اقتصاد

ديون السودان ..سيناريوهات المعالجة

تقرير – رحاب عبدالله
في الوقت الذي يبحث وفد رفيع برئاسة وزير المالية د.جبريل ابراهيم خلال مشاركته في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي للعام2024م التي تعقد خلال الفترة 21- 26 أكتوبر الجاري بواشنطن، احداث بعض التقدم  في مجال معالجة ديون السودان الخارجية التي تتجاوز ال60 مليار دولار.
من المتوقع أن يحقق وفد السودان  المشارك – الذي يضم وكيل التخطيط محمد بشار محمد ووفد فني من الإدارات المعنية بالوزارة  – بعض التقدم  في مجال معالجة ديون السودان الخارجية وإعادة تمويل المشروعات الحيوية في قطاعات : الصحة  ، التعليم والدعم الإنساني عبر المنظمات الدولية المتخصصة ، ومن  المخطط أن يلتقي وزير المالية على هامش الاجتماعات بممثلي بعض المنظمات والإدارات المعنية بصندوق النقد والبنك الدوليين ومؤسسات التمويل الإقليمية ، كما يعقد الوزير إجتماعات ثنائية مع عدد من نظرائه في المحيط الإقليمي والدولي لتعميق علاقات التعاون الاقتصادي  المشترك وتطوير العلاقات مع دول التعاون الثنائي .
والشاهد أن السودان اصبح مؤهلا ،بعد رفع اسمه من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب في أواخر 2020، صار مؤهلا للتمتع بمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون التي تتيح تخفيف أعباء ديون الدول منخفضة الدخل، وتمت بالفعل تسوية متأخرات السودان للبنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، وتأمل الخرطوم أن تدبر في باريس تمويلا لسداد متأخرات لصندوق النقد أيضا، مما سيسمح بالمضي نحو نقطة القرار.
وللوصول إلى هذه المحطة أجرى السودان إصلاحات اقتصادية يراقبها صندوق النقد وألغى دعم الوقود وخفض قيمة عملته خفضا حادا.
وعلى السودان تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية للوصول إلى “نقطة التمام”.
وفد وجاهات
الا أن عميد كلية الاقتصاد بجامعة السودان د.عبدالعظيم المهل ، يرى أن معالجة ديون السودان تحتاج إلى الاعداد الجيد واستغلال الظرف الحالي وتكوين وفد حكومي مفاوض من مختصين متنوعين وليس سياسيين ولا وفد وجاهات حتى لو استدعى الأمر الاستعانة باجانب أو اختصاصيين يعيشون خارج السودان ويتم تقسيم وتجزئة مشكلة الديون حتى يسهل حلها ، مبينا ان بعض الديون يمكن حلها بواسطة مبادرة الهيبك”الدول المثقلة بالديون”، لافتا الى ان السودان مستوفيا لشروطها، وأكد أن مبادرة الدول الغنية “قمة العشرين” قد خصصت حوالي 60 مليار للدول الأفريقية الفقيرة، والسودان مستوفيا، فضلا عن مبادرة بيل غيتس وبعض أغنياء العالم والتي ايضا السودان مستوفيا لشروطها.
تسوية ثنائية للديون
وأشار المهل في حديثه ل(الأحداث) إلى أن السودان الان فيه حرب قضت على الاخضر واليابس وفيه فيضانات وسيول وحمى الضنك والكوليرا وغيرها.
وأكد المهل ان بعض الديون يمكن تسويتها ثنائيا مع الدول الدائنة، بينما بعض الديون يمكن مقايضتها بنظام “البوت” أي يتم منح الدول الدائنة مشاريع زراعية وصناعية لاسترداد ديونهم وارباحهم ومن ثم عودة المشاريع إلى السودان.
الاقتراب من تسوية الديون
في وقت قطع فيه الخبير المصرفي وليد دليل، بان السودان يقترب من مرحلة رئيسية لتسوية ما يقرب من 50 مليار دولار من ديونه الخارجية. مع مراعاة تلبية متطلبات مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك).
مضيفا ان إجمالي ديون السودان بلغ ‭‭‭50‬‬‬ مليار دولار على الأقل بنهاية ‭‭‭2019‬‬‬، وفقا لصندوق النقد الدولي. ومازال البلد يعمل مع دائنيه لتسوية ديونه حتى نهاية العام الماضي، مضيفا انه نظرا لانعزال السودان عن النظام الدولي لعقود من الزمان، فإن حوالي ‭‭‭85‬‬‬ % من ديونه متأخرات – فوائد غير مدفوعة وغرامات.
 وقال :في عام 1996، أطلق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون  (الهيبك) كإطار لتخفيف عبء الديون للبلدان المؤهلة وتم اعتماد مبادرة الهيبك مع الاعتراف بأن عبء الديون الخارجية الذي لا يمكن تحمله والذي تواجهه بعض أفقر البلدان هو سبب للنمو الاقتصادي البطيء والفقر المستمر،تم تصميم البرنامج للتأكد من أن أفقر البلدان في العالم التي تفي بمتطلبات الأهلية الخاصة بمبادرة الهيبك لا تطغى عليها أعباء الديون التي لا يمكن السيطرة عليها. ويقلل من ديون البلدان المؤهلة التي تلبي معايير الإصلاح الصارمة.
وحذر دليل من تزايد الكلفة الاقتصادية بشكل كبير، مع إطالة أمد الحرب،مشيرا إلى أن وزير المالية السوداني جبريل ابراهيم قال إن ايرادات الدولة تراجعت بنحو 80 % وتسببت الحرب في أكبر انكماش في تاريخ اقتصاد السودان إذ بلغ نحو 40%، مع تدهور كامل في كافة القطاعات.
إجراءات وسياسات
وأكد دليل انه على الحكومة السودانية حاليًا مواجهة تلك الأزمة عبر اللجوء إلى مجموعة من السياسات، والإجراءات اجملها في اللجوء لصندوق النقد الدولي، مبينا انه في ظل تآكل نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي خلال الحرب وفي ظل محدودية أثر ونجاعة السياسات النقدية والمالية في مواجهة أزمة موارد النقد الأجنبي الحالية، مؤكدا ان القروض الخارجية تبرز كحل سريع وناجز، بيد ان دليل اشار الى أن صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى هي أذرع الهيمنة الرأسمالية العالمية الممثلة في أمريكا وأوروبا، مما يعني أن أبواب الاقتراض من تلك الكتلة وبمبالغ مؤثرة في حجم فجوة الموارد الدولارية أصبحت من الصعوبة بمكان، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المأزق الكبير الذي تعانيه اقتصادات تلك الدول التي لم تكد تقترب من التعافي من “كورونا” حتى عاجلتها الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة والتضخم، ولازالت جميعها تصارع من أجل النجاح في الخروج بأقل الخسائر، واضاف ايضا أن من بين الإجراءات التي يمكن للحكومة اعمالها  هو الاعتماد على الودائع الخليجية وعلى الرغم من قوله ان الودائع الخليجية  من كل من السعودية والإمارات وقطر قد يسهم في حل أزمة سداد الديون السودانية ، لكنه أشار إلى أن فكرة القروض لم تعد مقبولة خليجيًا وأن الودائع بلغت ذروتها، وأن المساندة من الأشقاء أصبحت مدفوعة الأجر، ليست فقط في صورة فوائد على القروض أو الودائع، بل أصبحت في صورة الاستحواذ على أصول سيادية في مقابل الودائع والديون السابقة، فضلا عن تنويع العملات الأجنبية:اتفاقيات مبادلة العملة هي عملية تبادلية لتداول العملات المحلية الخاصة بالبلدين في عمليات تمويل التجارة والاستثمارات. على أن تكون أسعار تلك العملات محددة مسبقًا لسعر صرف يتفق عليه البلدان. دون استخدام أي عملة أخرى في تقييم سعر صرف العملة.
بيع أصول الدولة
وأشار دليل إلى أن من بين الإجراءات المحتملة للحكومة السودانية بيع أصول الدولة، وعلى الرغم من أنه أكد ان بيع الأصول لا يلقي أي أعباء على شرائح عريضة من المواطنين، وبأن المشتري سيتمكن بمعاونة القبضة الأمنية رضاءً أو جبرًا من إسكات المتضررين من العمال لكنه اشار إلى أن آلية التسعير للأصول المباعة وفق سعرها في البورصة لحظة البيع تخطى حدود البخس في الأسعار إلى حالة بيع يشوبها الكثير من الفساد والتفريط، بالإضافة إلى أن اختيار بيع الشركات عالية الربحية يعكس ورطة الاقتصاد التي جعلت المشتري يختار الشركات التي يريد شراءها، وليس الأصول التي تعرضها الحكومة للبيع ولا تجد من يشتريها، حتى ولو كانت تمس الأمن القومي بصورة مباشرة،ناهيك عن أن بيع الأصول يقلل من الفوائض التي كانت تساهم فى موارد الموازنة العامة للدولة، والتي تساعد بتدبير تكلفة الدين المحلي والخارجي، أي أن ذلك البيع يزيد من صعوبة سداد أقساط فوائد الدين.
وأضاف وليد دليل أنه عموما لا يزال خيار بيع الأصول المملوكة للدولة الخيار الأكثر يسرا وسهولة وسرعة للتخفيف من ضغوط فجوة الدولار، ولكنه رأى أنه من المرجح أن تتخطى الخسائر جراء هذا البيع الجوانب المالية إلى جوانب تتعلق بسيادة الدولة واستقلالها السياسي والاقتصادي وأمنها القومي، وراى أنه تحت ضغط الحاجة والرغبة في تزييف حالة الإفلاس الفعلي الواقع حاليا ستباع أصول استراتيجية شديدة الخطورة على الأمن القومي، وقد بدأ فعليا على سبيل المثال الحديث عن بيع الموانئ، أو ما أشير إليه من باب التضليل بالإدارة والتشغيل من قبل شركات أجنبية أو خليجية، فقط مقابل حق انتفاع.
ومن بين الاجراءات اللازمة اصلاح الملف السياسي، فلا يمكن الفصل بين الملفين، الإصلاح الاقتصادي والسياسي، فحل الأزمة الاقتصادية يتطلب إجراء مصالحة مجتمعية على الفور ودون تأخير أو تلكؤ، مصالحة بين كل القوى السياسية والمدنية، فالمصالحة يعقبها تدفق مزيد من الأموال من السودانيين  العاملين في الخارج وعودة مليارات الدولارات التي خرجت في السنوات الأخيرة خوفاً من المصادرة أو عدم الاستقرار. تعني أيضًا عودة الاستثمارات الأجنبية الهاربة بعد أن يدرك المستثمر الخارجي أن هناك استقراراً سياسياً حقيقياً في الدولة، وليس استقراراً هشاً أو قائماً على العصا الغليظة فقط. كما تعني المصالحة تعاون جميع أفراد المجتمع في تجاوز الأزمة المالية، فإذا ما تمت مشاركة المواطن في صنع القرار السياسي والاقتصادي فإنه يتحمل أي قرار تقشفي حتى لو كان صعباً ويمس قدرته الشرائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى