رأي

رجال حول القوات المسلحة (16)  

 

رجال الحرس الرئاسي: منهم من قضى نحبه… ومنهم من ينتظر

رجال كالأسود الضارية…. خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة

العميد م.د. محمد الزين محمد 

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: 23]

في مثل هذا اليوم 15 ابريل 2023 وقبل عامين بالضبط. وعند الفجر الذي استيقظ فيه الوطن على رائحة البارود وصدى الغدر، كان هناك رجال من نور، من معدن الصدق والعهد، من دماء خُطّت على جبين المجد، لا على الورق. خمسة وثلاثون شهيداً من رجال الحرس الرئاسي، ومقدم من لواء القياده. سطّروا ملحمة خالدة ستُروى للأجيال كما تُروى البطولات الخالدة في تاريخ الأمم.

قبل أن تلتحم قوات العدو مع بوابات القيادة العامة، وقبل أن تلامس يد الغدر أسوار بيت الضيافه، حيث يقيم القائد العام. حينها كان المقدم أحمد النور الإمام على الموعد مع الشهادة. ارتقى بطلاً، وهو في طليعة رفاقه في لواء الإدارة، المسؤول عن تأمين القيادة العامة وبيت الضيافة، فسبق الجميع بروحه العالية إلى ميادين الخلود.

وفي وجه زحف مدجج بالأسلحة الثقيلة، 200 مركبة عسكرية حاولت اقتحام الرمز السيادي، وقف 45 رجلاً فقط من الحرس الرئاسي، بأسلحة بسيطة وقلوب لا تعرف الهزيمة. قاتلوا حتى الرمق الأخير، لم يتبق منهم إلا عشرة، أما اللواء الركن نادر المنصوري قائد الحرس الرئاسي ورفاقه الكرام، فثبتوا في أماكنهم، عيونهم على الوطن، وقلوبهم على موعدٍ مع النصر أو الشهادة. ما زالوا على العهد، منتظرين دورهم في أن يخلدهم التاريخ، لا بالكلمات، بل بالمواقف. لكنهم كسروا الزحف، وأفشلوا المؤامرة.

أنقذوا القائد العام من موت محقق. ثبتوا الدولة حين كادت أن تسقط. كانوا سداً منيعاً بصدورهم، لا بالدروع. وارتقوا كما يليق بالأبطال… إلى علياء الشرف والخلود. وكانت وصية الشهداء قبيل ارتقائهم كالسيف في قلب المعركة: يا فدائيين… سدّوا الثغرات! أحموا الرئيس! سقوط القائد يعني سقوط الدولة!” . كلمات كالزئير، أشعلت صدورهم، فهبّوا كالأسود الضارية، يدافعون عن تراب السودان، عن رمز السيادة، عن شرف الجيش. وما أنجزوه لا يُختصر في الأرقام، وإن كانت أرقامهم كافية لسرد البطولات: 45 بطلاً مقابل 200 مركبة، أكثر من 200 معتدٍ سقطوا، 75 تم أسرهم القائد العام نُقل إلى بر الأمان الوطن كُتب له عمرٌ جديد.

كُتبوا شهداءً في سجل الخلود، ودفنوا في مقبرة البطولة داخل القيادة العامة، ليكونوا نبراساً يهتدي به الأحرار.

وكما قال الشاعر: خاضوا اللهيب كالأسود الضارية وشتتوا كتل الغزاة الباغية وفر جمع الطاغية

من أجلنا ارتادوا المنون ولمثل هذا اليوم كانوا يعملون

حق أن تُرفع الأكف سلاماً ودموعاً لهم.

سلامٌ على من صدقوا، على من قاتلوا فداءً لا سمعة، وعلى من ارتقوا لتبقى راية الوطن خفّاقة.

أنتم لستم أمواتاً، بل أنتم أحياء عند ربكم تُرزقون. قصتكم ستُروى للأبناء كما تُروى الأساطير، ليعرفوا أن الشرف لا يُشترى، وأن الأوطان لا تُباع، وأن الرجال… لا يُهزمون.

ملحوظة: لأن عدد الشهداء كبير وفي معركة واحدة. أحببت أن أذكر المعركة دون الأسماء. لكن ستظل الأسماء خالده مابقينا ضباطاً وضباط صف وجنود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى