السفير د. إبراهيم البارودي
كتب الدكتور منصور خالد وزير الخارجية الأسبق في كتابه ( السودان والنفق المظلم) ، ” إن لم تخني الذاكرة بعد حريق الكتب ” أنه كلف من قيادة الدولة بالسعي لاستعادة علاقات السودان مع الإتحاد السوفييتي عقب الأزمة التي اعترت مسارها في أوائل سبعينات القرن الماضي. يقول د. منصور خالد ( التقيت بوزير خارجية الإتحاد السوفيتي أندريه غروميكو على هامش أحد اللقاءات الدولية فاقتربت منه و حييته، فرد التحية بشكل جليدي. ثم قلت له أننا نرغب في عودة العلاقات إلى طبيعتها بين السودان والإتحاد السوفيتي، فرد غروميكو قائلا إن الإتحاد السوفيتي يمكنه أن يعيش من غير السودان ولكن السودان لا يمكنه أن يعيش من غير الاتحاد السوفيتي ).
برغم فظاظة رد وزير الخارجية السوفييتي فإن الدرس المستفاد من هذا الحوار أن الدبلوماسية هي من يقع عليها عبء إصلاح وإعمار العلاقات مع دول العالم. فالعلاقات الدولية بطبيعتها ديناميكية ولا تدوم على حال وفق تأثرها بمجريات الاحداث وتقلب المصالح وتبدل الأحوال. فلا مكان فيها للعواطف والرغائب والأمنيات.
فالعالم يشبه بحرا متلاطم الأمواج، شديد الزحام كثير الوعر، والدبلوماسية بمثابة زورق رشيق الحراك، سريع التفاعل ،حصيف التوجه لبر الأمان. وقد ظل السودان خلال مسيرة الحكم الوطني يتنكب طريقه نحو البناء والنماء، تعتريه النوازل والبلايا فتنعكس على علاقاته الخارجية وتزيد من أحمال دبلوماسيته التي ظلت منذ الاستقلال تكافح وتنافح تنشد تحقيق مصلحة البلاد العليا.
لا تكاد تجد جيلا من دبلوماسيي وزارة الخارجية السودانية لا يحدثك عن تحديات اجتازتها الوزارة وبعثاتها الخارجية. ولأنه كما أشرت في مقال سابق ليس من طبع الدبلوماسي التباهي والتفاخر والكلام ، فإن الكثير من كفاح أجيال الخارجية السودانية خلال الأزمات بقي طي الصدور والورق، إلا قليلا من ما حوته كتب ومذكرات لقلة منهم كتبوها على استحياء وترقب.
ما قصدته من هذا السرد هو استدعاء الإرث والحاضر للدبلوماسي الشاطر ” كما درج أهل الدبلوماسية على نعت المتميز منهم”، في هذا الظرف التاريخي الفريد الذي يمر به السودان، لمجابهة البعد الخارجي في التعاطي مع الأزمة الحالية. وهو بعد محوري شديد التعقيد وبالغ الأهمية في عودة العافية للسودان و نهوضه من جديد. نحن في حاجة لاجتراح أفكار وأساليب تناسب الظرف وتخاطب الخطب الجلل الذي تمر به الأمة السودانية، فإن محض التصافح وتبادل الكلمات الودية وحدها لم يعد ينبت علاقة ولا يقيم عهدا. فالمصالح المشتركة وحدها من تقرب المسافات وتضمد الجراحات وتبني وطنا. ولأننا نعيش في عالم بات كافرا بمبادئ السيادة القطرية، ساخرا من سطوة القانون الدولي و متغافلًا عن مواثيقه الدولية، فإن الطرق علي هذه المبادئ لا يسمع من به صمم. ويبقى النفوذ إلى المقاصد الحيوية القائمة على تفعيل ما لدينا من مقدرات ووسائل في شتى ضروب العمل ،لتكون أساسا لعلاقات خارجية واقعية تقوم على تبادل المنافع وتوطيد المصالح. فنحن دولة تملك مفاتح التعاون الدولي بما لديها من مقومات وموارد قلما تجتمع في وطن واحد.
