رأي

ثورة ديسمبر و صراع الوعي و المصالح

زين العابدين صالح عبد الرحمن

في منتصف نوفمبر 2018م وصلت البلاد في زيارة مع الأسرة، كانت البلاد هادئة و كان هناك شح في الخبز و الوقود أضطرني اذهب الأي المخبز بعد صلاة الفجر و تنتظ نصف يوم لكي تتحصل على البترول من محطة الخدمة. و بعد اسبوع تحسن الحال حيث تجد الخبز في أية وقت و كذلك البنزين.. و حدثت مظاهرة في مدينة عطبرة.. المحفز للأخرين استيلاء المتظاهرون على مقر الحزب الحاكم في عطبرة، و مكثت في الخرطوم حتى الأسبوع الأول من شهر مارس 2019م و غادرت. كتبت مقالا في 27 ديسمبر 2018م مساندا الثورة و نشر في جريدتي ” الجريدة و إيلاف و سودانيل و سودانيزاونلاين و الراكوبة بعنوان ” ثورة الجماهير و المعادلات السياسية الجديدة” ” موجود في قوقل” بدأ المقال بالقول ( قراءة الواقع السياسي من خلال رؤي القوي السياسية، من خلال حديثي و لقاءاتي مع بعض القيادات السياسية. إن ثورة الجماهير و خروجهم في تظاهرات بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد، لن تتوقف، و ربما تأخذ أشكالا أخرى من الاحتجاجات، لآن النظام الحاكم لا يملك حلا لهذه الأزمة في الوقت الراهن، و لا مستقبلا، بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي يتبعها، و لا يريد إعادة النظر فيها، و المجموعة الحاكمة لا تريد أحداث أي تغييرات في السياسة الاقتصادية و هيكلتها حتى لا تفقدهم سطوتهم و تحكمهم علي ثروات البلاد و استغلالها لمنافعهم الخاصة( و يواصل المقال في فقرة أخرى (بالضرورة خروج الجماهير للشارع سوف يؤدي لتغيير في المعادلة السياسية في البلاد، و قد كشف ظهر الحزب الحاكم الذي كان يردد إن عضويته قد تجاوزت الخمسة ملايين عضو، و إنه لا يجد في الشارع غير القوي التي أصبحت مستفيدة من النظام إن كان اقتصاديا أو سياسيا إلي جانب المؤسسات القمعية ( و ختمت المقال بالقول ( و خرجت الجماهير للشارع غير عابئة بالرصاص و الرجال المدججين بمختلف أدوات القمع، لكي تغير ميزان القوي في الشارع السياسي، و لكي تفرض واقعا جديدا، و من الحكمة يجب قراءة الواقع الجديدة قراءة صحيحة من قبل نخب الأحزاب، خاصة إن الإنقاذ لا تملك حلا لمعاناة الناس حاليا. كما إن خطاب قياداتها السياسي يؤكد العجز…هذه هي صورة الواقع التي أفرزتها الحركة الجماهيرية، و تتغير و تتبدل بقوة الحراك الجماهيري و بقدرة القيادة السياسي في التعامل معها بوعي حقيقي بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة، و هناك البعض الذين يعتقدون أن الشارع قادر أن يفرز قيادات جديدة تتفاعل مع مطالب الجماهير و تقودها للأهداف و المقاصد النهائية، و لكن تجربة الربيع العربي بينت أن خروج الجماهير للشارع و تغيير النظام لا يعني تحقيق الأهداف النهائية للثورة و الانتفاضة، إذا لم تكن هناك قوي سياسية واعية و منضبطة و مدركة لدورها التاريخي، و توجه الجماهير التوجيه الصحيح) حقيقة أشكر الدكتور خالد التجاني رئيس تحرير إيلاف و اشرف عبد العزيز جريدة الجريدة بنشر المقال و هو طويل من يريد أن يقرأه تجده بذات العنوان في قول..

أن ثورة ديسمبر و خروج الشباب كانوا بالفعل ينتظرون واقعا جديدا، و تحول ديمقراطي، يتفق فيه الكل على التبادل السلمي للسلطة.. و تجنب البلاد من النزاعات و الحروب و أدوات العنف إلي الوسائل السلمية في الحوار و التعبير عن الرأي، و لكن للأسف أن القيادة في الفترة الانتقالية أول ما خسرت هو الشارع، و عجزت حتى أن تقدم مشروع سياسي تطرحه للحوار، و أصبح الهم عندهم السلطة و هي صراع لا تتنبأ بنتائجه.. و عندما خسرت المعركة بدأت تبرر أن الإسلاميين هم السبب.. هل كان هؤلاء يعرفون أن الإسلاميين سوف يشكلون لهم تحدي..

كنت أتوقع أن هؤلاء القيادات أن تقرأ تجربة التحول الديمقراطي في دول أوروبا الشرقية ” ثورة الأعلام الملونة” ضد الأحزاب الشيوعية التي حكمت أكثر منصف قرن، مارست فيه انتهاك للحقوق و مصادرة حريات التعبير و السفر و مطاردت السياسيين، و لكن أثناء المظاهرات و بعد الانتصار قيادات الثورة لم تدخل في صراع وجودي أو إقصائي مع عناصر الأحزاب الشيوعية التي كانت تحكم عقود من الزمن، كانت قيادات واعية لأنها كانت تسعى لنجاح عملية التحول الديمقراطية و تسوق كل المجتمع للفكرة.. و بالفعل قد نجحت و شاركت الأحزاب الشيوعي في الديمقراطية رغم كل ممارساتها و انتهاكاتها في حق المواطن الذي كانت تمارسه، الأمر الذي أدى في النهاية إلي نجاح الديمقراطيات، ثم الدخول في الاتحادي الأوروبي.. الفارق هو في الوعي السياسي، لآن القوى التي يقع عليها عبء عملية التحول الديمقراطي، كان لابد أن تكون واعية، و مدركة لطبيعة الصراع، و تعرف أنها تصارع قوى سياسية اكتسبت خبرات واسعة في إدارة الصراع من خلال وجودها في السلطة ثلاثين عاما. نسأل الله حسن البصيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى