رأي

سقوط الفاشر… فصل جديد في مشروع الشرق الأوسط الجديد

وائل نورالدين – مونتريال

يبدو أن معركة الفاشر تجاوزت حدودها المحلية لتتحول إلى محطة فارقة في مسار السودان الحديث، بل في شكل المنطقة بأكملها. فالسقوط المحتمل لعاصمة دارفور التاريخية لا يعني فقط انتصارًا عسكريًا لمليشيا على أخرى، بل يُنذر بمرحلة جديدة من إعادة رسم الجغرافيا السياسية للسودان وفق معادلات تتجاوز الفاعلين المحليين.

منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، لم يهدأ الحديث عن مشروع لتفكيك الدولة السودانية ضمن إطار أوسع يُعرف بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وهو مشروع يهدف إلى إعادة هندسة المنطقة عبر إضعاف الجيوش المركزية وتفتيت الدول إلى كيانات صغيرة متناحرة يسهل احتواؤها سياسيًا واقتصاديًا. واليوم، مع حصار الفاشر، يبدو أن السودان يسير نحو تكرار سيناريو الانقسام، ولكن على نطاق أوسع وأخطر.

الحديث عن الشرق الأوسط الجديد ليس خيالًا سياسيًا، بل سياسة واقعية تم تنفيذها في دول عدة: العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن. كلها كانت دولًا ذات جيوش قوية ومؤسسات متماسكة، وانتهى بها الحال إلى مناطق نفوذ متصارعة تخضع لقوى محلية وإقليمية. والسودان، بما يمتلكه من موقع استراتيجي وثروات وامتداد أفريقي – عربي، يُعد هدفًا مغريًا لأي مشروع يرمي إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح القوى الكبرى.

أما البعد الإسرائيلي، فهو الأكثر وضوحًا في خلفية هذا المشهد. فإضعاف السودان يصب مباشرة في مصلحة مشروع “إسرائيل الكبرى” الساعي لترسيخ نفوذ تل أبيب في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. فكل فراغ تنشأه الحروب الأهلية يفتح أمام إسرائيل وحلفائها أبواب السيطرة على الممرات البحرية والموارد الحيوية.

إن سقوط الفاشر، إن حدث – لا قدر الله – سيكون أكثر من مجرد تغيير في موازين الحرب، بل علامة فارقة على بداية تفكك السودان مجددًا. ومن جوبا بالأمس إلى الفاشر اليوم، تظل الخيوط متصلة في سياق واحد عنوانه: تفكيك الدول القوية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق خريطة جديدة، لا مكان فيها للدول ذات السيادة أو القرار المستقل.

ومع ذلك، ما زال الأمل قائمًا. فالشعب السوداني الذي صمد في وجه الاستعمار والانقسام قادر على أن يُفشل مخططات الخارج إذا أدرك أن ما يجري في الفاشر ليس شأنًا محليًا، بل معركة وجود تحدد مصير السودان بأكمله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى