جلسة مجلس الأمن.. بريطانيا في مرمى نيران الاتهامات
الأحداث – تقرير
قبل ساعات قليلة من موعد انعقاد جلسة وافق عليها مجلس الأمن الدولي لمناقشة الدعم الإماراتي العسكري لمليشيا الدعم السريع في الحرب التي اندلعت في السودان منذ أكثر من عام تفاجأت بعثة السودان بتدخل بريطاني أسفر عن تعديل طبيعة الجلسة لتناقش الأوضاع في السودان ومدينة الفاشر على وجه الخصوص بدلاً عن مناقشة العدوان الإماراتي على السودان واتخاذ قرارات تلزم أبوظبي بإيقاف تمويل المليشيا بالعتاد العسكري والكف عن التدخل في شؤون البلاد الداخلية، تداعيات ما حدث في جلسة مجلس الأمن من تدخل بريطاني أدى لتغيير طبيعة الجلسة ودفع وزارة الخارجية السودانية للمسارعة في إصدار بيان ساخن.
أصل الحكاية
في اجتماع مجلس الأمن في يوم الجمعة الماضية أودع السودان رسالة ثانية بعد رسالة الشكوى الأولى التي تقدم بها السودان ضد دولة الامارات، وجاءت الرسالة الثانية على خلفية رسالة مندوب الإمارات التي تنفي فيها دعمهم ورعايتهم للجنجويد.
وفي الرسالة أكد السودان على جميع ما نقله للمجلس كتابةً أو شفاهة، ودعا المجلس للاضطلاع بمسؤولياته وعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لمناقشة العدوان الإماراتي.
بعدها قادت بعثة السودان تحركات مكثفة مع أعضاء مجلس الأمن حتى اقتنعت الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، التى تمثلها حالياً مالطا، بعقد الاجتماع بصيغة (اجتماع خاص)، ووفقاً لقواعد إجراءات مجلس الأمن، فإن الاجتماعات الخاصة هي اجتماعات مغلقة تتيح للبلدان المعنية المشاركة فيها إن رغبت، وقد استعدت بعثة السودان للمشاركة فيه.
وكان السودان قد رصد نشاطاً كبيراً مقاوماً لعقد الاجتماع من دولة الإمارات وفي وقت متأخر من ليل الأحد ٢٨ أبريل، وقبل ساعات قليلة من موعد الاجتماع في العاشرة من صباح أمس أرسلت بريطانيا رسالة لمالطا وأعضاء مجلس الأمن الآخرين تطلب إرجاء موضوع رسالة السودان بسبب وصول رسالة السودان مع بداية عطلة نهاية الأسبوع وعدم توفر ترجمة رسمية للرسالة، وأضافت الرسالة أن بريطانيا تسعد، مع ذلك، بإقامة الاجتماع المقترح ليناقش الوضع السوداني عموماً، سارعت أمريكا بتأييد هذا الطلب، علماً أن بريطانيا، ووفقاً لأدبيات مجلس الأمن وقواعد عمله، تعتبر الدولة (حامل القلم) وهي صفة تجعلها معنية بملفات وقضايا السودان في مجلس الأمن، ولذلك فإن رأيها حول الموضوع يحظى بتأثير وسط المجلس وإزاء هذا التطور وفي ظل عدم اعتراض دول أخرى في المجلس على الطلب البريطاني بسبب تفاعلات في العلاقات الثنائية بين تلك الدول والإمارات، قررت مالطا المواصلة في الاجتماع على النحو الذي اقترحته بريطانيا، وقد هيمن عليه موضوع الفاشر والوصول الإنساني والتدخلات الخارجية المؤججة للصراع، بشكل عام.
وقد تكشّف لاحقاً أن الإمارات مارست ضغوطاً شديدة على بريطانيا لمنع قيام الاجتماع بالأساس، وقد وظفت الإمارات في ذلك بعض الأدوات ومن بينها إلغاء اجتماعات وزارية مشتركة، على النحو الذي كشفته صحيفة التايمز في عددها أمس الأول.
وتوقعت مصادر مطلعة استمرار الدبلوماسية لفرض مزيد من الضغوط على الإمارات لوقف دعمها للجنجويد خاصة أن الإمارات أصبحت شديدة التوتر من التعريض باسمها من جانب السودان داخل أروقة مجلس الأمن.
ومن المهم الإشارة إلى أنه في تاريخ التدخلات الإماراتية السالبة في بلدان مثل ليبيا واليمن وغيرها، لم تعرضها أي دولة للإذلال على النحو الذي يفعله بها السودان حالياً. والإمارات عموماً حساسة تجاه صورتها الدولية كموئل للتجارة والاستثمار والخدمات المالية، وكشريك إقليمي ودولي موثوق به، لذلك فإن إضرار السودان بتلك السمعة سيؤذيها وينفع السودان.
وأكد المصدر أن جهود السودان الدبلوماسية ستتصاعد لحشر الإمارات في الزاوية وتحميلها العواقب السياسية والقانونية لأفعالها.
اتهامات سودانية لبريطانيا
بالمقابل أصدر السودان ممثلاً في وزارة الخارجية بياناً شديد اللهجة وجه فيه اتهامات صريحة لبريطانيا.
وانتقدت وزارة الخارجية السودانية تدخل بريطانيا وتغييرها طبيعة اجتماع مجلس الأمن الدولي، الإثنين، الذي كان من المفترض أن يخصص لمناقشة عدوان الإمارات على السودان ليصبح اجتماعاً عن الأوضاع في السودان عامة ومنطقة الفاشر خاصة.
وقالت الخارجية السودانية في بيان، الثلاثاء، “بالإشارة إلى جلسة المشاورات المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الإثنين حول السودان، فإنه حسب أجندة المجلس المدرجة كان يفترض أن يخصص الاجتماع لموضوع العدوان الإماراتي علي السودان، المتمثل في الرعاية متعددة الأوجه للمليشيا الإرهابية، وذلك في ضوء خطاب مندوب السودان الدائم لرئيس مجلس الأمن بتاريخ ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ حيث طلب فيه عقد اجتماع عاجل للمجلس لبحث الأمر”.
وأضافت الخارجية “تدخلت بريطانيا، التي تنصب نفسها حاملة للقلم في شؤون السودان، لتغيير صيغ وطبيعة الاجتماع، ليصبح اجتماعاً عن الأوضاع في السودان عامة ومنطقة الفاشر خاصة، وتزامن ذلك مع ما كشفته صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية يوم ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ من أن دولة الإمارات تمارس ضغوطاً شديدة على بريطانيا لحمايتها في مجلس الأمن، بعد افتضاح دورها في تغذية الحرب في السودان بدعمها المتواصل لمليشيا الدعم السريع الإرهابية. وذكرت أن الإمارات ألغت أربعة اجتماعات وزارية مع بريطانيا لإجبارها علي التدخل في مواجهة الشكوي التي تقدم بها السودان”.
وأردف البيان “انعقدت جلسة المشاورات المغلقة صباح الإثنين حيث طالب الأعضاء خلالها بأن تتوقف المليشيا عن أعمالها العدائية حول الفاشر وأن تتعهد بعدم مهاجمة أي مدينة، ودعوا الأطراف الإقليمية بالالتزام بحظر الأسلحة على دارفور بموجب القرار ١٥٩١، كما نادوا باستئناف مفاوضات جدة، وضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، واحترام القانون الإنساني الدولي. إلا أن الاجتماع لم يخرج بقرارات واكتفى بالبيان الصادر عنه يوم ٢٧ أبريل”.
وأبدت الخارجية أسفها لتنكر بريطانيا لواجبها الأخلاقي والسياسي بصفتها عضواً دائماً بمجلس الأمن وما تلزم به نفسها للتصدي لقضايا السودان في المجلس، وبحكم ماضيها الاستعماري في السودان، والذي لا تزال آثاره غير الحميدة مستمرة، وذلك مقابل مصالحها التجارية مع دولة الإمارات”.
وقالت الخارجية “حماية بريطانيا لأكبر ممولي الحرب في السودان، مقرونة مع ما كشفته الصحافة البريطانية من أن الحكومة البريطانية أجرت لقاءات سرية مع مليشيا الدعم السريع التي استوفت كل صفات الجماعات الإرهابية، تجعلها شريكة في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها، وداعمة للإفلات من العقاب”.
وأضاف البيان “لن تثني هذه الخطوة المشينة من بريطانيا، والتساهل الذي تبديه الدول الغربية دائمة العضوية بالمجلس حيال فظائع المليشيا وراعيتها دولة الإمارات، السودان من أن يسلك كل السبل والوسائل لحماية شعبه وسيادته وكرامته. وتظل مصداقية مجلس الأمن وقدرته على الاضطلاع بدوره في حماية السلم والأمن الدولي والوفاء لمبادئ ومثل ميثاق الأمم المتحدة، محل اختبار مستمر، نأمل أن تتضافر جهود أعضاء المجلس المؤمنين بالعدل والتعايش السلمي واحترام سيادة الدول لاجتيازه بنجاح”.
جلسة مغلقة
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة خاصة، الإثنين، لبحث تصعيد العمليات العسكرية في الفاشر.
وكانت الجلسة محددة بطلب من بعثة السودان بنيويورك لمناقشة العدوان الإماراتي على السودان لكن تدخلاً بريطانيا عبر تعرضه لضغوط إماراتية غير مسار الجلسة لمناقشة الأوضاع في الفاشر.
وأعرب أعضاء المجلس عن القلق لذلك التصعيد ومخاطره على مئات الآلاف من المدنيين بمن فيهم النازحون من مناطق أخرى، وسكان الفاشر الأصليين.
إمدادات سلاح
وقدمت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد عدة اقتراحات لوقف ذلك التصعيد بما فيها وقف إمدادات السلاح التي تقدمها دول خارجية إلى أطراف الصراع من بين تلك الدول الإمارات العربية المتحدة.
وفي تصريحات عقب انتهاء الجلسة الخاصة حذرت السفيرة الأمريكية مما وصفته بوقوع مجزرة في الفاشر، وأضافت “اجتمع مجلس الأمن، الإثنين، لبحث الأزمة في الفاشر، التي توشك على وقوع مجزرة واسعة النطاق فيها. هذا ليس تحليلاً للوضع، بل حقيقة قاتمة تواجه ملايين الأشخاص”.
وقالت “هناك بالفعل تقارير موثوقة تفيد بأن قوات الدعـم السـريع والمليشيات المتحالفة معها قد داهمت عدداً من قرى غرب الفاشر. وفي الوقت الحالي، تخطط قوات الدعم السريع لشن هجوم وشيك على الفاشر. كما قلت سابقاً، يكرر التاريخ نفسه في دارفور بطريقة مأساوية للغاية، وسيكون أي هجوم على الفاشر كارثة فوق كارثة، حيث سيضع 500 ألف نازح داخلياً في خطر، وهم أشخاص نزحوا من جميع أنحاء المنطقة بحثاً عن ملاذ آمن. يضاف إلى هؤلاء مليونا سوداني يعتبرون الفاشر موطنهم. تلوح في الأفق أزمة ذات أبعاد فظيعة”.
وأردفت “ولتجنب الموت والدمار والمعاناة، هناك خمسة أشياء يجب القيام بها على الفور وفي مقدمتها إنهاء قوات الدعم السريع لحصارها على الفاشر ووقف تعزيز قدراتها العسكرية بالمنطقة، وثانيها
اتخاذ جميع أطراف النزاع خطوات عاجلة لخفض التصعيد. وقد دعا مجلس الأمن الدولي إلى ذلك بالفعل، لكن هذا لا يكفي. يجب على كل دولة عضو أن تتحدث علناً، ويجب على المجتمع الدولي بأكمله أن يتحدث علانية”.
وشددت على ضرورة احترام الجهات المسلحة المتقاتلة في السودان للقانون الدولي وحماية المدنيين، وأن تضع في اعتبارها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق في جرائم الحرب، وحثت جميع القوى الإقليمية وقف تقديم الأسلحة لكلا الجانبين، وفقاً لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة.
وطالبت الأطراف المتحاربة بالدخول في مفاوضات مباشرة في جدة، لأن هذا النزاع لن يُحل على ساحة المعركة، بل سيُحل على طاولة المفاوضات. ويجب على جميع الأطراف السماح بوصول كامل وسريع وآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوصول عبر الموانىء البحرية والخطوط الجوية. هناك حالياً 5 ملايين شخص في السودان على حافة المجاعة، وعشرات الملايين من الناس في حاجة ماسة للمساعدات. ومع ذلك، تواصل الأطراف المتحاربة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية ومنع وصول ممثلي وسائل الإعلام.
وحثت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد أجهزة الإعلام على مساعدة السودانيين لتجنب مجازر في الفاشر.
وفي ردها على سؤال حول أهمية ما دار داخل الجلسة من نقاش مع الدول الأعضاء التي يعتقد أنها تمد الأطراف المتحاربة بالسلاح ومن بينها الإمارات، شددت على أهمية وقف تزويد أطراف النزاع بالسلاح التزاماً بقرارات مجلس الأمن في هذا الصدد.
وقالت “هذا مهم للغاية، لأننا نعلم أن المليشيا تتلقى الدعم، سواء بالأسلحة أو أنواع أخرى من الدعم، لتغذية جهودهما في الاستمرار في تدمير السودان، لقد تواصلنا مع أطراف في ذلك، بما في ذلك مع نظرائنا من الإمارات العربية المتحدة.
خطر وشيك
من جانبه أعرب سفير المملكة المتحدة في الأمم المتحدة جيمس كاريوكي عن القلق بشأن الأزمة الإنسانية وخطر المجاعة المحدق والعقبات الموضوعة أمام قوافل الإغاثة، وقال في تصريحات عقب الجلسة المغلقة إن الهجوم على الفاشر يمثل خطراً وشيكاً على المدنيين في المدينة، وأضاف “أعرب المجلس خلال جلسته المغلقة عن قلقه بشأن الأزمة الإنسانية، كما يعرب عن قلقه بشأن حجم مخاطر المجاعة وتهجير السكان. وقد علمنا بشكل خاص مدى خطورة مشكلة وصول المساعدات الإنسانية بالنظر إلى العقبات التي يفرضها كلا جانبي النزاع على وصول المساعدات الإنسانية، وتعزيز القدرات العسكرية حول الفاشر كان المجلس متحداً في المناقشة وفي بياننا الصادر نهاية الأسبوع حول قلقنا بشأن احتمال تصعيد الوضع هناك والخطر الوشيك الذي يهدد مئات الآلاف من الأشخاص في الفاشر والذين لجأوا إليها، والعديد منهم قدموا من معسكرات أخرى للنازحين داخلياً. كما تعلمون إن آخر ما يحتاج إليه السودان هو تصعيد النزاع المستمر طوال العام الماضي والمجلس قلق إزاء الوضع الإنساني وقلق بشأن مخاطر المجاعة ونزوح السكان، نسمع عن كيفية وضع عقبات أمام قوافل الإغاثة التي يضعها الجانبان إذن ما الذي نحتاج إلى القيام به، وما نحتاج إلى رؤيته، وما كنا واضحين بشأنه، هو أننا نحتاج إلى رؤية خفض للتصعيد، ونحتاج إلى رؤية وصول المساعدات الإنسانية، ونحتاج إلى رؤية كلا الجانبين يعودان إلى المحادثات السياسية في جدة”.
وكانت بعثة السودان الدائمة في الأمم المتحدة قد طالبت المجلس بوضع حد لدعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع بالسلاح.
إلغاء اجتماعات
سبق جلسة مجلس الأمن خبراً نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية مفاده إلغاء الإمارات العربية المتحدة اجتماعات مع وزراء بريطانيين، وذلك على خلفية اتهامها بتمويل مليشيا الدعم السريع.
ووفقاً لصحيفة “التايمز” البريطانية، تم إلغاء أربعة اجتماعات وزارية مع بريطانيا من قبل الإماراتيين، نتيجة غضبهم من موقف بريطانيا التي لم تهب للدفاع عن الإمارات في مجلس الأمن.