حوارات

خبير التمويل الأصغر د.نعمان يوسف يكشف لـ(الأحداث) خسائر القطاع

ارتفاع نسبة الفقر لنحو 65.6% بسبب الحرب

 

خروج أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من السوق

 

هذه التحديات (…) ستواجه قطاع التمويل الأصغر عقب الحرب

 

حوار – ناهد أوشي

 

كشف استشاري ريادة الأعمال  خبير التمويل الأصغر د. نعمان يوسف عن انخفاض الاستثمارات نتيجة لقلة توفر التمويل وتردد المؤسسات المالية في تقديم القروض بما أدى لخروج العديد من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من السوق، مشيراً إلى تأثير الحرب على قطاع التمويل الأصغر والذي اعتبره أكثر القطاعات هشاشة، وطالب بوقف الحرب والوصول إلى اتفاق سلام شامل لضمان استقطاب الدعم الدولي لإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة وتحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية من المانحين والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية مع         وضع استراتيجية وطنية للتمويل الأصغر. وتطرق للعديد من قضايا التمويل الأصغر في الحوار التالي.

 

ما تأثير الحرب على قطاع التمويل الأصغر؟

 

الحرب التي اندلعت في أبريل من العام الماضي ألقت بظلالها السالبة على كافة المناحي من فقدان آلاف الأرواح من المواطنين وتشريد ما يفوق ثلث سكان السودان ما بين نازح ولاجئ. إضافة لنهب الأموال والممتلكات والأصول وتدمير واسع للبنى التحتية طال كل القطاعات من الصحة، التعليم، الثقافة والسياحة، الصناعة والخدمات الحيوية مثل الكهرباء، المياه، الاتصالات، النقل، التجارة والمصارف بما فيها مؤسسات تقديم خدمات التمويل الأصغر. فتوقفت عجلة العمل والإنتاج في ثلثي ولايات السودان وانعدمت فيها الخدمات الحيوية من مياه وكهرباء وعلاج مع ضيق ذات اليد ونهب المدخرات الشخصية للمواطنين،

وارتفعت نسبة الفقر لنحو 65.6% وأصبح الجوع يهدد أكثر من (25) مليون مواطن ومواطنة وحرمان (19) مليون تلميذ وطالب من مواصلة الدراسة بالمدارس والجامعات. بجانب انقطاع الاتصالات وتأثيرها الواسع على الخدمات المصرفية وتحويل الأموال.

 

وبما أن قطاع التمويل الأصغر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وهو قطاع أكثر هشاشة بطبيعة الحال فقد كان تأثره بليغاً وخسائره فادحة على كل المستويات (الكلي، الوسيط، الجزئي).

 

هل هنالك إحصائيات دقيقة لتأثير الحرب على قطاع التمويل الأصغر؟

 

على الرغم من قلة الإحصاءات الدقيقة والمعتمدة من الجهات الرسمية نسبة لاستمرار الحرب وعدم توفر الأمن.

إلا أن مؤشرات أداء قطاع التمويل الأصغر بنهاية العام 2022 (عام ما قبل الحرب). وبحسب تقرير وحدة التمويل الأصغر _ بنك السودان المركزي للعام 2022  فقد  جاءت مؤشرات أداء قطاع التمويل الأصغر (التمويل الأصغر والصغير) بالسودان بنهاية ديسمبر 2022 على نحو ما يلي:

عدد الشركات والمؤسسات مقدمة خدمات التمويل الأصغر العاملة 51، إجمالي عدد العملاء (المستفيدين) تراكمياً 3,282,049

، إجمالي عدد العملاء النشطين       632,676 ، إجمالي حجم التمويل القائم         179,249 مليون جنيه،

نسبة التمويل الممنوح عبر فروع المصارف والبنوك العاملة       73%، نسبة التمويل الممنوح عبر فروع شركات ومؤسسات التمويل الأصغر العاملة  27%، نسبة التمويل الأصغر من جملة التمويل الممنوح    77%

، نسبة التمويل الصغير من جملة التمويل الممنوح  23%

، نسبة تمويل الرجال من جملة التمويل الممنوح    82%

، نسبة تمويل النساء من جملة التمويل الممنوح     18%

، نسبة تمويل الأفراد من جملة التمويل الممنوح     56%

،نسبة تمويل المجموعات من جملة التمويل الممنوح        44%

، نسبة تمويل عملاء الريف من جملة التمويل الممنوح     52%

، نسبة تمويل عملاء الحضر من جملة التمويل الممنوح    48%

، نسبة تمويل القطاع الزراعي بشقيه من جملة التمويل الممنوح   59%

، نسبة تمويل القطاع الصناعي والحرفي من جملة التمويل الممنوح       05%

، نسبة تمويل القطاع التجاري من جملة التمويل الممنوح   04%، نسبة تمويل القطاع الخدمي من جملة التمويل الممنوح   26%

، نسبة تمويل القطاعات الأخرى من جملة التمويل الممنوح 06%

، نسبة التمويل بصيغة المرابحة      82%

، نسبة التمويل بصيغة السلم  08% ، نسبة حجم التمويل الممنوح بالضمان الشخصي         53%،

نسبة حجم التمويل الممنوح بضمان المرتب والمعاش       15%،

نسبة حجم التمويل الممنوح بضمان وثيقة تأمين الأصغر   11%، نسبة حجم التمويل الممنوح بضمان المنقولات   08% ، نسبة حجم التمويل الممنوح بضمان المجموعات التضامنية        05%،

نسبة حجم التمويل الممنوح بضمان الرهن الحيازي والضمانات الأخرى  05%،

نسبة حجم التمويل الممنوح بضمان الجهات الاعتبارية     04%، نسبة التعثر         1.58%.

 

أما نسبة توزيع التمويل الأصغر الممنوح حسب الولايات فهي كالآتي:

 

ولاية الخرطوم        29%، ولاية الجزيرة 19%

، ولاية النيل الأبيض 10%

،ولاية القضارف      06%

، الولاية الشمالية      05%، ولاية كسلا    04%

،ولاية سنار   04%

،ولاية النيل الأزرق  04%

،ولاية نهر النيل       04%

، ولاية شمال كردفان 04%

،ولاية البحر الأحمر  03%، ولاية جنوب كردفان 02%، ولاية جنوب دارفور         02%، ولاية شرق دارفور  02%، ولاية شمال دارفور  01%، ولاية غرب كردفان 01%، ولاية غرب دارفور  0%، ولاية وسط دارفور     0% .

 

وبالنظر لمؤشرات أداء قطاع التمويل الأصغر الواردة في تقرير وحدة التمويل الأصغر عن العام 2022، ومقارنتها بما وصل به الحال بعد مرور أحد عشر شهراً من الاقتتال، يمكننا التوصل لآثار الحرب على أداء قطاع التمويل الأصغر بمستوياته الثلاثة.

فعلى المستوى الكلي نجد أن أبرز الآثار تتمثل في:

– زيادة المخاطر، متمثلة في عدم الاستقرار السياسي والأمني والذي أدى بدوره لتدهور الأوضاع الاقتصادية (تقدر الخسائر الاقتصادية بحوالي 108.8 مليار دولار) وانخفاض قيمة العملة حيث تجاوز  1,400 جنيه في السوق الموازي. وارتفعت معدلات التضخم (بلغ معدل التضخم 83.6% في يناير 2024).

– انخفاض الإستثمارات، نسبة لقلة توفر التمويل وتردد المؤسسات المالية في تقديم القروض، الأمر الذي أدى لخروج العديد من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من السوق  (فمثلاً إنخفض الناتج المحلي الإجمالي لنظام الأغذية بنسبة 22% وقدرت خسائر القطاع الزراعي بحوالي 2.2 مليار دولار).

– تغير السياسات، ومن أبرزها ما جاء في السياسة التمويلية للعام 2024 الصادرة من بنك السودان المركزي والتي ذهبت لحظر التمويل لجهات وأنشطة بعينها ووجهت بإعادة توجيه الموارد نحو قطاعات بعينها وفرضت ضوابط جديدة على تحويل الأموال وشجعت إجراء عمليات الدمج والاستحواذ.

أما على المستوى الوسيط (مقدمو خدمات التمويل الأصغر) نجد أنه من أخطر الآثار على المصارف والبنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية من شركات التأمين والتحويلات المالية ومقدمي خدمات التمويل الأصغر،

 

وعلى المستوى الجزئي (المستفيدون من خدمات التمويل الأصغر وأصحاب المشروعات الصغرى والصغيرة والمتوسطة) فقد كان تأثرهم بالحرب كبيراً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية من حيث    انخفاض القدرة على الوصول إلى خدمات التمويل الأصغر المالية، مما أدى لصعوبة الحصول على القروض وارتفاع تكلفتها مع انعدام توفر الخدمات غير المالية (يقدر عدد العملاء المحتملين للحصول على خدمات التمويل الأصغر بأكثر من 10 مليون عميل محتمل).

وزيادة المخاطر على المقترضين جراء صعوبة سداد القروض نتيجة توقف النشاط  وانعدام الدخل أو تدني الأسعار وضعف القوة الشرائية حتى في المناطق الآمنة.

اضافة إلى فقدان الأصول والمدخرات بالسرقة والحريق والتعرض للاحتيال أو حتى بيعها بأقل من قيمتها لمقابلة تكلفة التنقل والمعيشة.

 

بعد كل الدمار الذي لحق بقطاع التمويل الأصغر هل للقطاع القدرة على المساهمة في إعادة إعمار السودان؟

 

_على الرغم من عظم وضخامة الدمار الذي ألحقته الحرب بالبلاد وانعكاساتها السالبة على حياة المواطنين اقتصاديا واجتماعيا، إلا أن هنالك رؤية جديدة لمساهمة التمويل الأصغر في إعادة إعمار السودان حيث

يعد التمويل الأصغر أحد أهم القطاعات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو القوة الدافعة وراء النمو الاقتصادي القومي بجانب أنه آلية للكشف عن الفرص الاستثمارية وتوطين التجارب الناجحة وإيجاد الصيغ المناسبة لتشبيك المشروعات.

فيما يعمل التمويل الأصغر على تخفيف العبء عن الحكومات والجهات المعنية بتوسيع فرص التوظيف وفتح مجالات العمل حيث يشمل التمويل الأصغر كافه أنشطة الاقتصاد الرئيسية من أنشطة تجارية وصناعية وخدمية وزراعية. كما يحقق التمويل الأصغر الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة إعتماداً على القوى البشرية الماهرة والحرفية.

لذا فان  للتمويل الأصغر أثرا اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا في إعادة الإعمار من خلال

المساهمة في زيادة دخل الأسرة وتمكين الأفراد من المساهمة في نفقات الأسرة

مع     زيادة القدرة على شراء الأصول المعمرة

اما     الأثر الاجتماعي فيتمثل في

–       القدرة الكبيرة على خلق فرص عمل جديدة

–       مساعدة الأسرة على تحسين جودة التعليم لأبنائهم

–       المساهمة في تحسين الصحة  والقدرة على توفير العلاج

–       المساهمة في توفير المأوى وتحسين السكن

–       تمكين أفراد المجتمع من المشاركة الاجتماعية خاصة المرأة

–       تمكين المواطنين من المشاركة السياسية واتخاذ القرار

ويشمل الأثر البيئي تعزيز القدرة في الحفاظ على الموارد الطبيعية وإصحاح البيئة وخلق قيمة مضافة للنفايات

وتعزيز القدرة على الوصول لمصادر مياه الشرب النظيفة (شبكات المياه، الدوانكي)

بجانب المساهمة في استخدام الطاقة النظيفة (غاز الطهي وشبكات الكهرباء والطاقة الشمسية).

 

ماهي التحديات التي تواجه قطاع التمويل الأصغر في مرحلة ما بعد الحرب؟

 

يعتبر  الافتقار إلى البنية التحتية نتيجة لتدمير الحرب للطرق والمواصلات والكهرباء والاتصالات أهم التحديات التي تواجه قطاع التمويل الأصغر  بجانب      الافتقار للموارد المالية لمحافظ التمويل جراء نهب وحرق البنوك والمصارف ونزوح العملاء المودعين أو لجوءهم لخارج البلاد.

والافتقار إلى الكوادر المدربة في مجال التمويل الأصغر جراء هجرتهم لخارج البلاد بحثا عن فرص عمل بديلة.

وسط   ارتفاع تكلفة الحصول على التمويل ومعدلات هوامش الأرباح مما يجعل القروض عالية التكلفة على المقترضين.

والافتقار إلى الضمانات جراء نهب وفقدان الأصول والمقتنيات الثمينة، مما يجعل من الصعب على المقترضين الحصول على قروض.

 

اذاً ماهي  متطلبات مساهمة التمويل الأصغر في إعادة إعمار السودان؟

 

أولاً في محور السياسات يجب وقف الحرب والوصول إلى اتفاق سلام شامل لضمان استقطاب الدعم الدولي لإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة.

وتحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية من المانحين والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية.

مع وضع استراتيجية وطنية للتمويل الأصغر،

تحديد أهداف ومهام القطاع لمرحلة ما بعد الحرب تتضمن:

_       تنسيق جهود جميع الجهات الفاعلة لتطوير البنية التحتية للتمويل الأصغر لضمان تحسين الوصول إلى الخدمات المالية في جميع أنحاء السودان.

_دعم الحكومة لقطاع التمويل الأصغر من خلال تقديم الدعم المالي لمؤسسات التمويل الأصغر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنح الحوافز الضريبية والقروض المدعومة خاصة للقطاعين الزراعي والصناعي.

_خفض الضرائب على مؤسسات وشركات التمويل الأصغر العاملة وربط ذلك بالانتشار الجغرافي في الريف.

_       تعاون المؤسسات المالية العاملة في مجال التمويل الأصغر مع المنظمات غير الحكومية لتقديم خدمات التمويل الأصغر للشرائح الفقيرة والمهمشة.

وفي محور الخدمات نجد أنه

من الضرورة بمكان توفير خدمات التمويل الأصغر للشرائح الفقيرة والمهمشة خاصة في المناطق الريفية، بما في ذلك النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة وذلك لضمان استفادة جميع أنحاء السودان من خدمات التمويل الأصغر على أن تشمل الخدمات ما يلي:

_       تمويل إعادة تأهيل البنية التحتية بتقديم القروض للمشاريع التي تهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة من الحرب.

_تمويل إعادة تأهيل المنازل بتيسير تقديم القروض لأصحاب المنازل المدمرة لإعادة بنائها أو إصلاحها.

_       تمويل الأنشطة الاقتصادية وتقديم القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة للبدء في الأنشطة الاقتصادية ودعم نموها وتوسعها.

_       دعم المشاريع الاجتماعية بتمويل مشاريع الاستثمار الاجتماعي التي تهدف إلى تحسين الخدمات التعليمية والصحية.

وفي محور المنتجات يجب   تطوير منتجات مالية جديدة تلبي احتياجات مختلف الفئات المستهدفة بما في ذلك  القروض الإنتاجية والقروض التعليمية والقروض الإستهلاكية وقروض الإسكان.

مع     تقديم منتجات مالية بصيغ تمويلية تلبي احتياجات عملاء التمويل الأصغر في مرحلة ما بعد الحرب.

وتصميم منتجات تدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر والاستجابة لتحديات ومخاطر التغيرات المناخية وبخاصة نظم الزراعة الذكية ونظم الطاقة النظيفة للقطاعات الإنتاجية والسكنية ومشروعات إصحاح البيئة وتدوير النفايات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى