تقارير

عادل الباز يكتب: الإسلاميون.. كسر الحاجز الرابع

فيما أرى 

1
كسر الكاتب المسرحي الألماني بريخت الحاجز الرابع وهو حاجز تخيلي غير مرئي بين المتفرجين والممثلين، كسره يعني تجاوز حالة الإيهام التي تستحوذ على عقل المتفرج إلى حالة المشاركة في الفعل الدرامي. استخدم هذه التقنية فى المسرح السوداني استاذنا المخرج المبدع مكي سنادة في مسرحية (سنار المحروسة) ولا زلت أذكر صوت ابراهيم حجازى الفخيم (شآبيب الرحمة على قبره) وهو يتفجر لحنا وعذوبة بين الجماهير.. (من كي لي كي) ومن ورائه حشود من الدراويش يشعلون المسرح برقصاتهم البديعة مما دفع الجمهور للمشاركة بفعالية، هكذا كسر مكي سنادة الحاجز الرابع واندغم الجمهور فى النص وأصبحوا جزءا فاعلا من لوحة العرض.
2
فى يوم 4/4/1444 هجرية كسرت الحركة الإسلامية الحاجز الرابع وصعدت للمسرح السياسى مجددا بأول افعالها الصاخبة بعد ان مكثت خلف الكواليس طويلا تتقى الجمهور وتنتظر المخرج ليغير لها المسرح والديكور وسينوغرافيا العرض والممثلين بعد أن بقيت في مقاعد المتفرجين وفي الزنازين، بينما ظل المخرجان يبذلان وعودا لا تتحقحج-=ق، فأيقنت الحركة الاسلامية أخيراً أن المخرجان لا يملكان من أمرهما شيئا فهما بين يدى منتجين كثر يقلبوهما إلى أى وجه شاؤوا، كما أدركوا أن خشبة المسرح تدار من كواليس خارجية متعددة والممثلين عليها ليس أكثر من دُمى مزيفة.
3
أخطأ الذين طفقوا يتجادلون في حجم المظاهرة وأعداد المشاركين فيها إذ لا قيمة لذلك فى الحساب السياسي الاستراتيجي، لابد للنظر لما جرى من زاويا أكثر متعددة لتتضح حقيقة ما حدث.
يمكن النظر لتوقيت الصعود مجددا لمسرح الأحداث أذ ياتي فى وقت حاسم وبه منعطف حاد نتج عن زخم إرهاصات التسوية التي يجري تسويقها الآن تحت ضغوط المجتمع الدولي الذي يتوهم أن شارع الثورة محتكر فقط لأحزاب الحرية والتغيير، فكان لابد ان تسارع الحركة الإسلامية لخلق وزنة فى الشارع بتحالف عريض أظهر أن الشارع مفتوح تعج به قوى معارضة متنوعة من أقصى اليسار لأقصى اليمين، وستنداح دائرة التحالفات المعارضة للتسوية المطروحة خلال الأسبوع القادم بعد توقيع أربع كتل رئيسية (مبادرة الجد – التوافق الوطني – مبارك الفاضل – الاتحادي الأصل) على اتفاق يحدد موقفهما من جملة المواضع المطروحة فى الساحة.
4
الانتقال السريع من حالة الدفاع عن النفس إلى الهجوم على الخصوم في فترة وجيزة ليس فعلا هينا بعد ثورة استهدفت كل شيء فى الحركة الإسلامية، ابتداءا من تشويه سمعتها ومصادرة أموالها وتشريد كوادرها ومنع أنشطتها والزج بمئات من كوادرها فى أقبية السجون، هذا الانتقال كان إلى وقت قريب فى حكم المستحيل وقدّر بعض المحللين ان الحركة بحاجة لعقد من الزمان لتعود مجددا إلى دائرة الفعل السياسي. لا تكمن القصة في عودة الحركة الاسلامية لمسرح الأحداث فقط، انما قدرتها فى وقت وجيز على بناء تحالف واسع من الطرق الصوفية ورجال الإدارة الأهلية وطيف واسع من الأحزاب التي كانت متحالفة معها إبان حقبة الإنقاذ.
5
الآن كسرت الحركة الإسلامية الحاجز الرابع بالخروج لمخاطبة الجماهير من خلال حراك سياسي فعال عبر الندوات واللقاءات المتنوعة بالعاصمة والأقاليم، وكان ذلك قبل شهور ممنوع ويتم ترصده بل والهجوم عليه وإيقافه بالعنف (قرطبة، فطور الإسلاميين في رمضان). هل تستطيع أي قوة الآن تكرار مثل هذا العبث.؟. إن أكبر التحديات التي تواجه التنظيمات السياسية خوف العزلة أو منعها من التواصل مع جماهيرها….لأن التنظيمات السياسية ذات الجذور كائن اجتماعي لا يمكن اقتلاع جذوره بالمنع والتجميد والمصادرة والسجون.. وأفضل مثال لذلك هو حزب الأمة والحركة الاسلامية نفسها فبعد كل ما فعله النميرى بهما عادتا لتصدر المشهد وذهب زبد الاتحاد الاشتراكي جفاء. ولذا فإن مطلب الحركات الاجتماعية الدائم ليس السلطة بل حرية الحركة وسط المجتمع.
6
تموضع الحركة الإسلامية في الساحة من جديد من شأنه ان يدفع جهات كثيرة لإعادة النظر فى التعامل معها، ليس ككم مهمل، بل حزب ذو خطر على الأقل قادر على إرباك الساحة ومن المستحيل تصور استقرار سياسي بدون توافق واسع ضمن مفرداته الحركة الاسلامية. ليس بالضرورة مشاركتها فى السلطة الانتقالية إنما فرض نفسها كلاعب في هندسة المستقبل الذي ستكون جزءا منه ومن حقها أن يُسمع صوتها.
7
إذا كانت الحرية والتغيير تتدعى إن للإسلاميين أكثر من (135) ألف كادر في الخدمة المدنية، ولها وجود مقدر في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وأكثر من (20) ألف في الدفاع الشعبي والنقابات، ولازالت دولتهم الموازية تعمل في السوق بكفاءة وما يعلمونه أكثر، إذا كان ذلك وضع الإسلاميين باعترافهم، فهل من الحكمة أن يُتركوا خارج اللعبة السياسية.؟ مخاطر تلك الألاعيب الصغيرة معلومة العواقب الخطرة. ولكم في حكومة القصر أسوة حسنة.!! هل تسمعونني؟

يرتكب المجتمع الدولي وأحزاب تحالف الحرية والتغيير المتحالف معها خطأ فادحا
بمحاولة عزل حزب بحجم الحركة الإسلامية وإبقائها وخارج دائرة السياسة، فهذا ليس سيناريو استقرار سياسي. فحزب يملك الكوادر المؤهلة فى إدارة الدولة بكافة مناحيها السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعلومات والعلاقات الخارجية وعضوية بالالاف على اقل تقدير ، جماهير لا تقارن بأغلب جماهير الأحزاب المنضوية تحت عباءة التسوية المزمعة، حركة خبرتها فى العمل السياسى اكثر من خمسين عاما وحكمت دولة السودان بكل تعقيداتها ثلاثون عاما، حركة مثل ذلك ليس من الحكمة التفكير في عزله لأن ثلة من الأحزاب مجهولة الوزن ضده أو لمجرد أن المجتمع الدولي غير راضٍ عنه. على المجتمع الدولي أن يتذكر أن طالبان عادت إلى الحكم في أفغانستان رغم عدائه الشرس لها. الترويكا ليست الها لتقرر مصير الشعوب وخياراتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى