حكومة الدعم السريع.. جدل القيام وملامح الانقسام

تقرير – علوية مختار
للمرة الثالثة، قامت قوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة متحالفة مع مليشيات الدعم السريع بتأجيل التوقيع على الميثاق السياسي الخاص بتشكيل الحكومة الموازية، والذي كان من المقرر أن يتم توقيعه الجمعة في العاصمة الكينية نيروبي.
وأكدت مصادر مطلعة لـ(السوداني) أن الحكومة الكينية تواجه ضغوطًا دولية وإقليمية للعدول عن هذه الخطوة ومحاصرة إعلان الحكومة الموازية على أراضيها.
وعلى المستوى الداخلي، تلقّت الخطوة الكينية انتقادات شديدة من كُتّاب ومسؤولين كينيين، حيث اعتبرها البعض بمثابة “اللعب بالنار”، مؤكدين أن كينيا تتحمّل كامل تبعاتها.
وكانت الفعالية المقررة لتوقيع الميثاق التأسيسي للحكومة الموازية تحولت الثلاثاء الفائت بنيروبي إلى احتفالية للإعلان عن تحالف “السودان التأسيسي” بمشاركة رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، وقيادات من الجبهة الثورية، بجانب رئيس الحركة الشعبية شمال، عبد العزيز آدم الحلو، إضافةً لقائد ثاني قوات الدّعم السريع، عبد الرحيم دقلو، بجانب عدد من القوى المدنية والسياسية والإدارات الأهلية.
ووُجهت الخطوة بانتقادات محلية ودولية طالت الحكومة الكينية التي استضافت الحدث على أراضيها.
وسارعت الحكومة في بورتسودان باستدعاء سفيرها في نيروبي للتشاور حول الخطوة المقبلة.
بينما أكدت مصادر لـ(السوداني)، اتجاه الحكومة السودانية لقطع علاقاتها مع كينيا، بجانب التحرك دبلوماسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي لمحاصرة الموقف الكيني والذي وصفته بالموقف العدائي تجاه استقرار السودان.
وزير الداخلية ينتقد
من جانبه، استنكر وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين، موقف الحكومة الكينية باستضافة عناصر المليشيا المتمردة والمتحالفين معها للإضرار بأمن واستقرار السودان، وأكد أن الخطوة تمس بوحدة البلاد. وذكر أن نيروبي بهذه الخطوة لا تحترم العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، بجانب مخالفتها لمبادئ الاتحاد الأفريقي ومواثيق الأمم المتحدة.
نيروبي تبرر
الحكومة الكينية دافعت عن موقفها في استضافتها للقوى السودانية المزمعة على تشكيل حكومة موازية. وأكدت في بيان صادر عن رئيس الوزراء أنّ الخطوة تمت دون أية دوافع خفية، وإنما لقناعتها لعدم وجود حل للأزمة السودانية. وأشارت لضرورة منح الأولوية لتحقيق تَوازن دقيق بين الاهداف الامنية والعودة إلى الحكم المدني في السودان لتحقيق الديمقراطية والازدهار لشعبه، ورأت أن طرح مليشيات الدعم السريع والقوى المدنية لخارطة طريق وقيادة مقترحة يتوافق مع دور كينيا في مفاوضات السلام التي تلزمها بتوفير منصات غير حزبية لأطراف الصراع للسعي إلى الحلول.
الأمم المتحدة تحذر
ومن جانبها، حذّرت الأمم المتحدة من إعلان حكومة موازية في السودان، ورأت أنّ الخطوة بمثابة مهدد بـ”مفاقمة الأزمة” المستمرة في البلاد.
وأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان له، عن قلقه من الإعلان المقرر لتشكيل مليشيات الدعم السريع حكومة موازية، وأكد أن ذلك من شأنه زيادة “انقسام” السودان و”تفاقم الأزمة”.
احتجاجاتٌ محليةٌ
وسارعت قوى سياسية وتجمعات مدنية للتنديد بالحكومة المرتقبه واعتبارها محاولة لتفتيت البلاد، ووجهت بعضها اتهامات بالخيانة للواقفين خلف الحكومة الموازية.
بينما نفض حزب الأمة القومي يده عن تورط رئيسه فضل الله برمه. وأكدت مصادر داخل حزب الأمة لـ(السوداني) فشل كافة المحاولات لإثناء برمة عن الانخراط في أمر الحكومة الموازية، وذكرت أن هناك تحركات بإقالته.
حكومة داخلية
وعملياً، أنهى المتحالفون بشأن الحكومة المرتقبة التصورات بشأن دستور وهياكل الحكم التي أكدوا أنها ستعلن من داخل السودان.
وكان القيادي السابق بالحزب الاتحادي الأصل إبراهيم أحمد الميرغني، أكد في كلمة له توافق مكونات التحالف التأسيسي على تشكيل ما أسماه بحكومة السلام، وأشار إلى أنّ إعلانها سيكون من داخل البلاد.
ووفقاً لمصادر، فإنّ الحكومة المرتقبة تشابه في تشكيلها الحكومة الحالية في السودان من مجلس سيادة ورئيس وزراء وستمثل بعشرين وزيرا وفترة انتقالية، بجانب تكوين جيش موحد.
زوبعة في فنجان
ويستبعد الكاتب الصحفي د. محمد جلال هاشم أن تفضي الحكومة المزمعة لتقسيم البلاد التي قال إنها تمثل امان للقائمين عليها، وقال في تسجيل صوتي بمواقع التواصل الاجتماعي إنّ ما تم في نيروبي بمثابة زوبعة في فنجان. وقال انها لن تكون لها أثرٌ بالنظر لفوضى الدعم السريع وفشلهم في اقامة دولة نظامية، ودلل بالمآسي التي ارتكبوها في المناطق التي حررها الجيش من قبضتهم، ووصف ما تم بنيروبي بالندوة السياسية وتجمع سياسيين، وشدد على أن الخطوة بمثابة ورقة أخيرة لدى دولة الإمارات قبل اتجاهها لمحاصرة البلاد اقتصادياً وعبر المسيرات وخلق الفوضى عبر مليشيات الدعم السريع لأطول فترة ممكنة لابتزاز الدولة.
أسئلة مشروعة
تم طرح عدة أسئلة بشأن المغزى من تشكيل الحكومة وطريقة عملها. هل المطلوب منها أن تعمل من داخل البلاد، أم أنها ستكون مجرد واجهة للحصول على اعتراف أي دولة تمكن لمليشيات الدعم السريع من خلالها الحصول على مقاتلات ومنظومات دفاع جوي متقدمة، ما قد يدخل الحرب في مرحلة مفتوحة من التدخل الدولي.
ويرى الخبير العسكري علي ميرغني أن سماح كينيا بعقد فعالية التوقيع على ميثاق الحكومة يعد بمثابة اعتراف بها قبل تشكيلها. ورجّح أن تنضم لها تشاد بالنظر إلى اصطفافها خلف الدعم السريع، كما رجّح أن انضمام رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو لمجموعة الميثاق تم بتوجيه من جوبا، التي توقع أن تعترف بالحكومة المزمع تشكيلها في ضوء الصفقة التي أبرمتها مؤخراً مع الإمارات بشأن بترول الجنوب.
وقال ميرغني في حديثه لصحيفة (السوداني): “من المؤكد أن إعلان حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع وحصولها على اعتراف من أي دولة من شأنه أن يحدث تحولاً كبيراً في ميزان القوى، مما يتيح للدعم السريع الحصول على طائرات عسكرية ومنظومات دفاع جوي متقدمة بمديات أطول”.
وشدد على ضرورة أن تتخذ الحكومة السودانية رداً أقوى عبر حملات دبلوماسية على المستويين الأفريقي والعربي والدولي لمحاصرة هذه الخطوة، إلى جانب تثبيت موقف الدول التي شاركت في هذا المؤتمر وسهّلت له.
وأشار إلى ضرورة أن تتخذ الدولة تدابير استباقية على المستوى الحربي، وأضاف: “أعتقد أن القيادة العسكرية قد قرأت المؤتمر بعناية وأدركت جميع السيناريوهات المتوقعة، وشرعت في التحسب لها”.
تطورٌ خطير
وصف المحلل السياسي وائل محجوب ما يجري في نيروبي بالتطور الخطير، وتوقع أن تكون له تداعيات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي. وأشار إلى أنه يشبه التجربة الليبية، وأن تجاوزها خطر.
وقال محجوب في حديثه لـ(السوداني): “ما يزعج هو أن هذا المشروع استطاع أن يستقطب قائدًا بحجم عبد العزيز آدم الحلو، الذي طوال فترة الحرب لم يكن طرفًا فيها، بل نأى بنفسه وقواته عن المشاركة مع أي طرف من طرفيها، وهو يسيطر على مناطق في جنوب كردفان، ما يعني أنه سيزيد من ثقل المشاركين في الحكومة المزمعة، وسيساعد في تمهيد الطريق أمام الاعترافات الخارجية بها على المستويين الإقليمي والدولي، وستجد تأييدًا من بعض دول الجوار خصوصًا التي ترتبط بحدود مباشرة مع المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات”.
وأضاف محجوب: “في حال مضت الحكومة المزمعة في مهامها المعلنة بإعداد أوراق ثبوتية، وتوفير عملة محلية، وفتح مصارف، وما شابه من قضايا سيادة الدولة السودانية، فسنكون أمام حالة من التصدع الداخلي”.
وأشار إلى أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في مسارح العمليات المختلفة، لا سيما أن حركة الحلو قد لا تكتفي بالمناطق التي تسيطر عليها، بل ستسعى للسيطرة على كامل ولاية جنوب كردفان. وتوقع ان يشتد القتال للسيطرة على الفاشر.
تعقيدات المشهد
مع تزايد المشهد المعقد في السودان، تظل الخيارات السياسية والعسكرية مطروحة، في ظل استمرار تدخلات القوى الخارجية التي تحاول التأثير على مخرجات الأزمة السودانية. فما يحدث في نيروبي قد لا يكون سوى بداية لمزيد من التحولات، سواء في شكل التوازنات السياسية أو تأثيرات الصراع على الأرض، مما يعني أن السودان قد يكون على عتبة مرحلة جديدة في مسار النزاع الداخلي.
نقلا عن “السوداني”