أخبار رئيسيةرأي
د. كرار التهامي يكتب: هذه إحداثيات الحرب وحيثياتها لمن ألقى السمع وهو شهيد (١-١٠ )
(١) هل سيخسر الجيش الحرب ؟
* تقول مجلة ناشيونال إنترست” الأمريكية: ” أمريكا قوة عظمى، لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن هزيمتها في الحرب”، مضيفة: “الهزيمة يمكن أن تكون خطوة على طريق الانتصار”
- جاء ذلك في سياق مقالة بحثية تحليلية عن الهزائم التي تعرضت لها اقوى الجيوش في العالم اشار البحث لهزائم الجيش البريطاني حيث ذكر “إن الجيش البريطاني ظل جيشا لإمبراطورية مترامية الأطراف، لا تغيب عنها الشمس على مدى قرون مع ذلك تعرض لهزائم على يد جيوش وحركات مسلحة حول العالم شملت المقاومة الأمريكية اثناء حرب الاستقلال والروس والفرنسيين وفي أفريقيا وأفغانستان واليابان والألمان ومسلحي (مليشيا) الزولو وحروب صغرى مختلفة تراجع فيها الجيش العملاق وانسحب بعد ان مني بخسائر فادحة في صفوفه”
- ويشير البحث الى هزيمة الجيش الامريكي في فيتنام وانسحابه فارا بهزيمة تاريخية غيرت المشهد السياسي في العالم كماً وكيفاً ولايزال الجبس الامريكي الى اليوم يلعق جراح حربه مع مليشيات طلبة المدارس الدينية في افغانستان (الطالبان)والتي انسحب منها بطريقة اعادت للذاكرة العسكرية الطريقة التي انسحب بها من ادغال فيتنام يجرجر اذيال الهزيمة وتاركا وراءه حلفاءه في قبضة اعدائهم يواجهون العسف والعذاب والفناء.
- و لا تغيب عن ذاكرة الهزائم العسكرية ما تعرض له الجيش الامريكي في افريقيا في معركة مقديشوا الشهيرة التي استطاعت المقاومة الصومالية الشعبية من هزيمة جنود اكثر من عشرين دولة على راسهم الجيش الامريكي و قام المقاتلون الصوماليون بسحل الجنود الامريكيين في الشوارع في منظر هز ضمير المجتمع الامريكي فانسحب الامريكيون هلعين رغم غطاء الامم المتحدة الذي لم يكن كافيا لستر الاجندة الكولونيالية العارية.
- الجيش السوداني صاحب تجربة عميقة وقاسية وله دِرْبة في اساليب القتال وضراوة الحروب ومصنف عالميا في مواقع متقدمة مقارنة بجيوش اخرى في المنطقة والاقليم ومنذ ما قبل الاستقلال الى اليوم لم يتوقف هذا الجيش خلال الثمانين عاما المنصرمة من الحروب التي خاضها جميعا مرغما و مضطلعاً بواجبه الدستوري نحو الدولة المناط بها حفظ السيادة واحتكار العنف و على هذا المنوال ما ان تتوقف حرب بسبب المتغيرات السياسية او تخف حدتها في عهد من العهود حتى يضطرم لهيبها من جديد.
- هذه التجاريب ضاربة في القدم بدأت بمشاركة العساكر السودانيين في حروب محمد علي باشا، والي مصر في سنتي 1854 ووفي حرب القرم مع مع القوات التركية ضد روسيا وفي المكسيك، عندما طلبت كل من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها ضد العصابات المكسيكية حيث اثبت الجنود السودانيون في المكسيك قدرة استثنائية على تحمل الامراض المستوطنة هناك والتي فتكت بالجنود الفرنسيين والاوربيين كما اظهروا ثباتاً في القتال وشدة.
- وشارك جيش السودان في الحرب العالمية الأولى حيث أرسلت بريطانيا فرقتين من الجنود السودانيين إلى جيبوتي بناء على طلب من فرنسا لتحل محل الجنود السنغاليين هناك و في منتصف القرن الماضي انخرط الجيش في حروب الداخل المعقدة والعنقودية حيث اندلعت حرب انانيا (سم الافعى ) في العام ١٩٥٥ التي استمرت خمسين عاما شهدت فيها استراحة في العام ١٩٧٢ على خلفية اتفاقية اديس ابابا التي كانت استراحة لأطول وأعنف الحروب في القرن راح ضحيتها مئات الالاف من المدنيين والعسكريين وبعد اثنين وعشرين عاما، انتهى الصراع بتوقيع اتفاق “نيفاشا للسلام” في يناير 2005.
- بيد انه لم ينعم السودان كثيرا بالراحة والاستقرار بعد هذه الاتفاقية، ففي عام 2003، حمل المتمردون في دارفور السلاح ضد الحكومة بذرائع مختلفة واهية لا تستحق ان تحرق فيها الارض وتشتعل بسببها الحروب الفتاكة ويخسر فيها الوطن الموارد و استقرار الدولة التي اصابها النقص المريع في الانفس والثمرات لكن الصراعات تصنعها الطموحات الشخصية المريضة ويهتبلها تجار الحروب وتمتد نحوها الايدي الغريبة ويهطرق فيها الخراصون يؤلفون الحجج لمناخ الاقتتال ويوفرون في الصدور و ينشرون الفتن ويستغلون عقليات لوردات الحرب للاستثمار في بيع السلاح وتوريده حتى صار تأسيس حركة مسلحة اقرب الى العمل التجاري من السياسي وما فتئت الحركات المسلحة تتناسل وتتوالد كالبكتيريا وتتراكم في المشهد السياسي بادعاء التهميش احيانا وصراعات الهوية احيانا والكثير من العناوين المفتعلة وبادرت تلك الحركات بالعنف فاعتدت على القرى الامنة وهاجمت المطارات في غرب السودان ومؤسسات الدولة لترد الدولة بعنف مضاد وأدّى ذلك الصراع الدموي في المنطقة إلى مقتل وتشريد مئات الالاف من الضحايا
- على هذه الشاكلة خَبِر الجيش السوداني الحروب و خاض غمارها مجبرا و مدافعا عن سيادة البلاد واستقرار الدولة الى ان وصل الى حرب اليوم التي تتهدد وجود السودان بأكمله و بين الحروب الممتدة التقليدية السابقة في الغرب والجنوب تعد معارك اليوم الأكثر اختلافا، فهي المرة الأولى التي تواجه فيه القوات المسلحة السودانية حرب شوارع تغيب فيها ابسط اخلاقيات الحروب و تعتمد في كتلتها الاكبر على المقاتل اللص الذي تحركه دوافع النهب و السرقة والقتل العشوائي و وينساق اليها العاطلون عن العمل والفاقد التربوي وعناصر الجريمة في المدن والاطفال المشردون ويتدرع فيها الطرف الذي يحارب الجيش بالأعيان المدنية ويختبيء في منازل المواطنين ويجري القتال في شوارع المدن والاحياء السكنية ، وبين طرفين ينتميان نظريا إلى الدولة نفسها .
- هذه المقدمة لتؤكد بالشواهد التاريخية علو كعب الجيش وادواره التاريخية وقدرته على مواصلة الحرب بنفس العزيمة وقصة تراجع الجيش هنا وهناك امر طبيعي فهي احداثيات اي حرب في تاريخ البشرية بحيث انه ليس من المنطق أن يكون الجيش اي جيش سوبر لا يهزم ولا يتراجع غير ان الجيوش الاحترافية قادرة على استعادة المبادرة بعد كل معركة تخسرها
- انهزم الجيش الامريكي في معركة بروكلين وانسحب بقيادة جورج واشنطن إلى مانهاتن بالقوارب, مما أدى إلى إنقاذ الجيش القاري من الوقوع في الأسر يقول جورج واشنطن قائد الجيش المنسحب : “كلما جعلت أمد الانتصار أبعد ستكون النهاية المحتومة أن يعلن العدو خسارته للحرب ” و يقول المحلل العسكري كاتب البحث : “إن الهزيمة كانت قاسية، لكنها قادت إلى نجاح أكبر على المدى البعيد، “لأن الجيش يمكن أن يخسر معارك لكن استمراره على أية حال سيجعله يحقق الانتصار”.” وفي معركة لتل بيغ هورن اوقع مقاتلو السكان الأصليين مذبحة بالجنود الامريكيين. وتقول المجلة: “كانت تلك الهزائم درسا قاسيا تعلم منها الجيش الكثير من الأشياء التي كان لها دور مهم في تحقيق انتصارات لاحقة في الحربين العالميتين الأولى والثانية،
- ماهي العبرة في كل ذلك؟ العبرة ان لا يصيب المقاتلون ولا الشعب الاحباط مهما تعددت الهزائم ولا يظن احد الظنون بالجيش فالجيوش الاحترافية تنتصر في (الحرب) مهما خسرت من (معارك) لقد حقق الجيش السوداني الانتصار في الدقائق الاولى بإحباط الانقلاب وانتصار الحرس الرئاسي ضد كل التوقعات والحسابات العسكرية أن افضل ما يتطلع اليه عدوك احساسك بالهزيمة وقبول فكرتها…. نواصل .