حين سقطت الفاشر .. سقط صمت العالم

د. عبدالله المحجوب أحمد
سقطت الفاشر بعد صمود أسطوري سطره أهلها بدمائهم وصبرهم وتضحياتهم بعد أن حوصرت حتى اختنق فيها الأمل وجاع فيها الأطفال والنساء والمرضى في مشهد لا يليق بإنسانية هذا العصر لم تسقط الفاشر لان رجالها ونساؤها خذلوا الوطن بل لأنهم تركوا وحدهم في مواجهة آلة حرب عمياء وسط صمت دولي فاضح كشف زيف الشعارات وادعاءات الضمير الإنساني
ما يجري هناك ليس معركة بين جيش ومليشيا فحسب بل امتحان لقيم العالم ولضمير البشرية الذي بدا عاجزا عن أن يقول كلمة حق في وجه هذا الباطل الصارخ أي ضمير هذا الذي يصمت أمام مشهد الجوع والدمار والقتل والترويع وأي إنسانية تلك التي تغض طرفها عن مدينة تباد على مرأى الكاميرات وتحت سمع المؤسسات الدولية التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان
إن المأساة في الفاشر لم تعد حدثا محليا بل جريمة في حق الإنسانية وسقوط أخلاقي مدو للعالم باسرة وما يضاعف الأسى أن كثيرا من القوى التي يفترض أن تكون سندا لوطنها ما تزال غارقة في حساباتها الصغيرة وصراعاتها الباردة بينما ينهار جسد الوطن المنهك أمامها
وفي هذه اللحظة الفارغة ليس من الحكمة توجيه الانتقاد إلى الجيش السوداني وهو يخوض معركة بقاء الدولة في ظروف بالغة التعقيد الجيش يقاتل على جبهات متعددة في ظل غياب المعلومات الدقيقة وتضارب الروايات والمفترض أن يكون الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة حاضرا لتوضيح الحقائق ورفع مستوى الوعي الوطني لان الحرب اليوم ليست بالبندقية وحدها بل ايضاً بحرب المعلومات والمعنويات
أما القوى السياسية والإدارات الأهلية والنخب بمختلف أطيافها فإنها مدعوة إلى وقفة ضمير حقيقية مايجرى في السودان اليوم مخز ومعيب ومؤلم إلى حد الفجيعة ولن يجد أحد وطنا يأويه إذا ضاع السودان التاريخ سيكتب أنكم أنتم الذين تعرفون بالحكمة وحل الأزمات وقفتم متفرجين على بلدكم وهو ينهار لقد آن الأوان لتعلو المصلحة الوطنية فوق كل الحسابات فالوطن لا يحتمل مزيدا من التجريب أو المزايدات
إن المطلوب من الجميع اليوم بمن فيهم أصحاب الخبرة والعلاقات الدولية والنفوذ الإقليمي أن يتحركوا بصدق وشجاعة لإيقاف الدعم عن المليشيا وفضح مصادر تسليحها وتمويلها لا أن يكتفوا بالتنديد اللفظي أو البيانات الباردة إن ما نحتاجه اليوم ليس مزيداً من الكلام بل مواقف حقيقية تصنع الفارق وتحمي ما تبقى من السودان
ف سقوط الفاشر ليس نهاية مدينة بل سقوط ضمير عالمي تواطأ بالصمت وتقصير داخلي مازال يجد المبررات بدل ان يتحمل المسؤولية لكن رغم كل ذلك يبقى الأمل في هذا الشعب الذي علم العالم معنى الصبر وسيعلمه مرة أخرى معنى النهوض من تحت الركام
سقطت الفاشر لكن السودان لن يسقط
لأن السودان خلق من صبر أهله ومن إيمانهم بأن فجر الوطن سيطلع مهما طال ليل الخذلان



