د. هيثم حسن عبد السلام يكتب: الحرب.. وسلوكيات المستهلك
مهد الحروف
mismawia@yahoo.com
فرضت الحرب اللعينة واقعًا مريرًا جدًا على المستهلك السوداني ، فبعد التشريد والنزوح وفقدان الأمان وضياع الاستقرار ، وخسران المال والأنفس وشتات الأهل والأولاد والجيران ، بات المستهلك جريحًا يهوى نحو هاوية سحيقة تتلاطمه أمواج عاتية من الجشع تأكل ماتبقى منه ومن مدخراته .
وقد أدت الحرب لتغييرات جذرية في سلوكيات المستهلك وبدأت تظهر أنماط غذائية جديدة أو قل (من حقيبة الغذاء السوداني) فبعد أن كانت تسيطر على موائدنا الأطعمة المعدة خارج المنزل وسادت اللحوم المصنعه والوجبات السريعة وثقافة الساندويتش وزجاجة المشروب الغازي، هاهى موائدنا تعود إليها الأطعمة والمشروبات البيتية وأنواع (الكسره ) و(القراصة) وغيرهما .في عودة حميدة لكل ما هو طبيعي.
وبات المستهلك قانعًا مقتنعًا بمايقدم له دون تزمر أو (حردان) ، وزاد المستهلك قناعة بأن هناك العديد من البدائل الغذائية من واقع ماهو متوافر لديه ، وألهمه الله ثباتًا ويقينًا بأن الترشيد القسري في كل شيءٍ خلال فترة الحرب هو سر النجاة .
حتى المستهلك الصغير أصبح مدركًا أن مايقدم اليه الان من وجبات هي الخيار المتاح فلا تسمع منهم اشتهاءا وتطلعات باتت في حكم المستحيل .
ولعل المطلوب الآن من مقدمي الخدمات والسلع الغذائية مراعاة ذلكم الواقع الجديد ، فما عادت الأغلفة الملونة ولا العرض ولا المكان تثير حماسة المستهلك للشراء بقدر (كم سعرها) وكم ستكفي من أفراد الاسرة ؟وهل ستصمد في ظل انعدام الكهرباء وصعوبة التخزين ؟!
ويجب عليهم التقدير الأخلاقي والديني لحال المستهلك في عدم الغش والخداع والتلاعب في الاوزان وبيع السلع المخالفة ومنتهية الصلاحية خصوصًا بعد عودة ظاهرة ( قدر ظروفك) وعدم التغالي في الأسعار حتى لايكونوا مطرقة عذاب أخرى تدق في رأس المستهلك الموجوع.
كما أن على الموردين الان استجلاب السلع الغذائية ملتزمين بمواصفاتها القياسية ، فالشاهد من واقع ماهو معروض في الأسواق ظهور منتجات من دول الجوار لأول مره يراها المستهلك السوداني ولكنه يقبل عليها لعدم توفر المنتجات السودانية أو المعروفه لديه من دول تتصدر قائمة الواردات قبل الحرب. وعلى المصنعين الوطنيين التفكير في نقل بعض من خطوط الإنتاج للولايات تفاديًا لمخاطر المستقبل.
هي تحديات تلقي بظلالها على حال المستهلك وتتطلب من مؤسسات الدولة المعنية بالرقابة على الورادات والأسواق والتي للآسف توارى معظمها في وقت برزت هيئة الجمارك السودانية تقوم بواجباتها دون توقف وتعمل بكفاءة جنبًا الى جنب وفي تناغم وتنسيق تامين مع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس التي قدمت أنموذجا وطنيًا في حرصها على سلامة وصحة المستهلك من خلال فروعها العاملة بالولايات لتقف صدا منيعًا وحصنا أمينًا في الرقابة على الواردات الغذائية ومناهضة الظواهر السالبة عبر فنييها ومشاركة لجان شؤون المستهلك في بعض الولايات
فقد أكدت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس أنها بحق قلعة حماية المستهلك والاقتصاد الوطني.
وكما أن هذا هو الواقع بات في حكم الضرورة التفكر والاستعداد لمرحلة مابعد الحرب لتغيير واقع المستهلك السوداني نحو الافضل بالتطبيق الصارم للتشريعات والقوانين التي تنظم عملية حماية المستهلك لتكون ملزمة في كل الأحوال وتصبح سلوكًا محترما بين أطراف العملية التجارية.
وأن تقوم مؤسسات الدولة بما هو منوط بها في توفير البيئة الصالحة والرقابة المستمرة والتحسين والتطوير والتنسيق المحكم فيما بينها .
ويقابل ذلك من المستهلكين وعيًا وإدراكًا لحقوهم وواجباتهم
إذن فالحرب اللعينة افرزت عددًا من السلوكيات الجديده للمستهلك السوداني منها السلبي والإيجابي فقط دعونا نتفائل بغد وواقع أفضل نمضي فيه بكل السلوكيات الايجابية ونبتعد عن كل ماهو دون ذلك فالمستهلك دليل نفسه وموجهها والخبير بحاجاته.
ولنستعد جميعًا لبناء سودان مابعد الحرب فرحا بالنصر القريب بإذن الله.