حرب السودان في إطار حروب تفكيك دول الشرق الأوسط

د. صديق أمبده

1- مقدمة
ما استرعي انتباهي من بعد قيام منبر جدة بقليل، شيئان ، الأول هو أن منبر جدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لم يشمل مصر والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان يعتقد أنهما الأكثر تأثيرا من غيرهما علي طرفي الحرب في السودان. ثم البطء الذي لازم تحركه، مما يشي بترك الامور لطرفي الحرب دون ضغوط عليهما- مع إمكانية ذلك. والشيئ الثاني، هوعدم استجابة المجتمع الدولي (تقرأ الدول الغربية) في الوقت المناسب، للكارثة الانسانية التي ألمَت بملايين السودانيين، وإهمال ما يمكن أن تؤدي اليه الحرب من مهددات تمزق السودان كدولة.
وبعد عشرة أشهر من بدء الحرب، أكدت هذه الملاحظة الاستاذة إيمان بلدو في مقال لها حول مؤتمر الأمن العالمي الذي انعقد في ميونخ في فبراير2024 ، إذ قالت أن أكثر من متحدث أشار الي وصف ما يجري في السودان ب”النزاع المنسي” والإعتراف بتجاهل المجتمع الدولي للمأساة الإنسانية في السودان الناتجة عن استمرار الحرب لعشرة أشهر (إيمان بلدو-سودانايل 19/2/2024). كما اشارت صحيفة “القارديان” البريطانية في تغطيتها للمؤتمر أن مندوبة اليونسيف في نفس المؤتمر قد ذكرت أن أزمة السودان، “أزمة حاضرة تم تجاهلها بالكامل”. وأضافت أنه “لا يمكن لمجلس الامن الدولي الاستمرار في غض الطرف”. والجدير بالذكر أن الاستجابة للكارثة الانسانية قد بلغت فقط 4% من الاحتياجات مع عجز يقدر ب 2.6 مليار دولار (ٍسودانايل 23/2/2024).
وأخيرا كتبت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ليندا توماس قرينفيلد، في صحيفة النيويورك تايمز(18/3/2024) مقالا بعنوان “الصمت الذي لايمكن قبوله/العفو عنه حول السودان” ، تقول فيه (كنت لما يقرب من العام ادفع مجلس الامن ليقول شيئا عن حرب السودان ولم يتحرك الا في 8 مارس الحالي ليطالب بوقف فوري لاطلاق النار)، وعلينا أن نصدق ذلك!! وتضيف إن صمت العالم وعدم اتخاذه أي قرار يجب أن ينتهي وينتهي الان. كما تقول أن الجهات المؤثرة مثل الاتحاد الافريقي وقادة دول القرن الافريقي ودول الخليج يجب أن يدفعوا طرفي الحرب نحو الجلوس للتفاوض وانهاء الصراع، وستساعد إدارة الرئيس بايدن الجهود الدبلوماسية في هذا الاتجاه. وتنهي المقال بجملة مؤثرة (لوقالها غير ممثل أمريكا في مجلس الأمن)، “لقد سمع السودانيون صمتنا رغم ازيز الرصاص ودوي المدافع وانفجارات القنابل، ويتساءلون لماذا ينساهم/يهملهم العالم وهم في هذه الاوضاع المأساوية”. تمخض الجبل فولد فأرا، وعلي الذين ما زالوا يأملون في تدخل دولي يخرج السودان من محنته أن يصحوا علي حقائق العالم الجديد، لأن الولايات المتحدة الامريكية سوف لن تتدخل، و‘فوق راي‘، كما سنري فيما بعد.
إن سبب كتابة هذا المقال حقيقة هوعثوري علي مقالات (انظر الهوامش) تشير إلي أن المخابرات أو قل الحكومة الامريكية تحت إدارة كارتر، هي من أشعل شرارة الثورة الأيرانية عام 1979 التي أطاحت بشاه إيران ، حليف امريكا الاول في المنطقة، وذلك هو ما أثار دهشتي وشجعني علي البحث قليلا في الأمر. فتبين لي، بعد البحث، الكثيرمما كنت أجهله أو ما غاب عني. وتذكرت علي الفور قول الراوي في “موسم الهجرة” (عدت الي أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، كنت خلالها أتعلم في اوروبا. تعلمت الكثير وغاب عني الكثير”. وأدركت أنني أيضا قد غاب عني الكثير.
نعود إلى موضوع المقال، وهو الحرب التي تدور رحاها في السودان الان، وعلاقتها بحروب المنطقة العربية وسياسة امريكا تجاه الشرق الاوسط منذ زمن. ويجب أن أشير هنا الى أن أغلب ما يرد في هذا المقال هو تجميع لمعلومات موثقة وتحليلات صدرت من مختصين في المجال مع إضافات ربما غير جوهرية من جانبي. وقد رأيت أن تلخيص ما توصلت اليه قد يفيد بعض القراء، كما أفادني، خاصة وأنني لست من أهل التخصص في مجال العلوم السياسية، ويزيل الغفلة السياسية عند الكثيرين من الذين يملأون الدنيا ضجيجا وطنينا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة.
سأبدأ ببعض ما ورد حول السياسة الخارجية الامريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط خاصة الدول العربية، ومصادرها وخطط تنفيذها، ثم خطط تقسيم وتفتيت دول العالم العربي، والحروب المخطط لها لتسهم في ذلك التقسيم.
سياسة “قوس الازمة”
تولي الرئيس جيمي كارترالرئاسة الامريكية بين عامي (1977-1981)، وقام من فوره بتعيين كل من سايروس فانس (1928-2017) وزيرا للخارجية، وزبيقنيو بريجنسكي (1917-2002 ) مستشارا للأمن القومي. وعرفت سياسة بريجنسكي الخارجية بسياسة “قوس الازمة”، و كانت تهدف في مجملها الى شد أطراف الاتحاد السوفيتي، إذ كانت الحرب الباردة على أشدها، وذلك بإثارة الاضطرابات في الدول المتاخمة له من الناحية الجنوبية، ومن بينها ايران وأفغانستان. حينها كان يحكم ايران، الشاه محمد رضا بهلوي بدعم قوي من امريكا لا ينافسه فيه الا اسرائيل. والمعلوم أن الشاه كانت قد أعادته المخابرات المركزية الامريكية الي الحكم عام 1953 بانقلاب شهير دبَرته على حكومة محمد مصدًق المنتخبة ديمقراطيا، علي خلفية تأميمها لصناعة النفط في إيران. ويجدر بالذكر أن نشير هنا الى أن الهدف الأول لسياسة امريكا ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هو محاصرة الاتحاد السوفيتي ومنعه من أن يتقدم عليها في أي مجال، وذلك وفقا لمقال نشره محمد حسنين هيكل في “مجلة وجهات نظر” المصرية، في بداية الألفية أو قبلها بقليل لا أذكر.
هناك روايتان حول مصادر فكرة سياسة “قوس الأزمة”. الأولى تقول أن الأساس الذي بنيت عليه هذه السياسة أو مصدرها، هو دراسات تم اعدادها تحت مشروع بحثي بإسم “مشروع الثمانينات” قام بتمويله ، في أول عقد السبعينات من القرن الماضي، مجلس نيويورك للعلاقات الخارجية (وهو مجلس مؤثر وبيت خبرة معتمد لدي وزارة الخارجية الامريكية). ويُعتقد أن الجزء الأساسي من المشروع هو سلسلة دراسات استراتيجية حول الشرق الاوسط وعلاقة امريكا به أو ما يجب أن تكون عليه. وكان من بين مستشاري ذلك المشروع سايروس فانس وزبقنيو بريجينسكي نفسيهما. وقد اعتمدت سياستهما الخارجية علي تلك الدراسات وفق ما جاء في (برُودا – 1992) (1) -اسبوعية “لاروش -الملخص التنفيذي الاستخباراتي – اكتوبر 1992”. (2)
أما الرواية الثانية فتقول ، إن سياسة “قوس الازمة” قد بنيت، في الأساس، علي خطة بيرنارد لويس (3) التي ظهرت عام (1970) (للاسف لم اتمكن من العثور عليها للاستيثاق). والخطة تتلخص فكرتها الرئيسية في كيفية تفتيت دول الشرق الاوسط ودول آسيا حتى الهند، على أسس دينية وإثنية ولغوية وطائفية إلخ، وربما هي التي قام عليها مشروع الثمانينات البحثي المذكور نفسه. ومن المشروع استُلت سياسة “قوس الأزمة ” التي استهدت بها السياسة الخارجية للولايات المتحدة تحت ادارة كارتر والرؤساء من بعده فيما يختص بالشرق الأوسط، وإن اختلفت المسميات. وهي نفس الخطة التي بنيت عليها سياسة هنري كيسنجر، وزير خارجية نكسون (1973-1977) التي أدًت الى إشعال الحرب الاهلية في لبنان 1975-1990 (حرب كل الطوائف ضد بعضها البعض) ، والتي مدًت امريكا خلالها كل الأطراف بالسلاح ، مما أدى الى تمزيق لبنان إلى كيانات تسيطر عليها كل من اسرائيل وسوريا وحزب الله، مما أصبح يعرف لاحقا بـ(اللّبننة). وجاءت بعدها “سياسة الفوضي الخلاَقة” التي كثر الحديث عنها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان.
سياسة الفوضى الخلاًقة
ربما بدأت هذه السياسة بخظاب جورج بوش الأب بتأريخ 29/1/1991 والذي يقول فيه ” إن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من بين كل دول العالم هي التي تملك من المستوي الأخلاقي ومن الإمكانيات ما يكفي لخلق نظام عالمي جديد”. (عبدولي 2013 ) (4) . لاحظ ، كان ذلك بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي مباشرة. وكان ذلك يعني عمليا أن دور امريكا الجديد هو زعامة العالم وتحديد توازنات القوى وحفظ الأمن فيه. مما يعني أن النظام العالمي الجديد سوف يتمحور حول “المصالح الامريكية”، وأن كل من يقف في طريق تحقيقها سيحارب بكل الطرق الممكنة. بعد ذلك بمدة تقول كوندوليزا رايس- وزيرة خارجية بوش الابن (2005-2009) “إن طبيعة المصالح الامريكية تقتضي تحريك الركود الذي يسود المنطقة العربية…..وأن امريكا أخطأت على مدى ستين عاما بالحفاظ على الاستقرار في تلك المنطقة.” (عبدولي-2013)
وكما يبدو فإن مفهوم سياسة “الفوضى الخلاًقة” قد بدأ يترسخ من هنا ويأخد شكله (بتحريك الركود)، أي خلخلة الإستقرار العالمي لتحقيق المصالح الامريكية. و من الواضح أنها خرجت من نفس معطف لويس وخطته لتفتيت دول الشرق الأوسط ،مثلها مثل سياسة “قوس الأزمة”. وهي في مجملها، مثل سابقتها، تهدف الي خلخلة النسيج الاجتماعي وإرباكه حتي تعم الفوضي،أو يتسبب ذلك في إثارة الفتن الداخلية ، طائفية ، إثنية ، دينية، جهوية ، قبلية الخ بين شعوب الوطن الواحد، مما قد يؤدي الي تقسيمه أويتيح الفرصة للتدخلات الأجنبية لتقوم بذلك (أنظر الى لبنان ، العراق). وتشمل كذلك استغلال النزاعات الحدودية بين الدول وتأجيج الصراع حولها. ومثال ذلك الصراع بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو، أو حتي داخل الدولة الواحدة كتشجيع انفصال جنوب السودان. وبالطبع في كل الحالات لابد من وجود من يساعد على ذلك في الداخل، سواء كان ذلك عن سوء قصد أو عن غفلة وجهل.
ومن أساليبها كذلك استغلال سخط الشعوب التي تحكمها الدكتاتوريات التي استنفدت أغراضها للقيام بالثورات المشروعة، كما رأينا في حالة الثورة الايرانية 1979. وكثيرون يرون أن للمخابرات الأمريكية يد فيما اصطلح علي تسميته بثورات الربيع العربي (مصر،تونس، ليبيا ، اليمن،سوريا) أو “الربيع العِبري” كما يسميه المعلق السياسي العُماني محمد المشعني في قناته علي اليوتيوب.
بين زمن تطبيق السياستين ،”قوس الأزمة” و”الفوضى الخلاقة”، تم تطوير الاساليب التي تصل بها أمريكا الى خلق الظروف المناسبة لتنفيذ “الفوضى الخلاًقة”. ومن بين تلك الاساليب إستغلال المعلومات التي توفرها البحوث الاكاديمية، سواء كان التي تمولها المؤسسات البحثية التابعة لوزارة الخارجية او المخابرات المركزية الامريكية، أوغيرها في الدول المعنية . وتشمل المعلومات المفيدة ، كما ذكرت المصادر، كل شيء تقريبا عن الدولة المُستهدفة. مثلا تفاصيل الخلافات المحلية، ومعرفة أسبابها وأطرافها ؛ وكذلك تركيبة القوي الاجتماعية ومطالبها، وطبيعة الأنظمة الحاكمة وقدرتها علي تلبية تلك المطالب أو عجزها. ومن الواضح أن مثل هذه المعلومات تشكل الأساس الذي تقوم عليه الدراسات والخيارات الاستراتيجية الناتجة عنها، ومنها خيار عدم اللجوء الى التدخل العسكري المباشر، خاصة بعد التجارب المريرة للتدخلات العسكرية الأمريكية من فيتنام الي أفغانستان.

-2-
الثورة الايرانية: كانت خطة تنفيذ سياسة قوس الأزمة هي أن تقوم ثورة ضد الشاه في ايران وتسقطه لصالح الخميني المقيم في فرنسا، والذي كانت له تسجيلات متداولة تحرض الايرانيين علي الثورة (جوديث واير-تقريرلاروش-أغسطس 1980) (5). لم يكن هدف إشعال الثورة حبا في الخميني بالطبع، وإنما كان وسيلة (الشرارة الاولي) لإشعال اضطرابات/ ثورات أصولية اسلامية تنتج عنها قلاقل تزعزع الاستقرار في ايران أولا، ثم المنطقة بأجمعها. ولذا كان لابد من التضحية بالشاه ، الحليف القوي لأمريكا ، الذي استنفذ أغراضه .
وفي سبيل ذلك قامت ادارة كارتر بتنظيم حملة إعلامية ضخمة بزعم حماية حقوق الانسان في ايران، جنًدت لها عددا كبيرا من وسائل الاعلام الغربية بما فيها البي بي سي (قسم اللغة الفارسية) ومنظمات حقوق الانسان التي تمولها المخابرات البريطانية والامريكية . وقد ذكرت (واير) 1980 ، أن من بينها معهد برتراند رسل للسلام و أمنستي انترناشونال ، من بين جهات أخري. وبعد أن ازداد زخم التظاهرات ومعه عنف التصدي لها من قبل الأجهزة الأمنية للشاه ، تدخلت الولايات المتحدة، كحليف موثوق به ، بنصح الشاه أن يقوم ببعض الاصلاحات السياسية ويعطي مزيدا من حريات التنظيم والتعبير للمعارضة. كان غرضها من ذلك في حقيقة الأمر فتح المجال لأنصار الخميني والملالي لإظهار قوتهم في الشارع الذي أمتلأ بكل قوي المعارضة، كجزء من الدعم العام للحركات الاصولية في المنطقة، خاصة الاخوان المسلمين. وتضيف (واير) ، كتعريف بالاخوان ، “وهي منظمة قامت بتأسيسها ودعمها المخابرات البريطانية من خلال أشخاص من أمثال سير جون باقوت، قلوب باشا، روبرت سوان، ولورد كارادون” (واير- لاروش 1980 ص44).
عندما ازداد حجم المظاهرات وتنوعها، وازداد عنف التصدي لها من قبل قوات الأمن (السافاك) وقوات الشرطة الايرانية ، وتهيأ الجيش للتدخل، قامت الادارة الامريكية مرة أخري بنصح الشاه بعدم أستعمال القوة المفرطة (في تقديرها) والمطلوبة في رأي الشاه، حتي يحافظ علي النظام، (وفق ما صرح به للواشنطن بوست بعد سقوطه). في نفس الوقت قامت ادارة كارتر بارسال الجنرال الامريكي روبرت هايسر-نائب قائد حلف الناتو وقتها- الي ايران لإكمال المهمة، التي من بين أجندتها إثناء الجيش عن التدخل لقمع المتظاهرين. وكان المعارضون قد قاموا بتصعيد التظاهر رغم أختيار الشاه لشهبور بختيار-وهو ليس من رجاله – رئيسا للوزراء كجزء من الاصلاحات السياسية التي نصحوه بها. وعلي حد قول الكاتبة فقد تآمر هايسر مع قادة الجيش ، علي عدم التدخل لقمع المتظاهرين مما أدي الي سقوط النظام. وبعد نجاحها تعاونت الولايات المتحدة مع فرنسا لتمكين الخميني من العودة من فرنسا التي كان مقيما بها وتولي زمام الحكم. وبعدها (حدث ما حدث) حتي لامريكا نفسها (من ايران) من يومها والي الان.
أما في حالة الحرب العراقية-الايرانية (1980-1988) فبدلا عن إيقاف الحرب بسرعة سعت امريكا الى اطالة أمدها ، وذلك بتزويد الطرفين في أوقات مختلفة بالمعلومات الاستخباراتية وبالسلاح. والسبب هو أنها بين خصمين لأمريكا ولم تؤثر في إمدادات النفط للغرب، وأنها ستنهك الجانبين ( بلغت خسائر الجانبين نحو مليون قتيل وإهدار موارد مالية بلغت تقديراتها بين 300 مليار الى -ترليون دولار) ، كما أنه يوفر لأمريكا فرصة عدم التدخل المباشر لإسقاط أي منهما، علما بأن المصالح الحيوية لأمريكا هي امداد النفط وأمن اسرائيل. (حسين علي فليج -أثر السياسة الامريكية في الحرب العراقية الايرانية)-مستخرج من النت 18/2/2024) (6)
أما عن تنفيذ سياسة الفوضي الخلاقة فيمكن استصحاب ما جاء في ايميلات هلاري كلنتون وزيرة خارجية اوباما (2009-2013) التي قام برفع السٍرٍية عنها الرئيس الامريكي دونالد ترمب في عام 2016 . وقد جاء في تلك المراسلات أن الاستراتيجية الامريكية في المنطقة هي تأجيج التوتر في الخليج العربي والشرق الاوسط عموما، وطريقة التأجيج المختارة والمنصوح بها كمقدمة لتفكيك دول المنطقة، هي أيضا إثارة الفتن بين المكونات المحلية علي أسس دينية ، إثنية ، قبلية وطائفية . وقد وضح ذلك في الدور غير المباشر لامريكا في احداث تظاهرات الشيعة في البحرين في 2011. وقد أظهرت الرسائل إهمال إدارة اوباما المتعمًد لدور ايران في تلك الاحداث، بل وطلبها من السعودية عدم ارسال قوات لحفظ الأمن في البحرين بناءا على طلب حكومتها ، بزعم أن إرسالها يعتبر غزوا سعوديا للبحرين. لكن الحيلة لم تنجح إذ أن السعودية تجاهلت ذلك وارسلت قواتها واستقرت أوضاع البحرين.

أهداف امريكا من التفكيك

لا شك أن كثيرا من المهتمين بالسياسة يدركون بشكل عام أهداف امريكا في المنطقة العربية ، إلا أنه قد لا يضير أن نشير الى بعض الأهداف التي ذكرتها مراجع هذا المقال. الهدف الأول من سياسة امريكا الخارجية في المنطقة هو إبقاء الدول العربية علي وضعها الاقتصادي الحالي من التبعية وعدم السماح لها بتحقيق أي استقلالية سياسية تنتج عنها نهضة صناعية أوعلمية/تكنولوجية حقيقية .وقد ساعد في نجاح هذا المسعي سياسة زعزعة و تفتيت وحدة توجهات أو تنسيق المواقف العربية (ويمكننا ملاحظة ذلك في المواقف واختلافها بين اعوام 1973 -2023.
الهدف الثاني هو تفكيك دول المنطقة وتقسيم كل منها الى دويلات وكانتونات يمكن السيطرة و الهيمنة عليها من الخارج (فرٍق تسُد) دون التدخل عسكريا. والقصد من ذلك هو أن تحتكرامريكا السيطرة عليها وتمنع ظهور أي قوة دولية أو اقليمية من لعب ذلك الدور – ايران مثلا. وكان ذلك كما يقول برودا (1992) هو جوهر سياسة كيسنجر الخارجية حول توازن القوي في الشرق الاوسط ، بحيث تكون اسرائيل هي الاقوي وقوتها موازية لقوة جميع دول المنطقة مجتمعة، لأنه “وباستثناء اسرائيل فليس للولايات المتحدة ولاء أو صداقة دائمة مع أي دولة في المنطقة” كما أكد ذلك لويس ( لويس- فورين أفيرز- 1992-4) (7) أيضا. بالإضافة الي أن التقسيم والتفكيك يجعل تلك الدول في حالة عدم استقرار دائمة وبالتالي عدم تحقيق أي تنمية أو تحسن في معيشة المواطنين بحيث لن يبقي لمواطنيها إلا السخط والمزيد من الإضطرابات والحروب الداخلية مما يمكن أمريكا وحلفائها مجددا من التدخل الناعم ونهب موارد تلك البلاد. ويُذكٍر لويس، في نفس المقال، دول المنطقة بأنه يجب عليها الا تعوٍل علي التدخل الخارجي لإنهاء أي صراع فيها لأن امريكا والعالم الغربي سوف لن تتدخل لإيقاف تلك الحروب والاضطرابات ما دام النفط مستمرا في التدفق لتدوير إقتصاداتها. لا بد من التذكير هنا بأن هذا الرأي أو النصح كان قبل أكثر من ثلاثين عاما، وها هوالان يتحقق في حرب غزة وحرب السودان-إذا جاز اعتباره من دول المنطقة (انظر ايضا الاشارة الي مقال مندوبة امريكا في مجلس الامن الذي أشرنا إليه في صدر هذا المقال). وهنا تجب الاشارة ايضا الي ما جاء في مقال لويس 1992 المشار اليه آنفا من أن” العالم، خصوصا العالم الثالث، مازال لم يفهم أوغيرقادر علي أستيعاب مقدرة الدول الغربية علي غض الطرف عن أو عدم الإهتمام بالكوارث التي تحل ببعض دول الجنوب مقارنة بما يحدث في أماكن أخري”. وهنا ايضا يمكن ملاحظة إختلاف ردة الفعل تجاه ماحدث في أوكرانيا 2022 وما حدث في السودان وغزة عام 2023 ومازال مستمرا.
الهدف الثالث والأهم (لأن كل الأهداف الأخرى تعمل لتعزيزه) هو أمن اسرائيل ، لأن ذلك هو الهدف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة. والولايات المتحدة لم تخف يوما اهتمامها ودعمها وتأييدها المطلق لإسرائيل في كل ما تفعل “علي بياض” . وعن هذه العلاقة أو التحالف مع اسرائيل يقول لويس، ” إن موقف الولايات المتحدة بين اسرائيل وفلسطين يجب الا يكون محايدا ، إذ أن مثل ذلك الموقف سوف لن يكون معقولا ولا صحيحا لدولة صديقة تسعي في النهاية لتحقيق مصالحها الوجودية”. ويبني لويس نصيحته تلك علي مقولة ذكر أنها ل “ابن حزم” ومفهومها “أن من يعامل صديقه وعدوه بنفس الدرجة من المعاملة فإنه يفقد صديقه ولا يجد الا الاحتقار/الاستهزاء من عدوه” (لويس 1992) ، وهو نصح لامريكا، بمرجعية عربية، تبريرا لوجوب دعم امريكا لاسرائيل في جميع الأحوال.
ويضيف لويس-شارحا- ” إن الولايات المتحدة لها نوعان من التحالفات، استراتيجي مؤقت واستراتيجي مستدام. وفيما يختص بالاستراتيجي المؤقت، فهو يكون مع أي دولة لامريكا معها أهداف أو مصالح مشتركة في وقت التحالف، ويمكن أن يتغير الوضع بتغير الحاكم أوالأوضاع السياسية. وهنا يمكن لامريكا أن تستغني عن التحالف إذا استنفذ أغراضه أو أصبح مكلٍفا إقتصاديا أو سياسيا، ومن أمثلة ذلك خروج أمريكا من فيتنام 1972، لبنان، وكردستان االخ” وحديثا أفغانستان بالطبع. ويفهم من هذا أن علاقتها مع اسرائيل “غير” ، كما يقول أهل الخليج. وهنا لا يفوتنا أن نذكٍر بالقول الشائع من أن “المتغطي بامريكا عريان”.
ما ذُكرآنفا ،عن كيفية قيام الثورة الايرانية وما جاء فيه من أن دعم الخميني والملالي كان جزءا من دعم الاصوليين الاسلاميين بشكل عام، يعيدنا الي الفكرة نفسها وكيف بدأت. تقول ذات المصادرأن فكرة دعم وتشجيع الاسلاميين واستعمالهم كمخلب قط لتفكيك دول المطقة، تعود الي بيرنارد لويس، مرة أخري (برودا 1992). فقد نصح لويس صناع السياسة الخارجية الامريكية بدعم الحركات الاصولية الاسلامية في العالم العربي والاسلامي، لأنها في نظره تمثل طابورا خامسا داخل تلك الدول يفِتٌ من عضدها. والسبب في رأيه هو أنها ضد قبول الأفكار العلمية الحديثة وترفض التطور التكنولوجي وتريد للعالمين العربي والاسلامي العيش في العصر السابع الميلادي، مما يعزز الهدف من بقاء تلك الدول في حالة التخلف التي تريدها لها امريكا أن تبقي فيها.
كما يري لويس أن الجماعات الاسلامية لها فرصة أفضل في التغلغل داخل المجتمع رغم بطش الحكام. ويعلِل ذلك بأن الحكام الدكتاتوريين يمكنهم حظر الأحزاب ومنع التظاهرات والاجتماعات وكتم كل أنواع حرية التعبير، ولكنهم لا يستطيعون منع الحركات الاسلامية من ممارسة الطقوس الدينية واستغلال المساجد وغيرها لدعوتهم والتأثير في الجمهور وتجنيد عضوية جديدة. وباشتداد عود تلك الحركات فسوف تتهيأ الفرصة للفتنة بين مكونات المجتمع، مما يقود الي سهولة تفكيك تلك الدول، خاصة وأن فكرة الدولة الوطنية غير متجذرة فيها بصورة كافية، وهو الحال في معظم اقطار الشرق الأوسط ، حيث الولاء للطائفة والقبيلة مع ضعف سلطة المركز. وهناك العديد من الادلِة التي تفيد بأنهم قد اتبعوا ذلك النصح ونجحوا في مساعيهم في تفكيك دول المنطقة الذي ما زال جاريا، ومنذ حوالي نصف قرن (برودا 1992).

-3-
الحروب المخطط لها لتدمير المنطقة
ربما يحق لنا هنا أن نستعمل كلمة مؤامرة إذا علمنا أن مفردات التفكيك شملت خطط محددة لعملية التفكيك طويلة المدي ومنها مايلي:
1. القدس واسقاط حكم الهاشميين في الاردن: وتتضمن الخطة بداية قيام المتطرفين اليهود بتفجير المسجد الاقصي، لبناء هيكل جديد لليهود (رغم أن الحفريات لم تجد حتي الان دليلا واحدا علي الهيكل القديم المدعي وجوده أصلا)، وذلك يهيئ المسرح لقيام حرب تمزٍق الاردن وتُسقط الحكم الملكي الهاشمي وربما توطين الفلسطينيين. كان هذا قبل أكثر ثلاثين عاما ولكن ما يزال ذلك محتملا في الحرب الحالية علي غزة.

2. العراق:منح جنوب العراق الشيعي لايران، و في نفس الوقت تشجيع ثورات الشيعة في دول الخليج (انظر البحرين 2011 والسعودية كذلك) وبعدها اشعال صراع ايراني-عربي (وقد حدث عن طريق الحوثيين في اليمن)
3. إقليم الأكراد شمال العراق: الاكراد يتواجدون في كل من العراق،تركيا وايران مما سيؤدي الي التهاب المنطقة وحرب ايرانية تركية.
4. تركيا: تدعم تركيا مطامع اذربيجان السوفيتية سابقا والمتحالفة مع تركيا، في اذربيجان الايرانية في شمال ايران. في نفس الوقت تدعم ايران الأرمن في دعواهم ضد اذربيجان التركية مما يؤدي الي حرب ايرانية -تركية.
5. اليمن: يتم التخطيط لحرب في اليمن والتي ستمتد السنتها الي المملكة العربية السعودية (وهو ما حدث).
(برودا-1992)ص 28
خطط تفكيك المنطقة العربية : لويس ليس وحده
فيما يختص بخطة لويس لتقسيم الدول العربية فإنه ليس وحده الذي كان يدعو الي ذلك- وإن كان الأول والأهم من بينهم. فقد نشر الكولونيل الامريكي المتقاعد رالف بيترز في عام 2006 في مجلة القوات المسلحة الأمريكية، خطة للتقسيم تتضمن إنشاء دول للدروزوالاكراد والشيعة والبلوش. وكذلك نشرالصحفي الامريكي جيفري قولدبيرج في 2008 خطة للتقسيم تضمنت تقسيم السودان، العراق ، السعودية والاردن. وكذلك نشرت صحيفة النيويورك تايمز في عام 2013 خريطة تضمنت تقسيم خمسة دول عربية (هي العراق، سوريا، وليبيا واليمن، والسعودية) الي عدد 14 دولة.
وفي السنوات القليلة الماضية ظهرت عدة أشارات الي سياسة اسرائيل واهدافها في الشرق الأوسط والسودان، وخلاصتها مشروع متكامل لتقسيم دول المنطقة. وآخرهذه الأشارات والدلائل هو مقال محمد سيف الدولة “السودان في الوثائق الصهيونية” (8) ، الذي نشرأول مرة في عام 2019 (موقع النشر لم يذكر) والذي أعيد تدويرة قبل أيام في وسائط التواصل الإجتماعي. وقد جاء قبله حديث والي غرب كردفان الأسبق اللواء الطيب عبدالرحمن مختار التلفزيوني الذي ذكر فيه أنه تمت دعوته الي مؤتمر في لندن ربما في أعوام التسعينات من القرن الماضي أوالألفينات لا اذكر، وفي اليوم الأخير للمؤتمر تم عرض الخريطة السياسية لافريقيا مستقبلا ولم يجد فيها السودان. وبدلا عنه وجد خمسة دول تحتل مكان السودان في نفس موقعه الجغرافي، بعضها يشمل أجزاء من دول الجوار، ان لم تخني الذاكرة. ثم مقابلة تلفزيونية لخبير مصري جاء فيها حديث مطول عن محاضرة افي ديختر وزير الامن الاسرائيلي الاسبق واستراتيجية اسرائيل بتقسيم الدول العربية الي دويلات صغيرة عن طريق إثارة النعرات القبلية والخلافات الدينية واللغوية وغيرها. ونلاحظ هنا التطابق المتوقع بين ما ذكرناه حول السياسة الخارجية الامريكية وسياسة اسرائيل الخارجية في المنطقة، وهدفها المعلن حول أهمية تفكيك واضعاف هذه الدول ، حتي التي تبعد عن محيطها مثل السودان.
يشير محمد سيف الدولة في مقاله المذكور أعلاه، الي محاضرة آفي ديخترفي عام 2008 والي وثيقة صهيونية أخري “استراتيجية اسرائيل في الثمانينات” من عام 1982. وفي كليهما نجد توضيحا لأهمية تفتيت دول المنطقة لأن الأمن القومي الاسرائيلي لا يتحقق الا بذلك. وفيما يختص بالسودان تحديدا يتوسع المقال في دور اسرائيل في الجنوب حتي تحقق الانفصال، ثم تحولها الي دارفور ليتحقق لها الانفصال الذي لم يطالب به أحد من أهل دارفور. ويشير المقال الي ما جاء في الوثيقة المذكورة والي محاضرة آفي ديختر، الي أسباب إهتمام اسرائيل بالسودان، وأولها أن السودان قد شكًل عمقا استراتيجيا لمصربعد حرب 1967 أثناء حرب الاستنزاف بين مصر واسرائيل، ولذلك يجب الا يسمح له أن يكون قوة مضافة لقوة العرب. ولابد من العمل علي إضعافه وعدم السماح له أن يكون دولة موحدة قوية، وأنه من ضرورات الامن القومي الاسرائيلي ان يكون هشا و مجزءا وأن يبقي كذلك. والسبب الثاني هو ان السودان بلد به امكانات ضخمة، من موارد طبيعية ومساحات شاسعة صالحة للزراعة والرعي وعدد سكان لا يستهان به، وبكل هذه الامكانات إذا توفر له الاستقرار فسوف ينمو ويكون قوة تضاهي مصر، ولذلك يجب مفاقمة الازمات فيه وخلق ازمات جديدة تجعل من الصعب علاجها، و تجعله يعيش في حالة عدم استقرار دائمة. وقد حولت اسرائيل تدخلها من الجنوب الي دارفور حتي قبل أن يتم إنفصال الجنوب. ولا أطيل لأن المقال متاح لمن اراد المزيد من التفاصيل.

-4-
خاتمة
يتضح من العرض السابق أن لأمريكا (واسرائيل) سياسة خارجية شبه موحدة تجاه دول الشرق الأوسط أو الدول العربية تحديدا، ذات أهداف محددة وواضحة ومتطابقة، منذ ما يقرب من نصف قرن. ومن تلك الأهداف إبقاء الدول العربية علي حالة تخلف وعدم استقرار، ثم تقسيمها وتفتيتها الي دويلات صغيرة متناحرة لتسهل السيطرة عليها ونهب مواردها، وذلك عن طريق ازكاء نار الفتن العنصرية والدينية وغيرها داخل مكونات كل منها، من بين طرق أخري.
أما عن السودان فقد تم التدخل من قبل كل من أمريكا واسرائيل في الجنوب منذ زمن حتي تم انفصاله في عام 2011، وبعدها تحوَل تدخل اسرائيل الي دارفور، أيضا بغرض فصلها عن بقية أجزاء السودان. والسبب في هذا أيضا ، هو عدم السماح للسودان بالاستقرار و النهوض حتي لا يكون دولة موحدة وقوية أولا، ثم بغرض نهب موارده الطبيعية، كما أفصح عن ذلك آفي ديختر في محاضرته المذكورة آنفا. فهل تختلف الحرب الحالية التي عمًت السودان واستطال أمرها، واستعصي إيقافها، هل تختلف عن حروب الهامش -المحصورة نسبيا- في الأطراف، والتي هدًت حيل السودان منذ الاستقلال؟ في رأي المتواضع، قد تختلف هذه الحرب عن الحروب السابقة فقط في شمولها، ولكن الهدف واحد وأكبرهذه المرة ، وهوتمزيق السودان الي دويلات، كما حدث في دول أخري في المنطقة العربية المجاورة. والشاهد علي ذلك ما نراه من ردود الفعل البطيئة من المجتمع الدولي ، إلا من محاولات خجولة، كقرار مجلس الامن الدولي الأخيربمناشدة الأطراف المتحاربة لوقف العدائيات خلال شهر رمضان. ومندوبة امريكا في الامم المتحدة في مقالها بالامس في النيويورك تايمزلم تترك مجالا للشك في موقف امريكا تجاه الحرب في السودان، وهو(بالكتير) مساعدة الجهود الدبلوماسية لدول الجوار في محاولاتها لإيقاف الحرب، وهي تعلم تماما مقدرات تلك الدول. إن القارئ لمقال محمد سيف الدولة، الذي يمكن أن يكون مكمٍلا لهذا المقال فيما يختص بخطط اسرائيل تجاه السودان، لابد أن يدرك أن السودان في خطر حقيقي من التمزق اذا لم يتم التعامل مع هذه الحرب علي أنها ذات أبعاد دولية خطيرة، وأن طول استمرارها بدعاوي كسب اراض في الميدان لتقوية مواقف المتفاوضين، هو “مقامرة” بمستقبل الوطن. وقد ادي تطاول أمد الحرب الي دخول قوي خارجية جديدة (أنظر دخول كل من أوكرانيا وايران) وبعد قليل ربما داعش وبوكوحرام، وكذلك المرتزقة من كل حدب وصوب، لا قدر الله.
أحد الاستنتاجات الرئيسية من السرد الوارد في هذا المقال، بالنسبة لي علي الأقل، هو أن نظرية المؤامرة موجودة وحاضرة، ولكن إثباتها يحتاج فقط لطول العمر من القائل أوالمؤمن بها في تفسيربعض الأحداث، وذلك الي حين رفع السٍرٍية عن الوثائق التي تثبت المسببات الحقيقية ومن هم خلفها، كما ظهر جليا من الأحداث التي اشرنا إليها في هذا المقال . الاستنتاج الثاني المهم، في رأي، بالنسبة للسودان هو رغبة أكثر من جهة في تقسيم السودان، والكتابة علي الحائط كما يقول الخواجات. كما أن في صمتهم كلاما.
والآن فالدعوة موجهة للداعمين لاستمرار الحرب، والداعين لها، أن يتفكروا في مصير السودان، قبل التفكير في فش الغبينة أو استعادة الحكم أو أي من الدعاوي المعلومة وغير المعلومة. وحتي الان فالرافض للسلام والجلوس للتفاوض هم قادة الجيش والحركة الاسلامية تحت قيادة علي كرتي-أوالمؤتمر الوطني وكتائبه من شاكلة البراء بن مالك والبنيان المرصوص وغيرها. الإخوة في قيادة الجيش والحركة الاسلامية، منذ بدء هذه الحرب التي أذاقت السودانيين الذل والهوان في خارج اللجوء، و في الداخل أدت إلي أن يحصدهم الموت بكل أنواع الاسلحة والجوع، نازحين وغير نازحين؛ طيلة هذه المدة التي قاربت السنة لم نسمع منكم سوي صيحات الحرب، فهلا قلتم ماذا تريدون؟ أنني أجزم أنه وطوال العام الكارثي منذ بدء الحرب، لم أسمع شخصا واحدا لم يقل أن كل الحروب تنتهي بالمفاوضات وهذه الحرب ليست استثناءا، وستنتهي أيضا بالتفاوض، فلم الاستمرار فيها وجثث السودانيين تتناثر كل يوم؟ إذا لم تفهموا حتي الان لماذا يتفرًج علينا العالم ونحن نموت والسودان يسير نحو هاوية التمزق الذي حاق بعدد من دول المنطقة، فتلك مصيبة؟ وإذا كنتم تعلمون فتلك كارثة؟ ومهما كانت حججكم في رفض التفاوض لتحقيق السلام و الاستمرارفي تبني خيارالحرب، ففي تقديري ستتحملون أنتم مسئولية أسوأ الإحتمالات كاملة، وتعلمون ماهي، لاقدر الله. اللهم أهدنا وإياكم سواء السبيل.

هوامش
1. Joseph Brewda, (1992) ’New Bernard Lewis Plan will Carve up the Middle East’
Exec. Intelligence Report, Ocober 1992
.2تقرير ليندون لاروش (الملخص التنفيذي الاستخباراتي) هو شبيه بتقرير “آفريكا كونفيدنشيال”، الاسبوعي أيضا ، وكلاهما من المصادر الاستخباراتية شبه المفتوحة التي يمكن الحصول عليها بالاشتراك الشهري أو السنوي.
.3بيرنارد لويس (1916-2018) يهودي/بريطاني/امريكي بروفيسير في العلوم السياسية بتخصص في قضايا العرب والاسلام واشتهر بأرائه المعادية لهما ، وله كتب عديدة في هذا الشأن. يري لويس أن تخلف العرب لايعود الي عوامل خارجية (الاستعمار) بل الي عوامل داخلية وأساسا الثقافة والدين الاسلامي. يقول عنه ادوارد سعيد الكاتب والمثقف الفلسطيني الامريكي المعروف ، أنه صهيوني يحتقر العرب ويسيئ فهم الاسلام ومن دعاة الامبريالية. ويقول عنه بروفسيرريتشارد بوليت من جامعة كولومبيا، أنه ينظر بدونية الي العرب ويزدريهم. كان لويس من أقوي الأصوات الداعية لغزو العراق ، وكان يري أن أحداث 9/11 هي فرصة أتت من السماء (لأمريكا لتفعل ما تراه بشأن العرب). ومن أقواله المشهورة في تحريضه علي غزو العراق ” عليكم أن تضربوا العرب بعصا غليظة بين العينين فهم يحترمون القوة”. (ويكيبيديا).
بيرنارد لويس أيضا له خطة لتقسيم شمال أفريقيا بخلق دولة أمازيقية وأخري في الصحراء الغربية من دول المغرب العربي، ليبيا، تونس،الجزائر والمغرب.( جاء ذكر ذلك في هامش من مقال سعيد عبدولي).
.4سعيد الحسين عبدولي ( مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية- تونس يونيو 2013)

5.Judith Wyer (1980),’How Carter and Brzezinski Played the Islamic Card’
‘Executive Intelligence Report’ August 1980,
.6حسين علي فليج (أثر السياسة الامريكية في الحرب العراقية الايرانية 1980-1988
Iraqi Academic Scientifice Journals (iasj.net
7.Bernard Lewis (1992),’Rethinking the Middle East’
Foreign Affairs, Vol 71 Fall 1992,

.8محمد سيف الدولة ( السودان في الوثائق الصهيونية-2019

Exit mobile version