسبب الحرب، فبالإذعان إلى شروط المليشيا والاستجابة لرغباتها في وقف الحرب فوراً، ودون تنفيذ الالتزامات التي وافقت عليها في جدة، إذاً تسلم البلاد من التقسيم.!! حين كانوا يهتفون: “الإطاري أو الحرب”، لم يذكروا أن تلك الحرب التي يهددون بها يمكن تقسم البلاد، ولكن حين اندلعت وخربت البلاد وأفنت العباد، بدأت “كواريك” التقسيم تصك الآذان.!!
3
لو كانوا يعرفون شعبهم حقاً، لأدركوا أن المشاعر التي تعتريه الآن وصلت مرحلة إذا كان الخيار فيها بين تقسيم البلاد، وبين حكم الجنجويد، فهم يفضلون أن تتقسم لألف حتة، لقد أدركوا إن هؤلاء ليسوا بشراً يمكن أن يتساكنوا معهم، دعك أن يدعوهم يحكمونهم، ولكن تقدم متأخرة في أحاسيسها، وأهلها غائبون عن مشاعر شعبهم وهمومه، ولذا حين يسرحون بخيالاتهم وبياناتهم، لا يرون إلا أنفسهم وأشواقهم للعودة للسلطة متوجين بكلاش الأمير لينصبوه ملكاً متوجاً على حطام مملكة.
4
لماذا ينقسم السودان الآن بسبب الجنجويد؟ ما هي تلك الأقاليم التي طالبت بالانفصال والتقسيم حتى الآن؟. لا يبدو أن هناك سبباً واحداً يقود لتقسيم البلاد، بل العكس تماماً، توحدت البلاد في أغلب أرجائها ضد الجنجويد، من دارفور إلى كردفان إلى النيل الأبيض وكل الأقاليم الشمالية، بل حتى جبال النوبة، وقفت ضدهم، ويقاتل النوبة الآن في الدلنج ضد الجنجويد مع باقي قبائل السودان، لقد وحد هؤلاء الهمج بتصرفاتهم كل أهل السودان ما عدا قلة من العملاء لا وزن لهم، على موقف واحد، وهو أن يخرج الجنجويد عن حياتنا فلا تقلهم أرضنا، ولا يظلهم سماؤنا، لقد وحدوا الشعور القومي كما لم يحدث من قبل، الآن تسمع هتاف: “جيش واحد شعب واحد” في كل شبر من أرض الوطن، ويالها من نعمة، وكم من نعم تختبئ فى طي البلايا.
5
هل سمعتم صوتاً واحداً ولو همساً ينادى بالتقسيم؟ ابتداءً من أرض المأساة بدارفور التي توحدت (مساليت وفور وزغاوة)، كلها ضد الجنجويد وضد تقسيم السودان، ولم يخرج صوت ينادى بالتقسيم، بل احتشدوا الآن كلهم في عاصمتهم فاشر السلطان، برفقة الجيش السوداني للدفاع عنها.
بالأمس أصدر عبد القادر منعم منصور، وهو من هو، بياناً أعلن فيه وقوف كردفان كلها مع الجيش السوداني، وضد العملاء وأعداء الوطن، هل سمعتم صوتاً بالشمالية أو بشرق السودان الصامد، هل في بحر أبيض سمعتم صوتاً واحداً ينادي بالتقسيم؟، بل هل سمعتم فى جبال النوبة التي عرفت التمرد لأكثر من ثلاثة عقود الآن صوتاً دعا للانفصال أو تقسيم السودان؟، إذا كان هذا هو المشهد في السودان من أقصاه إلى أقصاه، فمن أين جاءت (تقزم) بفكرة التقسيم تهددنا بها لنذعن لشروط الجنجويد.؟!.
6
سيقول بعض الجهلاء السفهاء إن الجنوب سبق أن انفصل، وتقسمت البلاد من قبل، طبعاً هم لا يعرفون تأريخ الصراع الشمالى الجنوبى، ولا أبعاده الثقافية والاجتماعية، فللجنوب قصة أخرى، لا علاقة لموضوع الجنوب بما نواجهه حالياً من عدوان عرب الشتات وبعض عرب النفط.
7
يقول صالحنا الطيب، الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال: (ونظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير، أنظر إلى جذعها القوي المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها، فأحس بالطمأنينة، أُحس أنني لست ريشة في مهب الريح، ولكنني مثل تلك النخلة مخلوق له أصل؛ له جذور؛ له هدف).
يا سادة نحن لسنا ريشة في مهب الريح، ولكننا مثلك تلك النخلة.. لن تقتلعنا أو تقسمنا رياح صحراوية عابرة تثيرها حوافر الجنجويد.