سردية الحرب وأفق السلام (2-7) .. مسار التحالفات السياسية من الثورة إلى الحرب

تاج الدين بانقا

منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، ظل المشهد السياسي السوداني يشهد تحولات متسارعة، اتسمت بكثرة التحالفات، وتعدد مراكز القرار والتدخلات ، وتراجع الدور الموحد للقوى السياسية.

ويستعرض هذا المقال تطور تحالفات قوي الثورة وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير، منذ اندلاع الثورة وحتى اشتعال الحرب.
وسنفرد المقال التالي لتحالفات القوي الوطنية السياسية والمجتمعية التي ساندت القوات المسلحه في معركة الكرامة

نشأة تحالف الحرية والتغيير:
تكوّن تحالف قوى الحرية والتغيير مطلع عام 2019 ، وضمّ مكونات سياسية ومهنية متعددة، من بينها  قوى الإجماع الوطني ونداء السودان، تجمع المهنيين، الجبهة الثورية، والتجمع الاتحادي. وجاء التحالف نتيجة تنسيق سابق بين هذه القوى ساهمت فيه عدة جهات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وضغوط داخلية وخارجية متزايدة على النظام الحاكم آنذاك. وكأن الجميع على موعد بحتمية التغيير القادم و محدودية كراسي سلطته،
ولذلك و برغم اتساع قاعدة التحالف، إلا أن بعض القوى السياسية التي شاركت في التظاهرات والحراك الشعبي الثوري لم تُضم إلى التحالف بل تم إبعادها قسراُ ومن بينها (تحالف القوي الوطنية والاسلامية) الذي سعي حثيثاً للانضمام ولكنه لم يفلح (… ) ما أثار منذ البداية تساؤلات  منها؛ هل كان الإبعاد على أساس أيدولوجي أم فيتو من نافذين رسموا خريطة و آليات التمثيل وحدود المشاركة ؟

ما بعد سقوط الإنقاذ:
بعد  إعلان اللجنة الأمنية سقوط النظام  استجابة لصوت الشارع المعتصم في ميدان القيادة العامة للقوات المسلحة وقيام المجلس العسكري الإنتقالي متولياً السلطة في البلاد وفق مراسيم جمهورية ، دخلت قوى الحرية والتغيير في مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي حول إدارة المرحلة الانتقالية. وخلال هذه الفترة، جرى استبعاد عدد من القوى والقيادات الثورية من دائرة التأثير السياسي داخل الحرية والتغيير ، كما تراجع الدور التنظيمي لتجمع المهنيين الذي قاد حراك الشارع الثوري،
وأبعدت الجبهة الثورية عن المشهد والتفاوض معاً.

الوثيقة الدستورية “الشركاء المتشاكسون”:
في أغسطس 2019، وُقعت الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي الحرية والتغيير التي كان ينبغي لها أن تنظم الفترة الانتقالية لمدة 39 شهراً، وتكمل التحول الديمقراطي بقيام الانتخابات. ونصت الوثيقة على شراكة بين المكونين المدني والعسكري، إذ يرأس فترتها الأولى المكون العسكري ثم الانتقال إلى المدنيين بعد 21 شهراً. وشُكلت حكومتها الانتقالية في سبتمبر 2019 برئاسة د. عبد الله حمدوك ممثلاً للحرية والتغيير ضمن الشراكة.

وبعد حوالي العام من تشكيل الحكومة وفي أكتوبر 2020، وُقع اتفاق سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح بمساراته الخمسة التي تعبر عن اتجاهات البلاد الجغرافية، وقاد ذلك إلى دخول هذه الحركات في هياكل السلطة. وأسهم الاتفاق في إعادة تشكيل التحالفات السياسية، عبر إنشاء مجلس الشركاء (الثلاثي) ، الذي ضم المكون العسكري والحركات المسلحة وأجزاء من الحرية والتغيير بعد خروج “الجذريين” عن “قحت” لاحتجاجهم علي اتفاق جوبا ومنهجيته.

غير أن الاتفاق عمّق الخلافات داخل القوى السياسية ، وأدى إلى خروج بعض الأحزاب والتجمعات من تحالف الحرية والتغيير، وظهور تكتلات جديدة ذات رؤى متباينة، فكانت الحرية والتغيير – المجلس المركزي، والحرية والتغيير – التوافق، والحرية والتغيير الوطني، والحرية والتغيير الجذري وغيرها .

قرارات 25 أكتوبر والانقسام السياسي الجديد:

في 25 أكتوبر 2021، أعلن قائد الجيش إجراءات استثنائية أدت إلى إنهاء الشراكة مع المكون المدني. وذلك بعد احتدام الخلاف داخل ماتبقى من حرية وتغيير وانقسامهم إلى حرية وتغيير الاعلان السياسي الذي تطور فيما بعد إلى للحرية والتغيير المجلس المركزي
والحرية والتغيير التوافق الذي أعلن اعتصاماً بساحة القصر الجمهوري أسوة باعتصام القيادة العامة. والذي توج بقرارات رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش والتي عزلت المكون المدني ممثلاً في مجموعة المجلس المركزي، عن السلطة.
وبعد ذلك التاريخ، انقسمت القوى السياسية بين معارضة للإجراءات واعتبرتها انقلاباً عسكرياً ، وأخرى سعت إلى التوافق مع السلطة القائمة واعتبرتها إجراءات إصلاحية فرضتها الضرورة الوطنية.

واستمر التوتر والسعي نحو العودة للسلطة والتمكين، من قبل مجموعة المجلس المركزي بقوى الحرية والتغيير، بكافة السبل. وتجلت عبقرية الراعي الأممي في إنتاج اتفاق إطاري يُمَكِّن القوى المُبعدة بقرارات أكتوبر للعودة للسلطة من جديد وكذلك اقترح إصلاحاُ للقطاع الأمني يدمج الدعم السريع في الجيش بعد حين. وهدد مؤيدو هذا الإتفاق الإطاري بالحرب إن لم يُستجب لهم، وبالفعل اندلعت الحرب.

ما بعد اندلاع الحرب:
مع اندلاع الحرب في أبريل 2023، دخل المشهد السياسي مرحلة أكثر تعقيداً، حيث أعادت قوي للحرية والتغيير ترتيب مواقفها وتحالفاتها في ظل الصراع المسلح وأعلنت عن تحالف “تقدم” بقيادة حمدوك وضمت إليها بعض القوي التي كانت تُحسب ضمن “فلول للنظام السابق” وذلك بحجة أنها وصفت إجراءات أكتوبر بالانقلاب.

وفي مطلع عام 2024، أُعلن عن تفاهمات سياسية بين تحالف “تقدم” وقوات الدعم السريع، ما أثار جدلاً واسعاً حول دور هذه القوى في مرحلة ما بعد الحرب، وحدود علاقتها بالأطراف العسكرية و فضحت شعار لا للحرب الذي ترفعه. ولم يقف الحال إلى هذا الحد بل انقسم تحالف “تقدم” لاحقاً إلى “صمود” برئاسة حمدوك وتأسيس برئاسة قائد الدعم السريع. والذي كون فيما بعد؛ حكومة موازية في نيالا.

وظل تحالف الحرية والتغيير الجذري و الذي يتكون أساسا من الحزب الشيوعي وبعض قوي يسارية يقف بعيداً عن المعترك السياسي و المعركة الوجودية وظل بعيداً ولا يكاد يبين.

ولعله من المهم الإشارة إلى أنه في يوم 19 من ديسمبر 2025 خرجت تظاهرات شبابية في بورتسودان وأم درمان كان ظاهرها احتفالاً بالاستقلال (اعلان البرلمان في 19 ديسمبر 1955) وإحياءً لذكرى ثورة ديسمبر 2018 بسمتها وشعاراتها حتى تلك التي تنادي بذهاب الجيش للثكنات في وقت خرج فيه الجيش يدافع عن الشعب السوداني وكرامته ضد عدوان غاشم .

ويبرز هنا سؤال ما علاقة ذلك بتزامن علو صوت المبادرات التي تسعى لتسوية سياسية تعيد الحرية والتغيير في نسختها المعدلة “صمود” للسلطة من جديد في وقت لا تزال فيه الخلافات والانقسامات قائمة.

مشهد مفتوح على الاحتمالات:
يشير مسار تحالف الحرية والتغيير في كل تمظهراته إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والتنظيمي، حيث لم ينجح في الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها وأمنها . ومع استمرار الحرب وتعثر مسارات الحل السياسي.. وبعد تباعد حلم مستقبل التحول الديمقراطي.
يبدو أن المشهد بات أغتم و الأزمة أعقد .

“ونواصل “

Exit mobile version