رأي
رسائل في بريد عدد من الأحزاب (1-3)
د. كرار التهامي
▪️تعرضت الأحزاب السودانية عبر مسيرتها لحملات من النقد القاسي المبررة وغير المبررة ورغم ذلك فقليل منها استجاب لدعوات الإصلاح التنظيمي التي تحتاجها هذه الأحزاب كي تعيش ولكي تتطور الحركة الوطنية رأسيا وأفقيا
▪️ لا تستقيم الحياة السياسية بدون أحزاب قوية ولا تنجح أحزاب سياسية دون وجود نخبة حداثية مؤهلة وقادرة على صياغة رؤية وطنية خلاقة دون ارتهان إرادتها لشخص واحد بسبب أي نوع من الامتيازات الشخصية أو التاريخية.
▪️وليس لحزب لا يتم فيه تداول السلطة مستقبل ولاشرعية ووجود الأحزاب في السلطة لا تعني أن هنالك ديمقراطية أو حريات سياسية، هنالك شروط كثيرة لشرعنة النظام السياسي تعدديا كان او أحاديا(راجع ما أورده أبوشوك لخوان لينز عن محددات الديمقراطية) فقد تكون الأحزاب وسيلة لتكريس نخب أوليغاركية أخطر على الديمقراطية والتنمية من الأنظمة الشمولية
▪️هل العيوب البنيوية والوظيفية التي أشار إليها الخبراء والأكاديميون هل هذه جينية في الاحزاب وظروف صيرورتها أم هي من نسج خيال الذين ينتقدونها وينبهون إلى مكامن الخلل فيها ؟
▪️في كتابه عن الانتخابات في السودان يعزو أبوشوك فشل الاحزاب إلى “عدم التزامها بالمبادئ الديمقراطية القائمة على احترام التعددية والرأي الأخر ” ويقول ’’ إنها حصرت نفسھا في دائرة مكاسبھا الحزبیة وایدولوجیتھا المغلقة من دون النظر في بناء رؤیة تأسیسية عن كیف یحكم السودان‘‘.
▪️الباحث حيدر إبراهيم بشير إلى “عدم التزام المرشحين بالنظام الديمقراطي ” وامتداد القيم القبلية والطائفية المضرة في سياق الممارسة الديمقراطية”
▪️الباحث اللبناني غسان الخالد يطلق على هذه العيوب المتوارثة مصطلح ( البدو قراطية ) “التي تقوم على ذهنية قبلية دينية وتتصف بالنزعة الأبوية والتوارث الوظيفي والرغبة الأبدية الدائمة في تولي السلطة واستنفار العصبية في الاستحقاقات المفصلية”
▪️الأكاديمي عطا البطحاني يشير إلى عجز الاحزاب ’’وعدم قدرتھا بالدفع بمشروع وطني لبناء دولة المواطنة والانعتاق والتنمیة‘‘
▪️الواثق كمير يرد أزمة الحكم منذ الاستقلال إلى ( آفة انعدام المذھبیة الصالحة بین الأحزاب التي لم تقدم أي رؤیة عن الكیفیة التي یحكم بھا السودان)
▪️منصور خالد يربط مشاكل السودان بالأحزاب ويشير إلى ’’ أن محنة السودان السیاسیة منذ الاستقلال كانت إحلال قضیة الوطن المحل الثاني في قائمة أولویات السیاسة “
هذا غيض من فيض بعض أراء مفكرين وأكاديميين من مختلف الطيف السياسي عن أزمة الاحزاب التي تحتاج مراجعة ذاتية وإصلاحات جراحية لكي تواكب وتستمر قبل أن يلفظها الجيل المعاصر ويفوتها قطار السياسة والتحديث.
ولكي يصب هذا النقد في خانة ترشيد الممارسة الحزبية لاهمية هذه الأحزاب هذه بعض الرسائل التي يمكن وضعها في بريد كل حزب
▪️الرسالة الأولى إلى:
الحزب الشيوعي
تميز الحزب الشيوعي بصرامة أخلاقية عالية والتزام عميق بالمبادئ التي دفع ثمنها في كل الأنظمة العسكرية والمدنية خاصة الأخيرة التي قامت بحله في الستينات في سابقة دستورية خالفت فيها الاحزاب حكم المحكمة الدستورية وعاد الحزب أكثر من مرة بعد أن تعرض للاقصاء والحظر في عهود مختلفة
▪️في الوقت الراهن يعتبر الشيوعي من أكثر الأحزاب حرصا على قناعاته وتمسكا بأخلاقيات العمل السياسي وقدرته على اجتراح موقفه المستقل عن كل إغراءات السلطة والمتصارعين حولها وظهرت طهرانية الحزب في انسلاخه من سلوكيات الحرية والتغيير إبان هيمنتها وإغوائها الذي مارسته على مجموعات أخرى.
▪️يعاني الحزب من العقدة الفكرية الكبرى او العقدة الغوردية Gordion knot التي لا يمكن حلها إلا بالتفكير خارج الصندوق والتي أطاحت بأحلام المشاعة التي قامت عليها عقيدة الأحزاب الشيوعية وعلى الحزب كي يعيش اأن ينجح في ردم هذه الهوة الفكرية فلم تعد في عالم اليوم مساحة لافكار ماركس ولا المادية الجدلية Dialectical Materialism فكلها اصطدمت بحائط مسدود و(انتهى التاريخ) لصالح الاقتصاد الحر وانتصرت ثقافة السوق على ثقافة المشاعة وانتصرت الرأسمالية على الشيوعية فلا بد أن يبحث الحزب في أنقاض النظرية عن جماليات الماركسية النظرية فهي لم تعد تُعتبر نموذجا كاملاً للحكم أو الاقتصاد، لكن بعض عناصرها لا تزال ملهمة في حركات العدالة الاجتماعية وتحليل الرأسمالية.
ونواصل رسائل الأحزاب الأخرى.