رسائل في بريد عدد من الاحزاب (2 – 3) ..  الحركة الإسلامية ادغام القوى الفاهمة في القوى الحاكمة

 

د. كرار التهامي 

الشيوعي والاتحادي والمؤتمر الوطني و البعث و الاسلاميين واحزاب الامة ….تحية طيبة

خاطبني بعض الذين تابعوا ما كتبت بخصوص رسائل الاحزاب الآنفة الذكر وعابوا على أنني تجاهلت أحزاب عديدة وأنني انتقيت الحزب الشيوعي دون غيره وخصيته بالنصيحة والمدح والتقريظ

حقيقة أرى الامر من زاوية المواطن منتميا أو لا منتمي و الذي من حقه و واجبه ان يتطلع لأحزاب قوية ومؤسسية فالأحزاب هي عامود خيمة الاستقرار السياسي، بيد انني في سلسلة هذه المقالات تناولت الحزبين الاتحادي وحزب الامة لتشابه نشأتهما وأدوارها التاريخية في مسيرة الحركة الوطنية و طبيعةً الأخطاء التي ستقيد حركتهم نحو المستقبل خاصة الخطيئة الكبرى المتمثلة في فكرة احتكار القيادة السياسية للأبناء والإخوان والأصهار وتوظيف النخب غير اولي الدم في حوزتهم كوزراء وافندية مطيعين ،،،،،،،

لقد لعبت تلك الاحزاب ادوار حيوية في استقلال السودان وكانت بمثابة المنصة لحركات النضال السياسي ولكن مع مرور الوقت غلب عليها طابع التناسل السياسي والخمول وأصبح المثقفون بتعايشون مع فكرة ان يكون الولد وريث للوالد في الحكم وان الاسرة هي صاحبة الحق في ملكية الحزب وتسيير اموره مما أضعف القدرة على تطوير الرأي الاخر ومن ثم الاستسلام للنزعة الأبوية Paternalism التي أضعفت النمو الفكري والتنظيمي للاحزاب وقتلت الصوت المعارض داخلها،، ،،،،،،،

قد يكون ذلك الامر مقبولا في حقب ماضية وفي سياقات المبتدأ والنشأة لممالاة سلطة الاستعمار بالتدرج في الممانعة والقبول باشخاص معتدلين و مرضىاً عنهم حازوا السلطة بالوكالة من الحاكم و حازوا السطوة بالمال وعلى احسن تأويل كانت المجتمعات الناشئة في حاجة لكبير و وقائد حكيم يلم شعثها ويوحد نضالها فبرزت القيادات الروحية والاقتصادية لكن ذلك كان لزمان آخر ليس زمن الاعلام الحر والوسائط وعلى تلك الاحزاب ان تعي الدرس ومراعاة فروق الوقت قبل فوات الأوان فلم تعد الديمقراطيات المعاصرة تقبل مثل هذا الانغلاق الذي يضعف الاحزاب ويعطب عجلة الحياة السياسية في البلاد

تبقى بعد ذلك الاحزاب العقائدية العروبية منها والقومية والإسلامية وهي احزاب الصفوة الإيميل للحداثة والمعاصرة وتمثل الحركة الإسلامية ذروة سنام تاثير النخب في الحياة السياسية في السودان كما ورد في دراسة الدكتور فيصل اوشيك التي مولتها جامعة استراليا بعنوان تاثير النخب في السياسة السودانية The impact of elites on the political life in Sudan التي أوضحت التركيبة النخبوية للحركة الإسلامية ونسبة التعليم المتقدم داخل اطرها وعلى عكس الاحزاب اليسارية التي واجهت عقبة الممانعة الثقافية واختلاف فصيلة الدم الفكري مع المجتمعات التي اجتهدت ان تتواءم معها فلقد كان الطريق ممهدا امام الحركة الإسلامية للتوسع الراسي والأفقي ونجحت في اختراق صفوف الاحزاب التقليدية وتبوأت المركز الثالث في آخر برلمان تعددي و بتفوق واضح وسط المجتمعات الحديثة ووسط المتعلمين ذلك قبل ان تقدِم على مصادرة السلطة بالقوة كرد فعل للحصار السياسي الذي أطبق حولها كما فعل من قبلها اليسار وكما حاولت الاحزاب القومية وفشلت ,,,,,

الحركة الإسلامية وواجهاتها الحزبية المختلفة هي اليوم الأكثر حاجة للنصح والانتباه لان القابلية للخلاف ستمحق مروءتها وتقطع أوصالها وتوهن عظمها إذا كان ذلك الخلاف راسيا او افقيا إذا كان بين مكونات الحركة في نفسها او بينها وبين منتسباتها الحزبية affiliates فالحركة لا يمكن ان تستغني عن المؤتمر الوطني او تحاول خنقه وكتم صوته وتبديله بأقوام اخرين فهو واجهة حزبية و اكثر مرونة تضم اطياف مجتمعية بين دفتيها وتنوع لا يتوفر للحركة وهو مروحة جماهيرية يعرف السير في وحل الانتخابات والمدافعات التنظيمية وتقنيات الصراع مع الآخرين بينما تلتزم الحركة بالصرامة والانضباط العقائدي والتراتبية المتماسكة وهي أقرب إلى الوصف بالانكفائية والانغلاق endogenous ويبقى الحزب الأقرب إلى الانفتاح والمقاربات الجماهيرية

▪️ واذا لم تعط قيادات الحركة والحزب الوزن المقدر لهذه المعادلة وإبداء حساسية اخلاقية عالية تجاهها سيخسر الطرفان جميعا رهان المستقبل السياسي والرصيد الأخلاقي الذي منحته لهم الحركة و سيطيح بهم الجيل المتوثب من الشباب الذي يفترض ان تكون له حساسية عالية تجاه المنشقين وصناع الخلاف فلقد عيوا جميعا من الاختلاف الاول والان في لبس من اختلاف جديد ،،، لان الخلاف في جوهره نرجسية سياسية لايرى فيها الإنسان غير ذاته وطموحاته الصغيرة ولا يخدم المصلحة الوطنية ولا الحزبية لقد شقيت الحركة الاسلامية بخلافات في غير طائل لم تكن على عقيدة او فلسفة حكم او فكر عميق وقد عانت الحركة من هذا الخلاف اكثر من معاناتها من خصومها كما عانت من لوي يدها بالصيغة التي جمعتها بالحزب في (الهيئة القيادية) تلك الصبغة المعقدة التي تمت هندستها فقط لتستوعب تراتبية السلطة والحكم والتفرد و مواءمة جهاز الدولة التنفيذي بمؤسسة السلطة السياسية لإدغام القوى الفاهمة في القوى الحاكمة فجرى إلصاق الحركة بالحزب بشكل مفتعل افقدهما الترتيب التنظيمي السليم وانتهى بالحركة تحت سيطرة راسية حرمتها من اهم مناقبها وقدرتها الصريحة على النقد والمدافعة ومهارتها في الجرح والتعديل ودخلت الحركة نفق الهيمنة الفردانية وهي تجر الحزب من ورائها وقد أعيت به واعيا بها.

 

و الان بعد ان استعادت الحركة انفاسها ليس لها من سبيل وخلاص إلا بتراتبية محكمة وانضباط تنظيمي صارم وزهد في السلطة وحل مشكلة العلاقة المعقدة بين طرفي المعادلة والكف عن الخلافات التي تغذيها الطموحات الشخصية والاهم عدم تكريس الشخصانية في قيادتها بحيث لايظل على رأسها شخص اكثر من أعوام ستة خلال دورة او اثنين في حال التجديد

كما انه من الحكمة السياسية ان تنأى الحركة الاسلامية عن مظان الحكم وأطماعه في هذا المناخ العدائي المحلي والعالمي وتنكفئ على نفسها لازمان طويلة تعيد صياغة مكوناتها الداخلية واطرها وتوفيق علاقاتها بواجهاتها السياسية وهو تحدي عظيم يحتاج قيادة ملهمة وقراءة عميقة وتضحيات جسام ونظرة استراتيجية.

Exit mobile version