رأي

ضد التسطيح: في الموقف من الجيش السياق حاكم 

بقلم : معتصم الاقرع

لا يمكن مناقشة الموقف  من مساندة الجيش كموقف مطلق يُناقش بمعزل عن سياقه كما يفعل الخطاب السياسي عن خبث أو عن بساطة في الفكر. لا يمكن الحديث عن الجيش الآن خارج السياق وهنا هو أن السودان يتعرض لغزو أجنبي موثق من قبل الصحافة العالمية والمنظمات الدولية. نحن إزاء حرب ضد غزاة أجانب، وفي مثل هذه الظروف، يختلف تقييم دور الجيش جذرياً. فمن شاء أن يساند الغزاة فله ذلك، ومن شاء أن يحايد فله ذلك. أما أنا فلا أستطيع الحياد في مواجهة غزاة.

لا أعاني من عقلية شمولية ترى في كل جيش كتلة واحدة متجانسة تسبب “تروما” متطابقة. أرى أدواراً مختلفة ومتناقضة يقوم بها الجيش: فدور جيش يقمع حركة مدنية ويمنع تحول ديمقراطي، ليس هو ذاته دور جيش يقوم بواجبه الدستوري الأساسي الذي أنشئ ومن أجله يُموّل، ألا وهو حماية حدود الوطن من العدوان الخارجي. لذلك، أجد نفسي إلى جانب الجيش عندما يؤدي هذا الواجب، وسأكون دائما في صف معارضيه إذا انقلب على الحقوق الديمقراطية للشعب في وقت السلم.

كل شعوب العالم في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية لها تحفظات علي جيشها ولكن لا أعرف طبقة وقفت ضد جيشها وهو يحارب غزاة استباحوا بلده سوي شرائح مما يسمي الحركة المدنية السودانية.

وأعتقد أن تحقير جيش وهو يدافع عن سيادة البلاد ضد غزو أجنبي، هو في جوهره وقوف في صف الغزاة، مهما توارى خلف  قشور من خطاب مدني وديمقراطي.

ولم تسأل الحركة الوطنية السودانية يوماً، بما في ذلك تراث أغاني وردي، هل كان الخليفة التعايشي ودراويشه ديمقراطيين أم علمانيين؟ لقد احتفى خطابنا السوداني ببطولات معركة كرري، لأن السودانيين حاربوا الغزاة، بغض النظر عن إيديولوجيا المحاربين أو سجلهم في حقوق الإنسان. من كرري إلى اليوم: مقاومة الغزو بعيدا عن المزالق المدلهمة لأيديولوجيا الدراويش  ليست بدعة. ولم تأتنا حرية على بوارج غزاة.

في الموقف من الجيش السياق هو الحاكم. ونزع السياق غيبوبة عقلية مميتة تأتي إما  من ضعف الثقافة السياسية أو من  عمالة تاكل لحم أخيها السوداني ميتا  بعد أن يقتله الدخيل الأجنبي.

وكذلك وقف نصارى في ا لشام  وملاحدة من حزب توده  الشيوعي مع جيوش بلادهم حينما اعتدي عليهم أخرون إذ وضعوا  الأيديلوجيا جانبا وأجلوا الخلاف السياسي ليوم آخر.

ولكن للأسف العقل السوداني مهووس بالشخص وليس بالفعل. فهو عقل شمارات ضد شخص أو معه وليس ضد فعل أو معه. والجيش هنا شخص رمزي، إما معه دائما أو ضده دائما. أما أنا فلست أعمى بصيرة  لأبصر ما تبصرون: مع أي جيش في العالم يدافع عن حدود دولته وأمن مواطنه وضده لو اعتدى على حريات أهل بلده. حسي دي دايرة ليها درس عصر؟

واعتقد للأسف أن الوقوف ضد جيش يقوم بواجبه الدستوري لا يقول سوءا   من الوقوف مع جيش يعتدي على حريات وحقوق مشروعة – وربما فاقه في السوء والدمار.

وبالمناسبة، موقفي هذا مبدئي وعام، وليس حكراً على السودان. فلو تعرض أي بلد في أبعد ركن من العالم للغزو، سأكون حتماً ضد الغزاة، وأقف مع مؤسسات ذلك الشعب والتكوينات الأخرى التي تقاوم. وبعد أن ندفع العدوان، يمكننا جميعاً أن نعود إلى خلافاتنا الداخلية الطبيعية، التي تشغّل كل الشعوب في أوقات السلم.

أما عن طهرانية النقاء الديني المترفع  الأباها لينين –  الذي تعاون  مع حكومة  كيزان ألمانيا لتهريبه من سويسرا إلي روسيا عبر السويد وفنلندا فوبخه الزميل  مارتوف والزميل بيليخانوف –   التي لا تسمح بالعمل مع جيش أو كيزان هذه نقطة سبق أن ناقشتها. كراهية الجيش أو  الكيزان لا تُلغي واجب مواجهة العدوان الخارجي. يمكن لأي فرد أو جماعة أن يجعلوا مواجهة الغزاة أولويةً من موقعهم الخاص، بعيداً عن السلطة الحاكمة، كما أفعل أنا شخصياً حيث لا تربطني أي صلة بـ “الكيزان” أو الجيش على أي مستوى. ولكن الواقع يُظهر غياباً تاماً لهذا الموقف المقاوم. كل ما نراه هو حيادٌ سلبي، بل والأسوأ من ذلك، أن بعض الجماعات تبدي كرهاً للجيش يفوق كرههم للغزاة أنفسهم. وفي هذا  تواطؤٍ صريح مع العدوان ضد الشعب السوداني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى