خفايا وأسرار تنشر لأول مرة بشأن تحرير الجزيرة

الأحداث – وكالات
في الأيام الأخيرة من شهر مارس 2025 تمكن الجيش السوداني من بسط سيطرته الكاملة على ولاية الجزيرة وسط السودان، بعدما استعاد مقر اللواء الأول مشاة بالباقير.
وتأتي السيطرة الكاملة للجيش السوداني على ولاية الجزيرة بعد أكثر من شهرين من دخوله عاصمة الولاية، مدينة ود مدني في 11 من يناير عبر عملية عسكرية من 3 محاور طوق فيها الجيش قوات الدعم السريع في الولاية.
التخطيط للعملية
وكشف قادة ميدانيون بالجيش السوداني، للجزيرة مباشر، تفاصيل التخطيط لعملية استعادة السيطرة على ولاية الجزيرة، ففي 8 يناير، شَـنّ الجيش والقوات المُساندة له، هجومًا على الدعم السريع من 3 محاور في الولاية، عبر متحركات: المناقل (الغربي)، والفاو (الشرقي)، وسنار (الجنوبي).
وقال قائد محور سنار اللواء عبد المنعم عبد الباسط، للجزيرة مباشر، إن التخطيط لتحرير ولاية الجزيرة بدأ عقب دخول “العدو” لمدينة ود مدني وتوغله في ولاية الجزيرة في ديسمبر 2023.
وأضاف “صمود سنار وتحرير جبل موية، زسنجة، والسوكي والدندر بولاية سنار كسر القوة الفعلية لمليشيا الدعم السريع وأدى لهزيمة قواتها في مدني وشمال الجزيرة، بجانب الدور المحوري لقوات محوري المناقل والفاو في شرق الجزيرة وغربها”.
وكشف عبد الباسط عن تنفيذ الجيش السوداني “عمليات نوعية” قبل العملية البرية ضد الدعم السريع، استهدفت استنزاف قواته وإنهاكها، وأن طبيعة الأرض بوسط وغرب الجزيرة كانت في مصلحة قوات الجيش.
وقال “كانت استراتيجية مليشيا الدعم السريع هي الهجمات المتعددة باستخدام قدرات كبيرة مادية وبشرية، وقد تم تدمير معظم قواتها الصلبة بسنار عقب تحولنا من الدفاع للهجوم”.
مواقع استراتيجية حاكمة
ومع بدء العملية العسكرية لتحرير ولاية الجزيرة، تمكن الجيش والقوات المساندة من بسط سيطرته على مواقع استراتيجية ونقاط حاكمة مكّنته بعدها من مواصلة التقدم العسكري بالولاية.
وفي 9 يناير تمكّن المتحرك الشرقي (النبأ اليقين) الذي تحرّك من منطقة ود فقيشة على طريق “القضارف – ود مدني” من السيطرة على منطقة الشبارقة وكانت تتمركز بها قوات من الدعم السريع، حدت سابقًا من تمدد الجيش والقوات المشتركة بمحور الفاو الشرقي.
وتبعد الشبارقة حوالي 39 كيلومترًا شرقي ود مدني وكانت أهميتها الاستراتيجية من موقعها الجغرافي الذي يربطها بالعديد من الطرق الترابية مع منطقة البطانة وشرق الجزيرة، وطريق معبّد إلى عاصمة الجزيرة، بجانب إمكانية العبور عبر المراكب منها إلى الضفة الغربية للنيل الأزرق إلى القرى المتاخمة لمدينة ود مدني.
قوات محور المناقل
نفذت قوات محور المناقل عمليات نوعية واختراقات ضد الدعم السريع في عدد من مناطق سيطرتها في الجزيرة عقب سقوط عاصمة الولاية على مدار عام كامل، وأدت إلى تفتيت القوة الصلبة للدعم السريع، وفقًا لمصدر عسكري ميداني بالمحور الغربي تحدّث للجزيرة مباشر، طالبا عدم الكشف عن اسمه.
وقال المصدر “قوات العمل الخاص بمحور المناقل والمقاومة الشعبية نفذت عمليات نوعية ونصبت كمائن للدعم السريع، وتمكنت من السيطرة على مناطق حاكمة بجنوب الجزيرة لمنع تقدم الدعم السريع غربًا، بجانب عمليات استهداف عبر المسيرات التي لعبت دورًا بارزًا في المعارك”.
وتابع “خاضت قوات العمل الخاص معارك ضد الدعم السريع بمناطق غربي ود مدني وحرّرت قرى تقع جنوب الجزيرة في مارس 2024، وأدّت هذه العمليات العسكرية المتوالية إلى إنهاك مليشيا الدعم السريع”.
وبشأن الخطة النهائية بمحور المناقل قال المصدر “انقسم المتحرك إلى 3 قوى عسكرية تحركت في 8 يناير يتقدم فيها المتحرك الرئيسي من المدينة حتى الوراق أبو سنينة، على بعد 6 كيلومترات غربي ود مدني، وهي مناطق تماس واشتباك وخاضت فيها القوات معارك ضد الدعم السريع، بينما تحركت القوى الأخرى للمتحرك جنوباً وشمالاً وشرقا بمناطق تبعد بين 10 و13 كيلومترا من ود مدني والسيطرة على مناطق حاكمة لمنع التفاف الدعم السريع على القوات المتقدمة”.
قوات درع السودان
وفي أكتوبر 2024 أعلن أبو عاقلة كيكل قائد قوات درع السودان، انشقاقه عن الدعم السريع وانضمامه للجيش، وهي الخطوة التي اُعتبرت من التحرّكات الفاعلة في معارك تحرير ولاية الجزيرة.
ووفقًا للنقيب بدرع السودان حسان جاد السيد، فقد نفّذت قوات الدرع بعد هذه الخطوة عددًا من العمليات العسكرية في مناطق سيطرة الدعم السريع واخترقت دفاعاتها شرقي الجزيرة.
وفي 10 يناير استعاد الجيش وقوات درع السُّودان التي تحرّكت من معسكر جبال الغُر بمنطقة البطانة، وسيطر على منطقة أم القرى شرقي ود مدني بعد معارك ضد الدعم السريع بدأت في 6 يناير.
وقال النقيب حسان النزاوي، للجزيرة مباشر، إن قوات درع السودان خاضت معارك شرسة ضد الدعم السريع بأم القرى عبر عملية برية وتغطية من سلاح الجو، وانتقلت بعدها المعارك إلى منطقة ود المهيدي حيثُ شنت قوات الدرع هجومًا مزدوجًا عليها من الناحية الشرقية والشمالية وسيطر عليها في 11 يناير.
وكشف النقيب جاد السيد عن اختراق أمني وعملياتي أحدثتهُ قوات درع السودان في الدعم السريع مكّن سلاح الجو من استهداف آخر دفاعاته على بعد نحو 7 كيلومترات شرق ود مدني.
استراتيجية الجيش السوداني
وحول الاستراتيجية التي اتبعها الجيش السوداني في معركة استعادة السيطرة على ولاية الجزيرة، قال قائد محور سنار اللواء عبد الباسط، إن الاستراتيجية التي اتبعها الجيش كانت وفق عدد من المراحل:
المرحلة الأولى: امتصاص قوة الصدمة.
المرحلة الثانية: إنهاك العدو بسياسة النفس الطويل.
المرحلة الثالثة: تدمير قوات العدو بأعمال قتالية ممنهجة.
المرحلة الأخيرة: الانتقال من العمليات الدفاعية للعمليات الهجومية وهي مرحلة (تكسير العظام).
وأضاف “تكبد العدو في محور سنار خسائر كبيرة جدًا بشرية ومادية وقُتل أبرز قادته في سنار وبلغ عدد الجرحى والأسرى إلى آلاف الأشخاص”.
تحرير ود مدني
وفي 11 يناير كانت معركة تحرير عاصمة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني. وقال مصدر ميداني، للجزيرة مباشر، إنه لم يكن وفق الخطة العسكرية التي وضعت تحرير ود مدني في ذلك التاريخ، فالخطة العسكرية للمحاور الثلاث تضمنت تحرير مناطق والارتكاز فيها ونصب الدفاعات في المحور الشرقي وتحرير منطقة الشبارقة والارتكاز في منطقة الدناقلة على بعد 8 كيلومترات شرقي ود مدني، أما المتحرك الغربي فكان المخطط الارتكاز في منطقة الوراق على بعد 6 كيلومترات غربي ود مدني.
وأضاف المصدر “المتحرك الجنوبي (محور سنار) كان من أضخم المتحركات وكان معولًا عليه دخول عاصمة الولاية، لكن تغييرات الوضع الميداني جعلت الظروف مواتية لمتحرك النبأ اليقين (المحور الشرقي) لدخول ود مدني وكانت القوة المتقدمة بقيادة رائد بسام عثمان (أبو ساطور) أول قوة تعبر جسر حنتوب إلى ود مدني وارتكزت بالقرب من مركز القلب غرب الجسر”.
وقال قائد القوة الرائد بسام عثمان، للجزيرة مباشر “توجّه متحرك النبأ اليقين من منطقة الشبارقة حتى جسر حنتوب ودارت معركة كبيرة وبإسناد وتغطية جوية عبر المسيرات والمدفعية، وفي صباح 11 يناير عبرنا جسر حنتوب شرقي ود مدني بقوة قوامها 3 عربات عسكرية وقمنا بتأمين الجسر من جميع الاتجاهات”.
وتابع “قُتل أكثر من 3 آلاف من مليشيا الدعم السريع في معارك الجزيرة، وأُسر عدد من المرتزقة الأجانب من جنوب السودان، وتشاد، وليبيا، ودول غرب إفريقيا”.
وبحسب مصادر الجزيرة مباشر، فقد تقدمت بعدها قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل وعبرت جسر حنتوب مرورًا بشارع النيل حتى قيادة الفرقة الأولى والمعتقلات بالتعاون مع قوات من العمل الخاص وجهاز المخابرات كانت داخل المدينة، بينما قامت قوات محور المناقل غربًا بعبور جسر البوليس إلى داخل ود مدني، وعبر محور سنار جنوبًا إلى السوق المركزي بالمدينة، حيث دارت اشتباكات داخل المدينة.
عوامل مساعدة
وبحسب مصادر ميدانية متطابقة تحدثت للجزيرة مباشر، فقد لعب سلاح المسيرات دورًا مركزيًا وحاسمًا في معارك ولاية الجزيرة، حيث تلقّى الجيش السوداني دعمًا عسكريًا من دول حليفة، واستخدمت المسيرات الاستراتيجية، والمسيرات التركية “بيرقدار”.
وقال مصدر ميداني، للجزيرة مباشر “من العوامل التي عززت موقف الجيش السوداني وسرعة بسط سيطرته على الجزيرة استخدام أسلحة متطورة، وفقدان الاتصال بين قادة الدعم السريع الميدانيين وجنودهم، وبالتالي غياب المعلومات حول تحرّكات الجيش، بالإضافة إلى تصوّر راسخ لدى الدعم السريع أن الجيش يتحرك ببطء ويتقدم ويرتكز، ولهذا فوجئوا بهجوم الجيش”.
وبحسب مصادر الجزيرة مباشر فقد ساهم تحرير ولاية الجزيرة في فرض حصار على الدعم السريع داخل الخرطوم، وكان أحد مفاتيح تحريرها.
نقلا عن “الجزيرة مباشر”