عادل الباز يكتب: التسوية.. الممكن والمستحيل
في ما أرى
1
الآن كل ذي قولة قالها.. ولكن السؤال الذي تجاوزه الجميع فى جدلهم حول التسوية هو هل ستقودنا هذه التسوية إلى استقرار سياسي.؟. هذا هو المدخل الصحيح لاتخاذ موقف من التسوية، وليس صراع الديكة الأعمى الذي نخوض فيه الآن، الاستقرار السياسي وهو الهدف النهائي لأي عملية سياسية، وإذا لم يتحقق فلا جدوى من أي حوار حول التفاصيل على أهميتها، وأول أهداف التسوية هو صنع قاعدة واسعة تسهل الانتقال الصعب، ولكن للأسف ماجرى الآن عكس ذلك تماماً فالتسوية بصورتها الراهنة شكلت أوسع جبهة معارضة من كل أطياف الشعب يميناً ويساراً، وسطاً وشرقاً وغرباً.. هكذا أطاح الاتفاق الإطاري بالهدف الأهم للتسوية.
مرة أخرى نتساءل هل ستقودنا هذه التسوية بصورتها الراهنه إلى وحدة الساحة السياسية أم أنها ستزيدها تقسيماً وتشرذماً؟
لكم وددت أن تكون الإجابة بنعم للسؤال أعلاه.. لكن ما هو واضح لكل ذي عينين أن الاتفاق بصورته الحالية لن يقودنا إلى هدفنا الأسمى كسودانيين، وهو وضع انتقالي مستقر يؤدي بنا إلى انتخابات نزيهة وديمقراطية مستدامة. لماذا؟
السلام أحد شعارات الثورة والذي تحقق بنسبة ما، بعد اتفاق جوبا، مع أن القتل ظل مستمراً في دارفور ورغم أن هناك حركات مسلحة لا تزال بعيدة عن عملية السلام، الآن هذه التسوية تهدد السلام الجزئي الذي تحقق باستبعاد أطراف أساسية فى اتفاق جوبا، وهما حركتا مناوي وجبريل، حتى إذا استبعدنا اندلاع حرب جديدة في دارفور لا يمكن تصور تحقيق استقرار في ظل معارضة واسعة بإقليم دارفور تقودها الحركتان، أضف إليهما قوى أخرى ذات وزن ستنضم لمعارضة الاتفاق الإطاري.. إذا نسفت هذا التسوية الاستقرار وتحول شعار (كل البلد دافور) إلى تسوية بدون دارفور نفسها فإن من المستحيل تصور أن تقودنا التسوية إلى طريق السلام المنشود الذى تحقق جزء منه.
2
استبعدت التسوية قوى أساسية فى شرق السودان، الشرق الذى يعانى أصلاً من عدم استقرار نتيجة للصراعات الجهوية والقبلية، ويشكو من التهميش والإقصاء الدائمين، كرست التسوية الحالية ذلك الوضع مما يعني أن حالة عدم الاستقرار مرشحة للعودة بقوة بفعل الصراعات الداخلية والصراع مع المركز في مرحلة ما بعد التسوية.
3
الآن تقف أغلب لجان المقاومة معارضة للتسوية، بمعنى أن الشارع الحي المقاوم الذي يفترض أن يدعم التسوية معزول منها.. استغربت لحديث الأستاذ ياسر عرمان الذي قال فيه إن لجان المقاومة ليس مطلوب منها التوقيع على أي اتفاق فهم الرصيد الاستراتيجي للثورة!!
بدا لي كأن المطلوب من لجان المقاومة هو بذل الدماء فقط، لتحصد القوى السياسية الامتيازات والكراسي
وإِذا تكونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لها ،
وإِذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ !!
الأوفق أن تصطحب التسوية القوى التي تعتمد عليها استراتيجياً فى العملية السياسية وتحوز دعمها، فاستبعاد لجان المقاومة من التسوية تعني استدامة حالة التشرذم والصراع فى الشارع، ومواصلة المقاومة للتسوية ولحكومتها المرتقبة ليس بسيناريو استقرار بأية حال.
4
هذه التسوية جعلت مكونات أساسية متمثلة فى كتلة نداء السودان، وخلفها الإسلاميون خارج العملية السياسية، كما استبعدت كتلة التيار الجذري التي يقف خلفها الحزب الشيوعي، وسينضاف إليها حزب البعث العربي (السنهوري)، وأخيراً استبعدت الكتلة الديمقراطية التي يقف على رأسها الحزب الاتحادي الأصل (مولانا) وتلك كتلة لايستهان بها.
لم تصمد الفترة الانتقالية بحكومتيها فى الفترة السابقة مع أنها تمتعت بدعم غالب القوى السياسية وخلفها لجان المقاومة، فما ظنك بمقدرة أي حكومة جديدة على استدامة حالة الاستقرار فى ظل هذه المعارضة الواسعة المتنوعة؟
بالنظر لهذا الواقع المعقد والمبعثر.. هل ثمة أمل أن تحدث هذه التسوية حالة استقرار سياسي يسمح بتنفيذ مهام الفترة الانتقالية؟
إذا تحلى الذين وقعوا الاتفاق الإطاري عسكريين ومدنيين بالحكمة وسعة الصدر، وتخلوا عن فكرة الإقصاء يمكن أن نجد ثغرات (عبر القضايا الأربع التي لم تحسم) نفتح بها الاتفاق لتصبح العملية السياسية أكثر شمولاً وأثراً لنعبد الطريق لانتخابات ديمقراطية نزيهة وحرة.