حكومة تأسيس.. دولة تُبنى على أكتاف الضحايا

الكاريكاتير الذي تصدّر المشهد مؤخرًا لا يمكن اعتباره مجرد فن ساخر، بل هو بيان سياسي مكتمل الأركان. في الصورة، رجل ضخم يرتدي بدلة رسمية أنيقة، تحمل بطاقة تعريفية باسم “حكومة تأسيس”. لكن المفاجأة تأتي من داخل هذه البدلة: امرأة سودانية بزيها الأحمر، مُختطفة، معلّقة من عنقها، محصورة بين ثنيات القماش كما لو أنها جثة بلا حول ولا قوة.

هذه الصورة ليست خيالًا عابرًا، بل تجسيد دقيق لواقع مرير. فالمرأة في الكاريكاتير ليست فردًا عاديًا؛ إنها رمز للشعب السوداني بأسره، وبالأخص النساء اللواتي كنّ في صميم معاناة دارفور، حيث ارتكبت مليشيا الجنجويد/الدعم السريع أبشع الانتهاكات: اختطاف، اغتصاب، تعليق على الأشجار، وإذلال ممنهج.

واجهة أنيقة.. وجريمة خلف الستار

 

البدلة الأنيقة في الكاريكاتير تمثل الشكل الخارجي لما يسمى “حكومة التأسيس”. حكومة تُقدَّم للعالم بوصفها خطوة نحو بناء الدولة، بينما هي في الحقيقة مجرد واجهة سياسية تُدار من ذات المليشيا التي تلوثت أياديها بالدماء. ما يظهر كـ”تأسيس” ليس سوى تزيين للجريمة، وإضفاء شرعية على سلطة وُلدت من رحم العنف.

الثوب الأحمر للمرأة ليس تفصيلًا فنّيًا، بل رسالة رمزية واضحة: هو دم الضحايا، وهو جراح النساء اللواتي حوّلهن الجنجويد إلى أدوات إذلال جماعي. فكلما حاولت هذه السلطة ارتداء قناع السياسة، تسرب الدم من تحت القناع ليكشف حقيقتها.

المرأة السودانية.. من الضحية إلى الرمز

 

أن تكون المرأة هي المحشورة في صدر البدلة، فهذا ليس محض صدفة. فالمرأة السودانية في دارفور كانت أول من دفع الثمن: اختُطفت من قريتها، هُجّرت، عُلّقت على الأشجار في مشاهد تعيد إلى الأذهان عصور العبودية. وفي الكاريكاتير، تتحول هذه المرأة إلى رمز للشعب المختطف، المحاصر داخل سلطة لا تعترف بإنسانيته.

إنها ليست فقط مأساة فردية، بل مأساة وطن، حيث يغدو الجسد الأنثوي مسرحًا للصراع السياسي، وأداة لبث الرعب، ورسالة للقوى المحلية والدولية: “نحن نملك السيطرة المطلقة”.

التأسيس على الدماء.. هل هو بناء؟

 

يُحاول المشروع السياسي المسمى “حكومة تأسيس” أن يُسوّق نفسه كخيار لبداية جديدة. لكن أي تأسيس هذا الذي يقوم على العنف الممنهج؟ أي دولة يمكن أن تُبنى على دماء الأبرياء؟

الرسالة التي يوجهها الكاريكاتير ببلاغة بصرية: لا تأسيس بلا عدالة، ولا شرعية لمن يستمد سلطته من فوهة البندقية. فالحكومات التي تُبنى على جثث النساء والأطفال لا تُؤسّس وطنًا، بل تُكرّس لجريمة مستمرة.

الرسالة للعالم

 

الكاريكاتير لا يخاطب الداخل السوداني فقط، بل يرسل رسالة إلى الخارج أيضًا. إنه يفضح محاولات التلميع السياسي التي تُمارَس في العواصم الإقليمية والدولية، لتقديم “حكومة التأسيس” كجزء من الحل. الرسالة واضحة: لا تنخدعوا بالبدلة الأنيقة، فداخلها جريمة معلّقة، وامرأة مختطفة، وشعب يُسحق يوميًا.

الفن كسلاح مقاومة

 

بهذه اللوحة، يتحول الفن إلى شكل من أشكال المقاومة. الرسام لم يحتج إلى خطاب مطوّل أو تقرير حقوقي؛ بضربة فرشاة واحدة، قدّم مشهدًا يختصر كل شيء: حكومة تأسيسية ترتدي بدلة رسمية، لكنها تحمل في صدرها ضحاياها المعلّقين.

هذا النوع من الكاريكاتير لا يهدف إلى الإضحاك، بل إلى كشف القناع وإثارة الأسئلة. إنه بمثابة محاكمة بصرية لنظام يسعى لإخفاء جرائمه تحت غطاء الدولة.

الخلاصة

 

“حكومة التأسيس” التي تُقدَّم اليوم ليست إلا حكومة مليشياوية بواجهة مدنية. الكاريكاتير يقولها بصراحة: لا تأسيس على الدماء. المرأة المعلقة داخل البدلة ليست مجرد ضحية، بل رمز لوطن مخطوف، ولسودان يرفض أن يتحول إلى مشروع يترسه الجنجويد بوجه رسمي.

إنها صرخة بصرية تلخص معركة السودانيين: معركة من أجل الكرامة، العدالة، والحرية، في مواجهة سلطة تريد أن تبني مستقبلها على أشلاء الحاضر

حكومة تأسيس.. غطاء أنيق لجريمة بشعة

الكاريكاتير الذي نراه ليس مجرد لوحة ساخرة، بل شهادة بصرية دامغة على طبيعة ما يسمى بـ”حكومة التأسيس”. في قلب البدلة الرسمية الأنيقة، يظهر جسد امرأة سودانية مُختطفة ومُهانة، مُعلّقة كما اعتادت مليشيا الجنجويد أن تفعل في دارفور.

الرسام يقدّم رسالته بوضوح: هذه الحكومة ليست مؤسسة سياسية شرعية، بل واجهة تُدار من قبل المليشيا ذاتها التي زرعت الرعب والقتل. الثوب الأحمر ليس لونًا عابرًا؛ إنه دم الضحايا الذين سُحقت كرامتهم، فيما يقدَّم المشروع للعالم على أنه “تأسيس دولة”.

بهذا التصوير القاسي، يختصر الكاريكاتير معادلة الواقع: لا يمكن تأسيس دولة على جثث النساء والأطفال، ولا على حبال المشانق التي تُعلّق عليها كرامة المجتمع. “حكومة التأسيس” ليست سوى وجه رسمي يُخفي خلفه عنفًا ممنهجًا، ويحوّل الضحية إلى جزء من ديكور السلطة.

إنها صرخة تقول إن أي حكومة تُبنى على انتهاكات الجنجويد لن تكون تأسيسًا لمستقبل، بل تكريسًا لجريمة

Exit mobile version