(حديقة الحقيقة … وشريعة الطريقة)
![](https://i0.wp.com/alahdaathnews.com/wp-content/uploads/2025/02/783a9d4d-0fa9-438d-ab50-c44f843babeb.jpg?fit=780%2C470&ssl=1)
د.شمس الدين يونس
في العام ١٩٧٩ ونحن بعد طلاب في عطبرة الثانوية ، كنا شغوفين بالقراءة ، لا تشغلنا واتسابات و لا تكتوكات أونقوقل لي معلومة ..نذهب للقراءة أينما حلت قصاصة ورق … بدءا من صحيفة السر السيد(تحت الشجرة ) التي يتناول فيها كل القضايا … الطلابية منها و الفقهية أو الايديولوجية..، حتي محمود درويش من مكتبة أستاذنا عثمان السيد … وبذكر عثمان السيد ….هذا الاستاذ الرائع الذي حبب إلينا مادة التاريخ و فلسفته…فقد ظل يبتدر حصته بمناقشة اصدارته( رؤي الساعة ال ٢٥) التي تجئ مفعمة بالشعر و الفلسفة …و الحكم و الحكايات…وقرأنا فيها ما قرأنا و في احد اعدادها اعجبتني (قصة الفيل و العميان السته) … وفي بعض الروايات ثلاثة …و يقولون خمسة… رجما بالغيب…كل ما في الأمر سادتي ، ترجع اصل الحكاية الي النص البوذي اورانا في منتصف القرن الأول قبل الميلاد…هذا هامش لابد منه …لاستدراك حكايتنا في نهاية سبعينيات القرن العشرين…كنا في مديني عطبرة ،حديثي العهد بالتلفزيون الذي بدأ بثه في منتصف تلك السبعينيات ..ولما لم تبدأ السكة الحديد في توزيع الأجهزة التلفازية للعاملين .. لم يكن لنا نصيب لان اسرتي غير منتمية لتلك المؤسسة …ظللنا نتحلق حول هذا الجهاز بمركز شباب المربعات ….ونستمتع ببرنامج ( في محراب الآداب و الفنون )للأستاذ بابكر الصديق و الذي يبث من ود مدني …و (المنوعات) لمتوكل كمال …. وفي برنامج المنوعات فقرة المسابقة… كانت لأجمل ما قرأت…دلفت لاصدارة أستاذ عثمان السيد ( رؤي الساعة ال ٢٥) لاستل منها قصة (العميان السته و الفيل) لادفع بها الي المسابقة ….يا لحسن الحظ … لقد فزت بالجائزة الاولي و سمعت اسمي و القصة من التلفاز الجائزة عشرة جنيهات ..تشد لها الرحال و تضرب اكباد الإبل من عطبرة الي الخرطوم ..لاستلام الجائزة من مباني التلفزيون ..(.فعميان ) بوذا و فيلهم منحوني فرصة ان ادخل مباني التلفزيون و لم يخطر ببالي ان يكون لي علاقة من اي شكل بهذا الجهاز الذي نتحلق حوله مستمتعين ببرامجه …. وتلك حكاية اخري لسنا بصددها في هذا المقام . . .. تشكل وجداننا وتفجرت طاقات الإبداع فينا وتمظهرت دلالات الأشياء…. بعيدا عن السياسة …و قريبا من الدراما واستاذ عوض رحمة (عوض فنون) يدرس لنا في حصة الفنون….( أن ارسم الذي تراه و ليس الذي تعرفة )..(وأن لا نلبس نظارة …وننظر من خلالها)…..لندرك من حينها، ان زاوية النظر الي الشئ هي التي تحدد حقيقته ….فماذا تحكي لنا قصة( العميان و الفيل )….
إذ قيل ان هناك سته عميان علموا ان هناك فيلا ضخما سوف يؤتي به الي المدينه، فذهبوا الي الحاكم و طلبوا منه أن يتعرفوا علي الفيل فهم دائما ما يسمعون عنه.. ولم تسعفهم المخيلة من وضع تصور لهذا الفيل … وفي يوم الاحتفال سمح للعميان بتحسس الفيل و التعرف عليه …لمس الأول زيل الفيل فقال. .. ان هذا الفيل حبل
لمس الثاني جسم الفيل فقال… ان هذا الفيل حائط جليل .
لمس الثالث ناب الفيل فقال ان هذا الفيل حربة
لمس الرابع خرطوم الفيل فاعلن … ان هذا الفيل ثعبان بدين غير سام …أما الخامس فسخر منهم جميعا …فقال ان هذا الفيل مروحة لما لمس اذن الفيل …فضحك السادس مقهقها و ساخرا وقال يبدوا انكم لمستم شيئا غير الفيل …فلمس رجل الفيل … و قال مبتسما ماهذا الفيل غير جزع شجرة ….فكل واحد منهم صادق في وصفه ….إذ لمس جزءا من الحقيقة …لكنهم لم يتريثوا ليعرفوا الحقيقة كاملة ….فالحرب ليست هي الحرب نفسها اذا جرت بعيدا عننا….ليست هي الحرب عند من يعيش اهوالها…ليست هي الحرب عند طفل يلهو بألعابه…استميحكم عذرا في الاستطراد… سأل طفلي امه ..(سماح) …. أن متى تنتهي الحرب ؟؟ لنذهب إلى منزلنا لنحضر عجلتي فقد نسيناها هناك فاسقط في يدها…فالحرب ليست هي الحرب عند جندي في خضم المعركة ..وليست هي الحرب التي يخطب عنها السياسي في حشد ما….
لم يعد ثمة وجود لحقائق ثابتة…مطلقة….إنما كل الحقائق كما تراءت للعميان…
يا للهول…. ليتني لم أنل تلك الجائزة… ربما اسكت الحرب …و رحم الله شاعر اليمن البردوني حين قال وهو الاعمي و ذو البصيرة: (فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري …) و تأمل في الحقيقة حتى فتح له.