زبدٌ يطفو على سطح البحر!!

فيما أرى

عادل الباز

1

ثلاثة أخبار طفحت على سطح الإعلام، عرفت من خلالها أن زبدًا كثيرًا طفا وسيطفو في الأيام المقبلة على سطح البحر في بورتسودان. ونعلم جميعًا أنه كلما اصطخب البحر وهبت رياح عاتية، أخذت الزبد إلى الشواطئ.
2
جاء في الأنباء أن وفدًا من مجلس السلم والأمن الإفريقي زار بورتسودان نهاية الأسبوع الماضي. لماذا الآن؟ وماذا سيفعل؟ وما هي أجندته التي ناقشها مع المسؤولين؟ وكيف تجرأ على زيارة بورتسودان أصلًا؟ سنرى.
3
الخبر الثاني أن الثرثار العاطل عن أي موهبة، السيد مبعوث أمريكا، بيرلو، هو والسيدة سامانثا باور يتشرفان بزيارة بورتسودان. لماذا الآن؟ وماذا يفعلان؟ وما الغرض من زيارتهما المزمعة تلك؟ وكيف تجرأ هذا العاطل الثرثار على زيارة بورتسودان في مثل هذا الوقت؟
4
الخبر الثالث أن المرتشي روتو، الرئيس الكيني، أعلن قبل أيام أنهم بصدد تجهيز قوة إفريقية لحماية المدنيين في السودان! لماذا الآن؟ أين كانت تلك الفكرة العبقرية طيلة عام ونصف، قتل وتشرد وسحل فيه نصف الشعب السوداني؟
إذن، هذا هو الزبد الذي طفا وسيطفو. لماذا الآن؟ لا بد أنكم تلاحظون أنه كلما هبت رياح الجيش وملأت أشرعة الوطن بأناشيد النصر، تعالت صرخاتهم، وبحثوا للمليشيات عن مخرج يجنبها شر الهزيمة الساحقة. كلما تقدم الجيش، بحثوا عن مؤتمر ومائدة مفاوضات لعلهم يجدون لها مخرجًا يعيدها وحلفاءها وعملاءها وكفلاءها إلى الساحة السياسية والعسكرية مجددًا. وهيهات!
لم تدهشني هذه الهرولة من جوبا إلى جنيف، ومن القاهرة وأديس أبابا، ومن كينيا إلى جيبوتي، كلما تقهقرت المليشيا في ميادين القتال وخسرت المواقع والمدن والمعارك. ولكن أدهشتني تلك الوقاحة التي يتسم بها محامو شياطين الجنجويد الذين يرفعون رايات (لا للحرب) و(لازم تقيف)، وهم يفعلون كل شيء لتسعيرها ونصرة الجنجويد!
5
مثلًا، انظر الآن إلى وفد مجلس الأمن والسلم الإفريقي. هذا الوفد يمثل الاتحاد الإفريقي، وهو نفس الاتحاد الذي سارع بتعليق عضوية السودان دون إعطائه فرصة لتصحيح أوضاعه، ثم طفق يجمع كل أعداء السودان ليخططوا للجنجويد طريقًا آمنًا للخروج، كما فعل حين حشد كل المتآمرين على السودان فيما عرف بالآلية الموسعة التي أسسها الاتحاد على عجل في أول أيام الحرب. حشد في تلك الآلية، ويا للعجب، كل أعضاء ما يسمى الآن بتحالف “حفظ الأرواح” الذي أُسس في جنيف قبل شهرين! هذا الاتحاد المعادي للسودان بعث الآن مجلس أمنه وسلمه إلى بورتسودان.
6
ألا يعلم هذا الاتحاد أن أي مبادرة أو وساطة لا تجدي الآن؟ وخاصة ان كفلاءهم قد عجزوا عن زحزحة السودان عن موقفه رغم الضغوط الهائل التى مارسوها .
ألم يكن هذا الاتحاد نفسه شاهدًا على ما وقعت عليه المليشيا في جدة، وعجز حتى عن دعوتها بالالتزام بما وقعت عليه؟! أليس هو نفس الاتحاد الذي رفض إدانة إبادة المساليت بشكل واضح؟ ألم يمارس هذا الاتحاد الصمت المطبق عندما كانت المليشيا تعيث في الأرض فسادًا؟!
جاء اليوم بعد عام ونصف ليفعل ماذا؟ أو يقترح ماذا؟ اختشوا قليلًا! المهم، بعد أن فعل كل ذلك، جاء اليوم إلى بورتسودان وتم استقباله. فماذا كانت النتيجة؟ بعد اختتام زيارته لبورتسودان واستماعه لكل إفادات المسؤولين، أصدر بالأمس بيانًا قال فيه: “في 3 أكتوبر 2024، قام مجلس السلم والأمن بزيارة تضامنية إلى بورتسودان، حيث التقى بالقيادة الانتقالية في السودان وأكد على ضرورة وقف إطلاق النار فورًا واستئناف العملية السياسية.”
تصوروا! هذا كل ما نتج عن زيارته: دعوة فورًا لوقف إطلاق النار، لا شيء سوى ذلك! نفس الخط الذي ظل الاتحاد ينتهجه، محاولًا إنقاذ المليشيا. غير أن أفضل ما في الزيارة هو إنكار السيد بانكولى أي علاقة للاتحاد بالدعوة إلى تدخل قوات إفريقية لحماية المدنيين.
8
من الزبد الذي سيطفو على سطح البحر في بورتسودان قريبًا هو المبعوث الأمريكي. رغم أنني كرهت سيرة هذا العاطل الثرثار، المبعوث الأمريكي توم بيرلو، إلا أنني أجد نفسي مجبرًا في كل حين على مناقشة ترهاته. لا أعرف لماذا سيأتي الآن إلى بورتسودان. ما هي أجندته؟ وماذا سيفعل؟ قبل أن يصل، سبقته أخبار تقول إنه دعا الاتحاد الإفريقي لتجهيز قوة للتدخل لحماية المدنيين، ونشرت هذا الخبر صحيفة الشرق الأوسط. إلا أنه بعد يومين من نشر الخبر، نفى أن يكون الخبر صادرًا منه، وقال إن ذلك اقتراح تقدمت به جهة أخرى وليس هو؟!
وكان السفير المصري بأديس أبابا، محمد جاد، الذي ترأس بلاده حاليًا مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، قد قال عندما سُئل عن فكرة إرسال قوات لحماية المدنيين: “إن هذا الطرح ليس أمرًا جديدًا، فقد تم طرح فكرة إرسال قوات إفريقية من قبل، وتمت مناقشتها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر الماضي، وجرى رفضها بشكل قاطع من مصر.”
إذن، هي فكرة عبثية غير قابلة للتحقق، طرحها أعضاء في تحالف “إزهاق الأرواح”. والعجيب أن تدعو أمريكا لحماية المدنيين في السودان بينما أسلحتها تحصدهم حصادًا في غزة ولبنان! لماذا لا ترسل أمريكا قوة لحماية المدنيين في غزة وجنوب لبنان؟ أم أنها “حنينه وسكره ” فقط على السودانيين؟ ولم تظهر إنسانيتها هذه تلك الا بعد أن رأت أن المليشيات التي تدعمها في طريقها للانهيار! فهي إذن لا ترغب في حماية المدنيين، بل في حماية المدنيين الذين يتبعون للجنجويد.
9
الآن أنكرت أمريكا أي صلة لها بالدعوة إلى تجهيز قوات إفريقية للتدخل، كما رفضتها مصر، وكذلك أنكرها الاتحاد الإفريقي. إذن، هي دعوة لقيطة يتبناها الرئيس روتو وحده، ودعا لها في قناة “سي إن إن” الأسبوع الماضي. وهذا أمره معلوم؛ فمه محشو برشاوى الجنجويد، لا ينطق إلا بأمرهم ولمصلحتهم. والغريب أنه يعد العدة الآن لتسويق ترهاته هذه في سوق الإيقاد والاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي. لقد طفح زبد هذا الرئيس باكرًا على سطح البحر، وهو غارق الآن في رشاوى الجنجويد وكفلائهم، ولن يستطيع أن يقنع أحدًا بهرطقاته، وسيبطل السودان مؤامراته كما فعل أكثر من مرة. والله غالب على أمره.

Exit mobile version