عثمان جلال
(١)
الكربلائية مصطلح وظفه البروف عبد الله علي ابراهيم تعبيرا عن حالة الصدمة التي أصابت الشيوعيين والجمود في محطتها وذلك بعد فشل انقلاب الرائد هاشم العطا ١٩ يوليو ١٩٧١ ، وما تبعه من محاكمات واعدامات اسبوع الآلام التي طالت قيادات الحزب الشيوعي وفي طليعتهم المرحوم الاستاذ عبد الخالق محجوب ، فقد أصيب الحزب العتيق بالتيبس الفكري والتكلس التنظيمي ولم يغادر تلك اللحظة التاريخية التراجيدية من متردم.
(٢)
زيارة الفريق اول دكتور كمال عبد المعروف في ابعادها الوطنية والاجتماعية بعثت الحالة الكربلائية وسط الاسلاميين ومحطتها سقوط الانقاذ في يوم ١١ ابريل ٢٠١٩م. والانقاذ تجربة بشرية نهضت للحكم عبر انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م نتيجة تحديات داخلية وخارجيةوحققت خلال اعوام الحكم النجاحات الاستثنائية والاخفاقات والفشل ولما وصلت مرحلة الانسداد الشامل سقطت والتقادم سنة كونية ولكن تبقى الرؤية مستمرة والفكرة متجددة ، وتبقى تجربة الانقاذ في الحكم من التحولات البنيوية الكبرى في اطوار تشكل الدولة السودانية بدءا من الحقبة الكوشية والمروية، والممالك المسيحية الثلاث، والممالك الاسلامية في السودان الشرقي القديم، ثم الحكم التركي ، والحكم الثنائي،ثم تجربة الحركة الاسلامية والتي احدثت تحولات عميقة في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في السودان.
(٣)
إن التغيير الاستراتيجي الذي أحدثته تجربة الانقاذ في الحكم انها حسمت مسألة الحكم في السودان لصالح التيارات الفكرية والسياسية اليمينية واصبح المجتمع السوداني خصبا للتفاعل مع المدارس اليمينية بتنوعها والتحدي يكمن في ثراء أطروحات وبرامج هذه المدارس وجاذبيتها لشرائح الشباب والقوى الجديدة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وهاهنا تتجلى عبقرية الاسلاميين في التجديد الفكري والقيادي والعودة من جديد لقيادة المسرح السياسي السوداني، وهكذا كانت حركة الإسلام في كل تحولاتها الكبرى منذ التأسيس في عام ١٩٤٦م ثم حركة التحرير الاسلامي، الاخوان المسلمون، جبهة الدستور الاسلامي، الميثاق الاسلامي ، الجبهة الاسلامية القومية، والمؤتمر الوطني وكل الاجسام التي تخلقت من رحمه حيث كانت الغاية من هذه القفزات الفكرية والسياسية الذوبان في المجتمع ذوبان الصوفي في العبادة ، والرؤية النهائية هي قوامة المجتمع السوداني في صناعة النهضة السياسية والاقتصادية والثقافية ، وتبقى النتائج نسبية التحقق وتحديات بلوغ المثال مستمر وما هم ببالغيه.
(٤)
على التيار الاسلامي الوطني الانعتاق من عقلية المؤامرة والتخوين فالانقاذ لم تسقط ضرب لازب في يوم ١١ ابريل بل سقطت بالتراكم بدءا من الانحراف عن خطة الحركة الاسلامية في التغيير وتحويل الانقلاب من حالة طارئة تقدر بقدرها وأجلها إلى سلطة مطلقة، ثم الخطأ الاستراتيجي الثاني المفاصلات والنزوع لاسقاط التجربة بدلا من تعهدها بالاصلاح والتغيير الداخلي المتدرج، والخطأ الاستراتيجي الثالث التحالف مع القوى اليسارية والعلمانية والتي اتخذت الاسلاميين مطية لاسقاط التجربة ثم نزعت لمحاكمة واقصاء كل تيارات الاسلاميين من الحياة السياسية
والخطأ الاستراتيجي الرابع التعاطي التكتيكي للرئيس البشير مع كل مبادرات الاصلاح والتغيير سواء الخاصة بالحزب او الدولة او الاجتماع السياسي الوطني.
لقد تحولت أمانة التكليف سواء في أجهزة الحزب التنظيمية أو مؤسسات الدولة إلى حالة من الرمرمة والتهافت على الثريد الاعفر بتعبير دكتور منصور خالد في وصفه لحالة الفشل المتلازمة للنخبة السياسية السودانية.
(٥)
لقد أدت مفاصلة العناصر القيادية والعضوية الصلبة للاسلاميين عن مشروع الانقاذ إلى نتيجتين ، هيمنة العقلية الأمنية او اخواننا الصغار بتعبير الدكتور الترابي، والنتيجة الثانية حالة البينونة مع تطالعات المجتمع خاصة الاجيال الشبابية الصاعدة وطغيان عقلية المغانم(ثقافة الفأر يلتهم الفأر) ، وقد أفرزت حالة الفراغ والخواء ظاهرة حميدتي والتي تطورت إلى حميدتي حمايتي، ثم طفق الرئيس البشير إلى الاقتراب والتطبيع الاستراتيجي مع المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائهم في المنطقة السعودية والإمارات وقد ظل الهدف الاستراتيجي لهذا التحالف إسقاط تجربة الاسلاميين في السودان ولما عجز عن تحقيق ذلك عبر ابتزاز الرئيس البشير بالتبعية مقابل السلطة السرمدية ،لجأ إلى الخطة (ب) صناعة مليودراما ثورة ديسمبر ٢٠١٨م بكل تمرحلاتها وانحرافاتها وتوظيفها لصالح مشروعهم والمتمثل في تصفية الاسلاميين وتفكيك الجيش واقحام السودان في نادي التبعية العالمي واستلاب موانيه البحرية وسرقة موارده الطبيعية والمعدنية والزراعية وفي فخ ثورة ديسمبر المصنوعة وقع أعضاء اللجنة الأمنية وتيار عريض من الاسلاميين والثوار الشرفاء دون دراية بالمخطط الشرير وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.
ولكن اسعفهم الوعي الوطني والاخلاقي بالمخطط، بينما تماهى تحالف قحت/ تقدم في الخيانة والعمالة والارتزاق وابعد النجعة.
(٦)
لقد رد تقييم الحركة الاسلامية والمبذول في الوسائط الاعلامية تداعيات الاحداث السياسية منذ ديسمبر ٢٠١٨م إلى ١١ ابريل ٢٠١٩م إلى سوء التقدير السياسي دون تجريم او تخوين اعضاء اللجنة الامنية. رغم أنه كان بالإمكان إقناع الرئيس البشير بتلاوة خطاب التنحي عن السلطة وتحويل صلاحيته إلى اللجنة الامنية
او نائبه الأول الفريق اول عوض ابنعوف ، كما كان بالإمكان صمود كل قيادات اللجنة الأمنية في مواقعهم وإدارة عملية التفاوض مع الثوار والقوى السياسية حتى التوافق على ادارة مهام ومحددات المرحلة الانتقالية بدلا عن التواري واستلاب الثورة ثم الدولة من محور الشر الخارجي وبثمارها تعرفون النتائج وهي الحرب الوجودية التي يخوضها الشعب والجيش ضد محور الشر وأدواته الوظيفية الداخلية عصابة آل دقلو الارهابية وتحالف تقدم.
(٧)
صفوة القول على الاسلاميين التحرر من الخندقة في الحالة الكربلائية وعقلية التخوين فالفريق اول دكتور كمال عبد المعروف وأسرته لهم في خدمة الوطن والشعب عرق ودم وشهيد .
فكل قيادات وقاعدة التيار الاسلامي الوطني شركاء نسبيا في إسقاط تجربة الانقاذ في الحكم ،وواجبنا الماثل الالتفاف مع الشعب والجيش حتى استئصال سرطان مليشيا ال دقلو الارهابية، ثم تشكيل الحزب الطليعي المتجدد في فكره وقيادته وسلوكه السياسي والملهم للمجتمع.