علي الصادق البصير
كتب الدكتور عثمان أبوزيد مقالاً بعنوان: (أنا لست روبوتًا… أنا إنسان!) تناول خلاله التحول الرقمي مع انتشار استخدامات الذكاء الاصطناعي؛ مما أثار الكثير من التعليقات وردود الأفعال، وقال إن أول التعليقات جاءني من ابني عاصم، يقول: “قبل ست سنوات، أثناء زيارتنا لمدينة شينزين التقنية في الصين، فوجئنا بمقدار التحول الرقمي هناك.. كنا نحمل النقود الورقية معنا ولكن لم نجد مكانًا واحدًا يقبل التعامل بها. حتى المتسول كان يحمل على عنقه رمز الاستجابة السريعة QR code لتقوم بمسحه وتحويل ما تجود به إليه مباشرة عبر الهاتف”.، كما تناول العديد من الردود التي أفضت إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يُجارى في السرعة وفي احتواء المعلومات، بل إنه من البلادة ما يمنعه التفكير.
وعطفاً على مقال الدكتور أبوزيد فإن لي واقعة طريفة في ذات السياق، وهي مع ابني محمود المهووس بالبرامج التقنية وبرامج الذكاء الاصطناعي، كنت وقتها أعد لكتابة تقرير حول خطابات بعض دول شرق أفريقيا في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكان خطاب وزير خارجية إحدى الدول التي تتحدث الفرنسية متأخرا، ووجدت صعوبة في معرفة مضمون حديثه، وكان محمود بجانبي وحاول مساعدتي دون أن أطلب منه، وسألني عن المشكلة، وقال لي الموضوع بسيط جداٍ يا ابوي افتح برنامج ChatGPT وح يترجم ليك الكلام بسرعة جداً، قلت له (ما عندي البرنامج دا)، فقال لي ما مشكلة أنا بترجموا ليك بالمختصر المفيد وهو برنامج ذكاء اصطناعي رهيب و(وبتكلم معاي بلغتي) !!
وبالفعل أدخل كلمة الوزير في برنامج ChatGPT وطلب منه إفادتنا بمختصر الحديث، والشاهد في الأمر أن هذا البرنامج يتحدث بلغة صاحب الهاتف التي يتواصل بها مع أصدقائه، والمفاجأة أن تقرير الوزير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ظهر وكأنه على مسرح كوميديا صاخبة، أشبه بمسرحية المهرج، ومن لطائف وغرائب البرنامج أن وزير الخارجية خاطب الامين العام للأمم المتحدة بمفردات هاتف محمود مما اضطرني لأستعين فيها بمحمود لإعادة ترجمتها، فمثلاً كان ينادي رئيس الجلسة بـ(يامان)، واشتكى من عدم إيفاء الدول المانحة بالتزاماتها وقال عملوا (شرحبيل)، كما أبدى انزعاجه من تقرير المقرر الخاص لحقوق الانسان وقال إن تقريره (طلس وسواقه)، ولم يلتزم بالتفويض الممنوح له وكثيرا ما يدخل بـ(الجابسة) مما يعد مخالفة للأعراف الدولية، وطالب الأمم المتحدة بأن (تقطع حبل) للمقرر، لأن عمليته ما (دسيسه يامان) وبـ(حنكه دا ركبنا الماسورة) !!
وفي وصفه للمؤسسات المالية الدولية قال إنها (جاليها) وتاني في حكومتنا قررنا (نكسر الحنك دا)، و (نخمس التشديرة) مع البنك الافريقي للتنمية. ويعني إنهم سيقاطعون البنك الدولي.
بعد هذه الترجمة الغريبة والمدهشة التي تقدمها التكنولوجيا الغبية لأولادنا دون أن نستشعر خطرها، فإننا نستطيع القول بأننا شهود عيان على أكبر وأسرع عملية تحول مجتمعي لبناء جيل مختلف، وهو الجيل المعروف بـ(الجيل Z) وهم الجيل الأول من “المواطنين الرقميين” الذين نشأوا مع الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي شكّلت بعمق هويتهم وتواصلهم وتوقعاتهم للعالم.
بكل براءة سالت ChatGPT عن مميزات هذا الجيل فأخبرني بأنهم يتميزون ببراغماته، وآرائه الراسخة حول القضايا الاجتماعية والسياسية، ويتزايد تأثيرهم في مختلف جوانب المجتمع ويتمتعون بعقلية مدنية وسياسية، وغالبًا ما يطالبوا بالشفافية وقال إنهم نشأوا في مجتمع أكثر تنوعًا وفردية ومساواة، مما شكّل قيمهم ونظرتهم للعالم، وقد تناقلت الأخبار أنهم يقودون التغيير في كل من المغرب ومدغشقر وكينيا وغيرها من المدن والعواصم.
أفق أخير
نحترم هذا الجيل الذي انفصل عنا دون أن نشعر به ودون رغبتنا وأملنا أن يقود التغيير الحقيقي والاصلاح المنشود للأمم المتحدة ومؤسساتها .
