طبول الصفيح (3)

فيما أرى

عادل الباز

1
في الحلقتين السابقتين ناقشت الادعاء بأن تمرد قوات الدعم السريع يمكن أن يجر البلاد إلى حرب أهلية وأن الحرب إذا لم تتوقف فورا يمكن أن تهدد السلم الإقليمي وتمتد إلى دول الجوار، فضحنا كذب تلك الادعاءات إذ اتضح أنه ليس هناك الآن حرب أهلية في السودان وغير متوقعة لأسباب فصلناها في الحلقة الأولى، ثم أن الحرب لم ولن تمتد إلى دول الجوار بعد قرابة العام ونصف، والتلويح بالحرب الأهلية وتهديدها للسلم والأمن العالمي ماهو إلا غطاء لتمرير أجندات سياسية مكشوفة. !!.
2
في هذه الحلقة ننظر في ادعائهم الذي يقول أنه إذا لم تتوقف الحرب فورا فالسودان سينقسم إلى عدة دول، الآن قرابة العام والنصف من الحرب المستمرة ولم تستطع المليشيا تقسيم السودان… لماذا؟
عندما اندلعت الحرب كانت الفكرة أن المليشيا قادرة على السيطرة على البلاد بالانقلاب، ولكن ذلك السيناريو فشل، وقتها اتجهت المليشيا للسيطرة بالحرب على دارفور وكان كفلاء المليشيات وحلفائها واثقين بأنها في الحد الأدنى ستتمكن من السيطرة على كل إقليم دارفور، وبالفعل حشدت المليشيا كل إمكاناتها هناك وتوفر لها تمويل مفتوح من السلاح والرجال، واستولت فعلاً على أغلب مدن الإقليم، لكن صمود مدينة الفاشر بشعبها الشجاع والصبور وقيادتها المشتركة أفشلوا كل الخطط، كان المخطط يقوم على الاستيلاء على الفاشر، ثم إعلان سلطة هناك على نهج سلطة حفتر في بنغازي. ولكن هذه المؤامرة فشلت إذ لم تسقط الفاشر. ثم إن الفظائع والإبادة التي ارتكبتها المليشيا في القرى حول الفاشر، دفع العالم مكرهاً للوقوف ضدها ثم تحذيرها من محاولة اقتحام الفاشر. هل أدرك العالم أخيراً طبيعة الجنجويد لهذه المليشيا .!!. إدعى بعضهم أن هذه المليشيا منحازة للحريات والتحول الديمقراطي.!! معقول هذا غباء أم تآمر أم نقص معلومات يا ترى.؟
3
العامل الثاني الذي أدى لفشل مخطط التقسيم والذي كان يفترض أن يبدأ بدارفور هى تلك الجرائم التي ارتكبتها المليشيا فى مدينة الجنينة في أول أيام الحرب، خاصة عقب اغتيال وسحل خميس أبكر، إذ غادر المدينة أغلب أهلها ولم يتبقى إلا أعوان المليشيا، وهكذا استمر هذا السيناريو، فكل مدينة يدخلها الجنجويد في دارفور يعيثون فيها فساداً فيهرب الناس منها، وهكذا أصبحت المدن خاوية، فلم تستطع المليشيا أن تديرها وعجزت عن تكوين سلطة محلية، ناهيك عن إدارة مدينة وإقليم، وكشف ذلك أن هذه المليشيا المجرمة لا تملك أي تصور لإدارة محلية، فمن ذا الذي سيوافق على أن يبقى في إقليم تديره عصابة تنهب وتقتل وتغتصب.؟!
4
إذا فشل موضوع التقسيم في دارفور التي تمثل حاضنة الجنجويد وتتوفر فيها كل العناصر التي يمكن أن تساعد في إنفاذ مؤامرة تقسيم السودان، إذا فشل وسقط، فما بالك بقدرة المليشيا على فرض التقسيم على باقي السودان؟. الذين عرفوا وشاهدوا ما فعله الجنجويد في وسط البلاد وفي قلب العاصمة يوقنون أن هذه المليشيا غير مؤهلة أخلاقياً أو سياسياً أو إدارياً ولذا لن يقبلوا أن تستولي على أي جزء من أجزاء الوطن.
5
ثالثاً.. تقسيم الدول غالباً يحدث وهي في حالة سيولة أو متداعية وتفككت كلياً، أبرز نموذج لذلك هو دولة الصومال، فبعد سقوط سياد بري (1991) دخلت الدولة في حالة السيولة ثم تفككت إلى دويلات عشائرية وانتهى الصومال الكبير إلى خمس أقاليم شبه بالدويلات (صوماليلاند/العفر/ الصومال الإيطالي/ أوغادين / جنوب غرب الصومال). السودان رغم تضعضع الأوضاع الأمنية فيه ولكن الدولة لا تزال متماسكة تقوم بواجباتها، وأهم مؤسسة فى الدولة وهي مؤسسة الجيش تسيطر على السياسة والاقتصاد وتفرض وجودها الداخلي ودورها الدبلوماسي والعسكري متواصل، باختصار هناك دولة لم تتفكك ولم تنهار ولذا فإن سيناريو التقسيم لا يمكن أن يتحقق وخاصة أن الأوضاع داخل مؤسسة القوات المسلحة وفي البلاد عموماً تتحسن كل يوم.
هناك عامل آخر غير متوفر حالياً هو أطماع الدول المجاورة لحدود السودان ورغبتها في الاستيلاء على أراضي السودان. فدول الجوار لا ترغب في تقسيم السودان، فتلك الدول موبوءة بنفس الأمراض التي يعاني منها السودان، فلو ساعدت في انتشار فيروس التقسيم فسوف لن تسلم منه عاجلاً.
6
المجتمع الدولي وكل الدول الإفريقية لم تعد تشجع على فكرة تقسيم الدول لحل مشاكلها، والسبب أنهم أدركوا من تجارب الدول التي انقسمت على نفسها من الصومال إلى جنوب السودان إنها فكرة قادت لكوارث أفشلت الدولة الأم ودفعت بالدولة الوليدة للمجهول وأصبحت الدول الوليدة هي نفسها متعرضة لانقسامات أمبيبة.
7
فكرة التقسيم لا أحد يشتريها الآن، وإن عرضها الجنجويد وخونة الأوطان، السودانيون شمالاً وشرقاً وغرباً ووسطاً متمسكين بوطنهم موحداً، والإقليم والمجتمع الدولي أدرك أن تلك الفكرة ستنتهي بالبلاد لكوارث أشد فتكاً وأوسع تأثيراً، ثم إن القوى الساعية أو الداعية لتقسيم البلاد عاجزة تحقيق ذلك وعاجزة عن إدارة أصغر قرية في الجزيرة.. ناهيك أن تحكم دولة (مافي مليشيا بتحكم دولة). الغريبة أن الذين صدعوا رؤوسنا بهذا الشعار هم الساعون اليوم لعودتها لسدة الحكم حتى لو تقسم السودان حتة حتة.

نواصل

Exit mobile version