رأي

توم بيرلو وتكرار الغباء الغربي

السفير عبد الله الأزرق

 

لم يكن ونستون تشرتشل – حكيم الإنجليز – مخطئاً حين قال:

“يستطيع الأمريكان أن يفعلوا الصواب لكن بعد استنفاد كل الخيارات الأخرى”

‏”Americans will always do the right thing, after exhausting all alternatives”.

اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر

ضل قومٌ ليس يدرون الخبر

 

ولأن غطرسة القوة Arrogance of Power تعمي البصائر، يظن الأمريكان أنهم يعرفون كل شيء؛ بل يظنون أن بوسعهم فعل كل شيء. ثم إن عقلية الكاوبوي توقعهم في المهالك.

وكلا العاملين يفسران خطل سياستهم في فيتنام وفي العراق وفي سوريا وفي أفغانستان. فما دخلوا في دولة إلّا وخربوها وكانت عاقبة أمرهم خُسرا.

 

في فيتنام تركوا مواد كيميائية دمّرت البيئة.

وقسموا العراق طائفياً إلى سنة وشيعة بعد أن مكنوا إيران منه، وقسموه جغرافياً وسياسياً إلى عرب وأكراد.

وأصبحت سوريا متنازعة بين قوى عديدة.

وفي كل تلك الدول بلغ مجموع الضحايا من البشر ملايين.

 

الغربيون في كل الأحوال، لا هم يتوبون ولا هم يستغفرون.

ذهب قودفري القائم بالأعمال السابق تلاحقه لعنات السودانيين.

وذهب ڤولكر بيرتس بعد أن أشعل نيران حرب المليشيا بالتواطؤ مع عملاء قحت.

 

ولأن قوم قحت لا يسعفهم الذكاء، وتُضلهم الأموال، ليس بوسعهم الاتعاظ بالتاريخ..

التاريخ الذي يقول: إن أميركا قذفت بعملاء أكبر منهم في المزابل.

فعلت ذلك مع شاه إيران؛ ومع ماركوس رئيس الفلبين؛ ومع نورييغا رئيس بنما الذي كان في ال Payroll الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية؛ وفعلتها مع أحمد الجلبي.

ولن تكون عاقبتهم أفضل من هؤلاء.

 

وجاءنا الآن المبعوث الأميركي الجديد Tom Perriello السيد/ توم بيريلو ؛ يكرر نفس الترهات القديمة، التي لا تراعي احتراماً لعقولنا؛ وفقاً لما قاله في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC في 16 مارس الجاري.

 

وقبل أن ندلف لتفنيد هرطقات بيرلو يجدر أن نشير إلى أن الغربيين عامة ينسقون استهدافاتهم للدول، فيرمونها عن قوس واحدة.

 

فقد اتفقوا على تنظيم مؤتمر يزمعون عقده في 15 أبريل القادم في باريس؛ برئاسة مشتركة من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. زعموا أن المؤتمر سيبحث “الأوضاع الإنسانية، واستئناف مسيرة التحول المدني الديمقراطي”!!!

وتلك هي عينها الخطرفات التي صدّعتنا بها قحت خلال خمس سنين.

 

دُعي للمؤتمر كل من هبّ ودب؛ لكنهم استثنوا السودان، وحتى سفارة السودان بباريس لم تتم دعوتها!!!

 

وفي لجنة المؤتمر – وفقاً لِمَا تواتر في  الأسافير ، ولم يَنْفِهِ من ورد ذكرهم  –  وزير مجلس الوزراء السابق عمر مانيس؛ الذي ظلّت المليشيا تحرس بيته، وبقي هو البيت الوحيد في المنطقة الذي لم يطاله نهب ولا تدمير.

وفي لجنة المؤتمر السفير الثمانيني نور الدين ساتي (وإنّ سَفَاه الشيخِ لا حُلْمَ بَعْدَهُ).

ساتي الذي كان يسعد بمسح حذاء علي عثمان إبّان عهد الإنقاذ.

ويعاونه السفير علي بن أبي طالب؛ الذي حزنت لاشتراكه في تلك المؤامرة والتي أظن أنها لا تُشبهه.

ومعهم الرشيد سعيد، وزوجته هالة بابكر النور التي لا تزال في الخدمة!!!

ومعهم الدبلوماسية المتمردة المسماة شفق.

يزعمون الحُنو علينا عبر مؤتمر للقضايا الإنسانية؛ والمجاعة تطحن أهل غزة فيتساقطون جوعاً في الطرقات؛ والعالم يستجديهم لإغاثتهم بطعام ودواء وماء.. والمجاعة تطحن أهل اليمن.

يعارضون إغاثة غزة.. وتستخدم أميركا الڤيتو ضد إيقاف الحرب.. ثم يأتينا بيرليو يزعم أنه جاء لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية والاستقرار.

 

الذي أطار صواب الغربيين هو إعلان المقاومة الشعبية.

والذي “طلق فيهم النار” هو انتصارات الجيش وانكسار مليشيا أولاد دقلو.

ويعرف السودانيون أن هدفهم النهائي هو إعادة قحت للسلطة وإقصاء سواها.

يعيدوننا لنفس المطحنة، شئنا أم أبينا؛ هكذا يظنون.

 

قال بيرلو: إنه التقى العشرات والعشرات من السودانيين dozens and dozens of Sudanese civilians.

ونعرف أنه لم يلتقِ سوى القحاتة وبضع إسلاميين.

ومن ثم فإن مقالته فرية كُبرى.

وأردف تلك بكذبة أخرى حين قال: إننا سعداء بتعيين أميركا لمبعوث.

وقال: إن بايدن وضع كل قوته لإنهاء الحرب في السودان وهذه الأزمة الإنسانية.

لكنه لم يقل لنا: ما الذي أوْهَنَ قوة رئيسه في غزة.

 

لم يُدِن المبعوث الأميركي المليشيا لقتلها الآلاف واغتصابها لآلاف الفتيات وتدميرها المنشآت ونهبها الممتلكات.. لم يدنها، بل يساوي بين المجرم حميدتي والبرهان الذي يقود جيشاً يحمي الجماهير.

 

ثم هو يخاطب رئيس السودان البرهان وقائد المليشيا المجرمة على قدم المساواة!! طالباً منهما السماح بوصول الإغاثة لكل المناطق.

ومنْ مِن الناس من لا يعرف أن “عملية شريان الحياة الجديدة” إنما تهدف لتقوية المليشيا وتزويدها بالعتاد؟؟

 

وماذا فعلت أميركا وصويحباتها للأمارات التي تؤجج نيران الحرب بما فعلته وتفعله للمليشيا؟؟

لا شيء سوى التواطؤ معها لإعادة القحاتة بلا تفويض أو انتخاب.

ثم يستأنف الكذب فيقول:

‏”I think we are raising the heat on all of those who are fueling this ‏conflict”.

“إننا نرفع درجة الحرارة على الذين يغذون هذا الصراع”. ولم يقل لنا كيف يضيقون عليهم؟

ثم أين الانتخابات من كل ما طرحتم يا سيد بيرلو، وأنتم تتحدثون عن الديمقراطية ؟؟؟؟؟؟

 

لكن المبعوث الأميركي بلغ سِدرة المـُنْتَهي حين قال:

“إننا نشهد عودة الإسلاميين المتطرفين المتشددين في المنطقة”.

وقال: إن ما أثار قلقهم والخليجيين (بالطبع الإمارات والسعودية) هو ما بلغهم من الإعلام (نعم قال من الإعلام: publicly reported) عن صعود الإسلاميين المتطرفين في الجيش.

 

أليست هذه عينها دعاية قحت التي تتحدث عن جيش علي كرتي؟؟

 

وقد دلتني أبحاثي التي لخصتها في كتابي عن داعش (Management of Savagery) أن ما يخلق التطرف هو التدخلات الغربية الظالمة المتساوقة مع حكام خاضعين ظالمين.

والذي أعرفه – ولا يعرفه المبعوث الجاهل – أن داعش تُكَفّر إسلاميي السودان.. ويتهمهم بعض من في السودان – من غير المتطرفين – أنهم لم يطبقوا الشريعة.

وهكذا يظل الحديث عن صعود الإسلاميين مجرد ذريعة لإخضاعنا، والتمهيد لعودة قحت مطعّمة بدعامة؛ ولفترة انتقالية مدتها عشر سنوات، يقصى منها الإسلاميون.. هكذا، بلا انتخابات ولا تفويض!!

ولا يستحون من بعد عن الحديث عن الديمقراطية والتحول المدني!!

أي استخفاف بالعقول هذا!!!

 

ويتحدث الغربيون أنهم أغروا البرهان وحميدتي – للموافقة على مخططهم – بالبراءة من أي تهم ومنحهم حصانة من المحاكمات عبر محكمة الجنايات الدولية.

يساوون بين البرهان وحميدتي في الإجرام ليخيفوهما.

 

ولا شك أن البرهان علم:

أن الحاكم الحصين هو ذلك المُتَحَصّن بشعبه.

وأن الحاكم العريان هو ذلك المتغطي بالغرب وأذنابه.

 

يريد بيرلو أن يواصل تدخلهم في شأننا ليفرضوا علينا الكرزايات؛ ويسلبوا سيادتنا على أرضنا، بعد أن بلغ وعي الجماهير منتهاه، وحملت سلاحها.

بيرلو يكرر نفس اخطاء من سبقوه خلال خمس أعوام؛ لأنهم يستمعون لنفس الأغبياء؛ وهذا تجسيد لغباء الغربيين.

 

يقيني أن أي مسؤول يقبل بهذا المخطط الاستعماري لن يبقى حاكماً على أمةٍ عزيزة.

لم يعلم السيد بيرلو أن السودانيين يرون فيه “الحُمْرَة الأباها المهدي”، وأنهم سئموا من تدخلاتكم الغبية المتحيّزة، ولذا يقولون له:

“قول لجدادك كر”

فإن لم يفهم فسيقولون له بالمصري: “وانت مال أمك”!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى