الأحداث – وكالات
طوال أشهر الحرب كان مقتل القائد المليشي جلحة حدثا متوقعا وحتمياً ومسألة وقت لأ اكثر فالرجل من خلال تفاصيل كثيرة خاصة بتركيبته النفسية والعسكرية ثم مكونه الإثني وطبيعة العلاقة على المكون المهيمن على مفاصل مليشيا الدعم السريع وكذلك ظهوره بكثافة على وسائل التواصل الإجتماعي مقدما رسائل لا تنم من رؤية ولا تخطيط ولا عمق, ظل يضرب بها ذات اليمين وذات الشمال في المكون المهيمن والجيش السوداني ، كل ذلك محل استهداف قوات الجيش السوداني, بالطبع كقيادي يُعتبر موته مكسب كبير عسكريا ومعنويا ، ثم جملة من الأحداث والصراعات الاثنية التي تكررت بين مكون الفصيل الرئيس للمليشيا – الرزيقات – وما يبرهن على ويعلي من احتمالية استهدافه ما حدث في ديسمبر 2024، حيث شهدت مدينة ود مدني قبيل استردادها اشتباكات عنيفة بين قواته ومجموعات أخرى تابعة للمليشيا, وقعت هذه الاشتباكات أثناء محاولة قوات (جلحة) الانسحاب من المدينة، حيث تم اعتراضهم في السوق الشعبي وكبري البوليس، مما أدى إلى مقتل العشرات من الجانبين.
وكذلك في يناير 2025، ظهر (جلحة) في تسجيل صوتي يتحدث عن ظاهرة عصابات النهب المعروفة بـ(الشفشافة)، موضحًا أنهم لا يتبعون لأي من الأطراف المتنازعة, وأشار إلى حادثة سرقة راجمة تابعة لقواته في ود مدني من قبل هذه العصابات، معربًا عن رغبته في تنظيمهم وضمهم إلى قواته بمرتبات ثابتة, وبالطبع تخلل حديثه واسع الانتشار ضربات عشوائية طالت الجميع.
ثم انتشرت بعد ذلك أنباء عن اختفاء (جلحة) في ظروف غامضة، حيث أفادت تقارير بأنه معتقل في سجون الميليشيا وبسبب صعوبة الحصول على المعومات التي تعتبر سلبية بسبب لجم المليشيا لأنصارها من فعل ذلك بعد ان اوقعتهم في فخاخ كثيرة اثبتت الكثير من جرائمهم ثم كشفت عن صراعات ذات طابع اثني وسط قواتهم ، وأيضا عدم قدرة اطراف أخرى الى الوصول إلى مصادر الاخبار لخطورة ذلك في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا ، كل ذلك جعل تحركات جلحة غير معروفة ووضعه الحقيقي على الأرض ومكان وجوده امر كشقه متعذر.
إعلان غريب:
فجأة وبدون مقدمات ظهرت تسجيلات عديدة لقيادات في المليشيا أعلنت وبشكل مفاجي مقتل جلحة مع ملاحظة الاضطراب والتضارب الذي لازم ذلك ، لأن خسارة طرف مقاتل لقائد من قواته يمثل هزيمة معنوية يكون من الطبيعي ان يتم التريث في الإعلان عن المقتل أو انكاره إلى حين ،ولكن ماحدث أن أعلن عمران عبد الله، مستشار قائد قوات الدعم السريع، مقتله ، دون أن يحدد الملابسات والمكان ، و مضى في ذات الاتجاه المضطرب عمر جبريل المسؤول الاعلامي بالمليشيا كما إنّ ومصادر متطابقة ذكرت أنه قتل إثر غارة جوية شرق النيل بالعاصمة الخرطوم بطائرة مسيرة استهدفت رتلا من السيارات في منطقة الوادي الأخضر .
رواية أخرى:
وفي ذات التوقيت، أفادت منصة شاهد عيان الإلكترونية، بأن جلحه تمت تصفيته على يد قبيلة الماهرية – الفصيل الرئيس في المكون المهيمين على المليشيا, وهو الخبر الأرجح سيما بعد ما قيل عن اشتباكات المسلحة اندلعت ما بين أبناء الماهرية و المسيرية بعد إعلان مقتل الجنرال جلحه مباشرة, في الوقت الذي تحدثت فيه عدة صفحات عبر فيس بوك بأن تصفيه الجنرال جلحة جاءت نتيجة مشادة كلامية مع أحد أبناء الماهريه، وذلك بعد أن طلب جلحه من قواته الانسحاب, ورصدت (أحداث العرب) بعض الأنباء التي تتحدث عن تصفيته بسبب رفضه تقديم الدعم للقوات في بحري, وأخبار آخرى تقول بأنه كان ينوي التسليم, وتأتي هذه الحادثة في ظل توترات وخلافات حادة بين أبناء الماهرية والمسيرية، وهو ما يعتقد أنه كان أحد الأسباب الرئيسية وراء التصفية,
وفي اتجاه مختلف تحدث فيه الحساب الخاص بشرق كردفان عبر (إكس) عن أن حقيقة الأمر بأن جلحة إنسحب من محاور الجزيرة مع عدد من قواته إلى مدينة أم روابة بارا وظل يتردد بين بارا و أم روابه حتى قبل أيام قليلة من مقتله.
براهين ترجيحية:
لكن ربما كان من الراجح أن يكون ما حدث لجلحة أقرب إلى عملية التصفية بعيدا عن أي اشتباكات لا مع قوات الجيش السوداني ولا مع قوات المليشيا وذلك بالنظر إلى قائمة القتلى البارزين الذين قضوا مع جلحة ففيهم شقيقه وهناك جاه الله وابن عمه المنحدران من منطقة البطانة أي أن (الأغيار) خصوصا اولئك الذين اصبحوا محل اتهام بعد انسلاخ القائد كيكل من المليشيا قبل اشهر معدودة يمكن ان يكونوا محل اغتيال وتصفيه بسبب الشكوك او بسبب ردع الباقيين, مضافا إلى ذلك أن المسارعة باعلان مقتل جلحة في وقت كان فيه من الطبيعي ان يتم الاخفاء او التأجيل ، لكن غلبة الظن إن الأمر كان صراعا مع الوقت فلابد ان يكون هناك اتباع اخرون للقتلى احياء وشاهدين على التصفية سيسارعون الى نشر الخبر وتعكير الأجواء مع المكونات الاثنية التي يتبع لها القتلى سيما المسيرية ، ولاشك أن هناك عوامل اخرى تجعل منسوبي المليشيا من مكون المسيرية اقرب للعودة لجادة الطريق والانضمام لجبهة القوات المسلحة لأن هناك مرارات تاريخية لهم مع المليشيا ، وقد اشارت تسريبات لتواصل بين قيادات قبيلية تقف الى جنب القوات المسلحة وبين القتيل جلحة وربما هذه كانت احدى مبررات الاقدام على مقتل جلحة.
من هو القتيل جلحة:
رحمة الله مهدي اسمه الحقيقي انحدر من قبيلة المسيرية المقاتلة في بيئة للبندقية فيها سطوة وتغلل في الثقافات المحلية ، دخل في العديد من التجارب بما فيها المحاربة مع قوات الدفاع الشعبي في اوقات سابقة مع الجيش على ايام الحروبات السابقة ، وبدأت شهرة جلحة كقائد عسكري وأحد القادة المحليين الذين شكّلوا نفوذًا قويًا في مناطق غرب كردفان، وذاع صيته بعد تأسيسه حركة (شجعان كردفان) في عام 2020 م, وكان جلحه قد إنضم لقوات الدعم السريع في العام 2023, وذلك بعد دخوله الأراضي السودانية قادماً من ليبيا ومعه مجموعة كبيرة من العناصر المسلحة التي شاركت في القتال بليبيا إلى جانب قوات القائد العسكري الليبي اللواء حفتر وذاع صيته عبر موقع التواصل الاجتماعي بعد قيامه بنشر مقاطع فيديو يتوعد فيها بالحاق الهزائم بمن يسميهم الفلول.
عظات وعبر:
عدم دوام القوة أهم عظات مقتل هذا القائد المليشي مهما بلغ الإنسان من سلطة ونفوذ، فإن المصير قد يتغير في لحظة ، فالعالم كله كان شاهدا على الانتهاكات الواسعة والقتل على الهوية لمجموعات كبيرة من ابناء الشعب السوداني، الغدر والتصفية كان جزءً من استرتيجية المليشيا على النفوذ ومحاولة اختطاف البلد, وهاهو جلحة يذهب مقتولا ، على يد الجيش أو المجموعة المتمردة فلا ضير, فقد عمت الفرحة قطاعات واسعة من أبناء الشعب السوداني والذي عبر عنهم بما يعكس شعورهم بعد سماع مقتله بـ
نحِنا ترانا لا واجعنا لا فاقدنو
ودّرو جيشنا ، أو مرتزقتو مصفنّو
ما مهم المهم المولى ريّح منو
نقلا عن “أصداء سودانية”