تقارير

ذهبٌ يعبر الحدود… دماءٌ تُراق: القصة الخفية لتمويل حرب السودان عبر نيروبي ودبي

الأحداث – وكالات

في قلب الصراع المشتعل في السودان، حيث تحترق المدن وتُدفن قرى دارفور تحت ركام النار والجثث، ينساب خطّ خفي من الذهب عبر الحدود. ليست حكاية تجارة طبيعية، بل شبكة معقّدة تُغذّي حربًا تُوصف اليوم بأنها إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

على مدى عامين، بينما كان السودان يغرق في الدماء، كانت سبائك الذهب تهرب في صمت من مناجم دارفور ومحيط الخرطوم، تمر عبر طرق وعرة نحو شرق أفريقيا، قبل أن تصل إلى نيروبي، العاصمة الكينية التي تحولت — دون إعلان — إلى محطة غسيل ذهب الحرب.

ومن هناك، تشق هذه السبائك طريقها إلى دبي، الوجهة الذهبية التي تدور حولها الاتهامات الدولية اليوم بأنها ملتقى الذهب السوداني المسروق، ومركز إعادة تصديره إلى العالم، في مقابل تمويل وسلاحٍ يعود ليقتلع الأرواح في الفاشر ونيالا وأم درمان.

في نيروبي: صمتٌ رسمي وأسئلة بلا إجابات

بدأت خيوط القصة تتضح حين انفجر جدل سياسي عنيف داخل كينيا. نائب الرئيس السابق، ريغاثي غاتشاغوا، خرج إلى العلن باتهام صادم: الرئيس ويليام روتو — بحسب قوله — غضّ الطرف عن تهريب الذهب السوداني عبر نيروبي. قال الرجل عبارته بوضوح، وكأنه يفتح فوهة بركان سياسي:

“الذهب يأتي من السودان عبر شبكات معروفة، ثم يُعاد تصديره إلى دبي… وهناك من يستفيد.”

لم تنكر الحكومة الكينية مباشرة… ولم تُجب أيضًا. ذلك الصمت، كما يقول مراقبون، بدا أثقل من الكلام.

ومع مرور الأيام، بدأت شهادات تحمل تفاصيل أكثر تظهر من مصادر مالية داخل كينيا. شركات صرافة. مكاتب شحن. أسماء تجارية لا تثير الريبة للوهلة الأولى. لكن، خلفها — كما يقول التقرير — حركة أموال مشبوهة تجاوزت قيمتها مليار دولار خلال عام واحد.

زيارة حميدتي التي لم تُنسَ

في يناير 2024، وطأت قدما محمد حمدان دقلو “حميدتي” — قائد قوات الدعم السريع — نيروبي. يومها، حاول البعض تصوير الزيارة كمساعٍ دبلوماسية لحل أزمة السودان. لكن مع توالي الوقائع، باتت تلك الزيارة تُقرأ بصورة مغايرة:

لم يأتِ حميدتي ليطلب المساعدة السياسية.
بل جاء — كما يعتقد كثيرون — ليُعزّز روابط التجارة التي تموّل حربه.

وبعد أسابيع فقط، كان الرئيس الكيني يزور الإمارات ويعلن شراكات اقتصادية واسعة… في الوقت الذي كانت تقارير دولية تُشير إلى أن أبوظبي هي قلب شبكة الذهب السوداني المنهوب.

صدفة؟
ربما.
لكن في عالم السياسة والذهب والدم… قليلون يؤمنون بالصدف.

الإمارات: شريان الذهب ومصدر السلاح

في الخرطوم ودارفور، يهمس السودانيون باسم واحد كلما ذُكر الدعم السريع: الإمارات.

اتهمت الحكومة السودانية أبوظبي أمام محكمة العدل الدولية بدعم قوات الدعم السريع وتسليحها. من طائرات مسيّرة إلى ذخائر حديثة، ومن مرتزقة إلى خطوط إمداد، لم يعد الأمر — في نظر مراقبين — مجرّد دعم سياسي، بل انخراط في مشروع عسكري كامل.

وفي المقابل، تدفقت سبائك الذهب إلى دبي، لتصير جزءًا من سوق عالمي مغسول الذاكرة والبصمات.

النتيجة: حرب تطول لأن المال لا ينقطع

ما يجري ليس تجارة عابرة ولا مصالح اقتصادية بحتة. إنه، كما قال أحد الباحثين في التقرير الكيني:

“تحالف بين الذهب والسلاح… ضحاياه شعبٌ يُباد.”

بين نيروبي ودبي، تعمل شبكات صامتة لا تُحب الأضواء.
شركات تحفظ أسرارها بإحكام.
وحكومات تفضّل الصمت على الاعتراف.

لكن الدم السوداني لا يصمت.

خاتمة: قصة لم تنته بعد

ستواصل السبائك طريقها، ما لم يُكسر هذا الجسر الخفي.
ستواصل الحرب ابتلاع المدن، ما لم تُحاصر هذه الشبكات بالقانون والرأي العام.
سيواصل الأهالي دفن أحبائهم — بصمتٍ يصرخ — إذا ظل العالم يتعامل مع الذهب كسلعة… لا كرصاصة.

السودان لا يُطلب منه أن ينتصر فقط…
بل أن ينجو من شبكة مصالح أكبر من حدوده، وأشد قسوة من بنادق أعدائه.

وما بين نيروبي ودبي، يظل السؤال معلقًا:

هل يمكن وقف الحرب… إن لم يُغلق الطريق أمام ذهبها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى