خطاب حميدتي الأخير.. صرخة الدويلة في وادي الصمت!
هاجر سليمان طه
بغض النظر عن حقيقة حياة حميدتي من موته فإن خطابه الأخير يبدو موضوعا على لسانه وليس أصيلا عن نفسه. فلا يمكن للرجل إن كان يتحدث أصالة عن نفسه أن يناقض نفسه لهذه الدرجة وأن يسفر عن عنصريته بهذه الطريقة الفجة، ومن شواهد تناقضه حديثه عن الإطاري الذي اتهمه بأنه كان سببا في الحرب بينما ظل فيما سبق يتهم الكيزان بأنهم من أشعل الحرب ويقول إن الإطاري هو الحل.
الشاهد أن هذا الخطاب تبدو أصابع الدويلة ظاهرة فيه، ويبدو أن لها رسائل تريد أن ترسلها في هذا التوقيت بالذات.
يعلم كل متابع أن الدعم السريع كان أداة لخدمة أهداف أطراف معينة هي أمريكا والإمارات وقحت ولحد ما السعودية. تقاطعت مصالح هؤلاء الأربعة وجمعهم أهداف على رأسها ضمان أيلولة حكم السودان لقحت لمدة طويلة يتم فيها تدجين الجيش السوداني وفرض حكم علماني قاهر كما حدث في مصر وتونس ينفرد به النيو ليبراليون بما يضمن مسح حركة “الإسلام السياسي” في السودان بالتنكيل والقتل من قبل دكتاتورية محمية بالسلاح كما هو المشهد في مصر. كان المخطط أن يتحقق ذلك بانقلاب سريع يقوم به الدعم السريع يضع السلطة في يد قحت ويتولى حمايتها ببندقيته.
وبعد فشل الانقلاب ونشوب الحرب بدا أن لهذه الأطراف اتفاق ضمني بأن تتولى الإمارات العبء المادي والأخلاقي لدعم المليشيا بينما يكتفي الآخرون بموقف الدعم الصامت والتواطؤ. وكان الرهان على أن الدعم الإماراتي اللامحدود وشراء جيران السودان القابلين لبيع مواقفهم بأرخص الأثمان سيحسم المعركة لصالح حميدتي في ظل ضعف الجيش وقلة ناصره.
لكن طول المعركة قاد الأمور في اتجاه مخالف لما توقعه هذا الرباعي. وزادت الكلفة الأخلاقية لدعم التمرد، ولذا بدأنا نرى قحت مضطرين من حين لآخر لإدانة جرائم الدعم السريع لتعضيد صورة المحايد التي يدعونها، كما وقعت أمريكا تحت ضغوط التقارير الصحفية والأممية التي رصدت جرائم الدعم السريع مما وضع أمريكا التي ترفع راية حماية حقوق الانسان لا سيما في دارفور في وضع غير مريح.
أما المملكة السعودية فموقفها أصلا كان على حافة التردد، فموقفها أقرب لموقف حسين فهمي في فيلم العار، فهو ضابط شرطة ولكنه وافق على بيع شحنة المخدرات الخاصة بوالده وهو يضغط على ضميره قائلا لنفسه: إنها مرة واحدة وستمر سريعا وبسلام!
إذن هذا الحلف غير المعلن يتعرض بعد كل هذه الشهور للتصدع، إن الشركاء يبتعدون ويتركون الدويلة تتحمل كامل الوزر وحيدة، إن الإمارات تحس بالخيانة، إذ هي الوحيدة التي لا زالت -والهزائم تنزل بالمليشيا- لا زالت تبعث لهم بالطائرة تلو الطائرة محملة بالذخائر والأسلحة، هي الوحيدة التي فقد مواطنون لها أرواحهم في أرض المعركة دعما للخطة المتفق عليها ضمنا.
بعد كل هذه التضحيات ترى الدويلة أن الحلفاء يتخلون عنها، فهاهو خالد سلك يغسل يديه من وحل جرائم الدعم السريع الذي تغرق فيه الإمارات لأذنيها ويقول نحن أكثر من أدنا الدعم السريع! وتفرض امريكا عقوبات على القوني دقلو الذي تستعين به الإمارات لتنفيذ المخطط!
أما السعودية فإنها تقف موقف المتفرج ولا تساهم في الكلفة المادية والأخلاقية التي تورطت فيها الإمارات. إن الدويلة تترك وحدها ويخذلها الرفاق.
في ظل هذا المشهد يبدو الخطاب ضربة غضب على مائدة الشراكة، لقد أطلق الشريك الجريح على لسان الدمية سهامه في كل اتجاه مستهدفا الشركاء المتخاذلين في الرباعية ومهددا بالتصعيد.
كل هذا يبدو مفهوما لكن غير المفهوم هو هجوم الخطاب على مصر بلا أي مقدمات، وما تبعه من تهديدات ابواق المليشيا لمصر بضرب السد العالي!
لقد بدأ الهجوم على مصر بعد أيام قليلة من مغادرة بن زايد للقاهرة إذ كان في زيارة لا شك أن ملف السودان كان حاضرا فيها.
ما الذي طلبه بن زايد من مصر ولم تستجب له حتى استحقت هذا العقاب؟ لا بد أنه أمر كبير وشديد المساس بأمن مصر، وإلا ما امتنعت عنه القاهرة التي تدين بالولاء لأموال الإمارات التي تبقيها متماسكة.