زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما أعلنت الإدارة الأمريكية أنها عينت مبعوثاً أمريكياً خاصاً للسودان “توم بيرييلو” كان التعيين يشير إلى نقل ملف الأزمة السودانية من وزارة الخارجية إلى الرئاسة، وقام بيرييلو بطواف على أغليية الدول التي تحيط بالسودان إضافة للسعودية، والتقى بالقيادات المهتمة بالملف فيها، ثم التقى بالسودانيين المتواجدين في تلك الدول، وبعد كل هذا الطواف كان قد حدد عدة أزمنة لبدء التفاوض، ويأتي الزمن المحدد ثم يطرح زمناً آخر، كأنما يريد أن يقول أنا موجود.. هذه المرة؛ الخطاب جاء مرة أخرى من وزارة الخارجية الأمريكية بتحديد زمن التفاوض في 14 أغسطس في جنيف بسويسرا، وسوف يحضره وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.. الأمر الذي “قوم نفس” العديد من القيادات السياسية التي طرحت مناشداتها أن يلتزم المدعوون بالحضور.. إلا وزارة الخارجية السودانية التي قالت سوف تتم عملية تدارس الدعوة ثم الرد عليها..
الأسئلة التي يجب أن تطرح: لماذا قرر وزير الخارجية الأمريكي حضور التفاوض بنفسه؟ هل من أجل الضغط على المتفاوضين للوصول لوقف إطلاق نار؟ أم أنه يريد فقط وقف لإطلاق النار لكي يكون النجاح الوحيد الذي حققته إدارة بايدن في العلاقات الخارجية في فترة رئاسته، ويكون بمثابة دعم لنائبته المرشحة للرئاسة في نوفمبر القادم؟ وأيضاً لماذا تصر أمريكا فرض الإمارات على المتفاوضين بحضورها المفاوضات؟
إن المفاوضات تتعلق بالشأن العسكري “وقف إطلاق النار” وأيضاً تتعلق بعملية مرور الإغاثة للمحتاجين لها في المناطق المختلفة في السودان.. إن إرسال خطاب الدعوة لوزارة الخارجية يعني ضمنياً الاعتراف بالحكومة السودانية، وهذه بادرة جيدة.
الآن الكرة في ملعب وزارة الخارجية أن تطرح كل التساؤلات التي تحتاج لتفسير وتقدمها لوزارة الخارجية الأمريكية، بعض منها لماذا تصر أمريكا حضور الإمارات الداعم الرئيس للمليشيا.. رغم أن السودان قد رفض حضورها عندما جاء نائب وزير الخارجية السعودي وليد عبد الكريم الخريجي إلى بورتسوان يحمل ذات أجندة حضور الإمارات مستقبلاً.. يجب قبول كل التقارير التي صدرت والتي تحدثت عن الإنتهاكات التي قامت بها المليشيا ضد المواطنين، والإبادة والتهجير الذي قامت به أيضاً في ولايات دارفور وغيرها..
كثير من الناس يعتقدون أن التفاوض يعني التنازل، ورجوع الميليشيا مرة أخرى للساحتين العسكرية والسياسية إلى جانب جناحها السياسي، وهذا فهم خاطيء أن التفاوض لا يوقف العمليات العسكرية إلا بعد الاتفاق والتوقيع عليه من قبل الأطراف.. إن قيادة الجيش سوف تكون حريصة أن لا تفقد دعم الشعب لها، ولن توافق على شيء لا يرغب فيه الشعب.. ومادام الشعب يثق في الجيش وقيادته، يجب أن تكون الثقة في العمليتين العسكرية الجارية الآن، وأيضاً في أي عملية تفاوضية تجرى مع المليشيا من خلال الوساطة الدولية.. ولا أعتقد أن قيادة الجيش سوف يفوت عليها أن الذين أقنعوا المليشيا بالقيام بالانقلاب هم الذين يسعون الآن من أجل وقف إطلاق النار دول “الرباعية والثلاثية” ومنظمتي الإيقاد والاتحاد الأفريقي.. إن معرفة الأجندة قبل الدخول في عملية التفاوض مسألة ضرورية، تبين الاتجاه العام للتفاوض، وفي نفس الوقت تبين إذا كان الهدف وقف الحرب لإغاثة الشعب، أم محاولة جديدة لكي ترتب المليشيا صفوفها من جديد، أو الهدف منه الوصول لتسوية سياسية تعيد المليشيا مرة أخرى لما قبل 15 أبريل وجناحها السياسي.. إن الذين استطاعوا أن يشتروا رؤساء دول لدعم أجندتهم لن يتنازلون عن المكر الذي درجوا عليه ويتطلب اليقظة.
إن وقوف أغلبية الشعب مع الجيش سوف يكسر كل مضارب المؤامرات التي تحاك ضد السودان، وحضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليس بهدف الضغط على الوفد الحكومة لكي يوقع على اتفاق معد سلفاً، أو الضغط على قبول تسوية، ولكنه جاء لكي يخدم حزبه الديمقراطي أن يسجل نجاحاً واحداً خارجياً، لعله يدعم مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة في الانتخابات القادمة في نوفمبر، والتي بدأت حملتها الدعائية منذ شهر. كما أن العصا التي تحاول أن تلوح بها أمريكا كثيراً لم تعد تخيف دولة، أو سلطة يلتف الشعب حولها.
إن القوى السياسية السودانية التي أصبحت فقط تصفق لمبادرات الخارج أفضل لها أن تجلس وتعكف على صياغة مشروع سياسي تبين فيه وجهة نظرها وتقدم للشارع السوداني بدلاً من الركض وراء المبعوثين الدوليين والمنظمات التي لا تقم مصلحة السودان على أجندتها. إن ثورة ديسمبر ليست فقط أسقطت نظام الإنقاذ، ولكنها فضحت قدرات السياسيين المتواضعة، وكشف ضعف الأحزاب التي تعيش فيه، فشلت أن تحافظ على الشارع واتخذت من الخارج وسيلة لكي يدفعها للسلطة، حتى جاءت الحرب وهذه مرحلة جديدة سوف تبرز فيها قيادات جديدة ربما تحدث تغييراً أفضل في العملية السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..