تقارير

تكايا تحت دانات المليشيا.. بين الكلفة العالية والحاجة المتزايدة للبقاء

 تقرير – أمير عبدالماجد

يرجع البعض مصطلح تكية إلى الموروث الصوفي السوداني إذ عرفت التكايا كمظلة تكافلية داخل البيوت الصوفية تقدم فيها خدمات مثل الطعام والشراب وأحياناً توفر التكية الملابس خاصة وأن معظم روادها آنذاك هم من طلاب الخلاوى لكن مع اشتداد الحرب في السودان وتطاول أمدها ومع نزوح الناس من منطقة إلى منطقة أخرى ومع تقطع السبل بهم وانعدام الموارد عادت التكايا للظهور مجدداً واحدة تلو الأخرى.

 

ظروف معقدة

انتشرت التكايا في ام درمان وفي بعض مناطق مدينة بحري ووفرت للناس لقمة عيش في وقت صعب جداً وفي ظروف معقدة ليس فقط للمستفيد من التكية بل حتى للقائمين عليها لأن هذه التكايا تكلفتها عالية جداً وتكلف يومياً مبالغ طائلة قد تصل إلى (200) ألف هنا ومائة ألف هناك حسب ماتقدمه التكية للمواطنين وهو مبلغ من الصعب توفره في ظل توقف عجلة الحياة في الخرطوم إذ لا عمل ولا مصادر دخل ومع ذلك يبذل القائمون على هذه التكايا جهداً كبيراً لتوفير الموارد وتقديم الوجبات للمواطنين يومياً، ويمكنك أن تلحظ حركة الناس حول هذه التكايا يومياً بصورة ملحوظة.

أعداد كبيرة من أهل المنطقة والوافدين يحملون جرادل صغيرة أو مواعين يضعونها أمام “قدرة” الفول أو “حلة” العدس في انتظار أن تنضج ليتم توزيعها، في المقابل يتحرك العاملون بالتكية هنا وهناك لجلب الحطب وإشعال النار وتجهيز الوجبة تحت الدانات وصفير الطلقات الطائشة التي تنتاشهم من كل مكان.

 

توسع مبادرات

مسؤول تكية فكة ريق بالحتانة عثمان الجندي يقول إن التكية بدأت بمبادرات صغيرة سرعان ما توسعت إلى تقديم الوجبات للسكان والوافدين ومثل فكة ريق هناك تكايا عديدة منتشرة في أم درمان بعضها يقدم خدماته للسكان المقيمين بالمنطقة وبعضها تخصص في توفير الوجبات لدور الإيواء.

ويكشف أحد مشرفي تكية بانقا بالأبراج مجتبي عصام عن تمويل التكايا الذي يأتي في الغالب من أفراد مقيمين بالخارج، ويقول (عندما قطعت شبكات الاتصالات عن أم درمان وجدنا أنفسنا في وضع صعب جداً اضطررنا معه إلى الاستدانة من جهات عديدة حتى لايتوقف عمل التكية).

 

دعم خارجي

والأمر نفسه قاله مشرفو تكايا أخرى ما يؤكد أن السودانيين خارج الخرطوم وخارج السودان يلعبون دوراً كبيراً ومحورياً في توفير التمويل اللازم لهذه التكايا.. صحيح أن المشرفين عليها كما يقال هنا (إيدهم في جيبهم) على الدوام لكن في الغالب يجد هؤلاء دعماً خارجياً قد لا يغطي تكلفة التكية لكنه يساعد بقدر كبير كما يقول خالد الفكي أحد مشرفي تكية محمد الفكي أحمد، ويمضي للقول (التكية بدأت بقدر واحد كنا نعتقد وقتها أنه جيد ويغطي نسبة معتبرة من السكان لكن مع الوقت ومع عودة بعض الأسر والتواجد الكثيف لمن اضطروا لمغادرة منازلهم في مناطق عديدة بام درمان اضطررنا للتوسع وبحمد الله الآن لدينا أكثر من مائة أسرة نوفر لهم وجبتين في اليوم ونأمل أن نتوسع أكثر ونتمكن من زيادة الكمية التي نعمل عليها لأننا للأسف مع كل الجهد الذي نبذله والكلفة المالية العالية التي لاتساوي طبعاً ابتسامة طفل صغير وهو يحمل وعاء الفول.. للأسف هناك أسر لازالت لا تحصل على مايكفي حاجتها من الطعام ليس فقط هنا بل في كل التكايا)، وتابع (نأمل أن نغطي كل الأسر ) وعن الدعم الحكومي إن كان هناك دعم قال (زودتنا المؤسسة التعاونية الوطنية التابعة للقوات المسلحة أكثر من مرة بمواد للتكية ولم تقصر كلما ذهبنا إليها وهنا لابد أن نشكر بطبيعة الحال اللواء عادل العبيد وأركان حربه على مابذلوه معنا لكن الحقيقة الوضع الكارثي للناس يحتاج إلى المزيد من الجميع) ويقول المشرف على التكية عوض مختار الموظف بالقصر الجمهوري إن التكايا مع سدها لفرقة كبيرة جداً وتوفيرها لوجبات لأناس بحاجة إلى كل شيء إلا أنها لازالت أقل من المطلوب، وأضاف (التكية هنا تكلف أكثر من مائتي ألف جنيه يومياً ومع ذلك لاتغطي احتياجات الناس بالقدر الذي نأمله) وتابع (نحن نرى هنا أوضاعاً صعبة جداً ونعيشها مع أهلنا ولا نعتقد على الإطلاق أن مانقدمه هو خدمة فقط وعمل خير بل هو العمل الذي ينبغي ألا نتراجع عنه)، وأضاف (يدعمنا بطبيعة الحال أهلنا المقيمين خارج البلاد لولاهم لما استطعنا حمل هذا العبء).

 

غياب منظمات

وتسجل التكايا يومياً أعداداً متزايدة من الناس إذ كلما زادت المعارك في منطقة ما في أم درمان زاد عدد النازحين وبالتالي ازدادت الحاجة إلى توسع جديد وإلى إضافة كميات من الفول وهذا مايحدث هنا في التكايا التي وسع بعضهم دورها ليشمل توفير العلاج خصوصاً الدواء الذي أصبح العثور عليه صعباً في ظل توقف أعداد كبيرة من الصيدليات وخروجها عن الخدمة بسبب النهب والسرقة أو بسبب نقل صاحبها للأدوية من مناطق غير آمنة إلى الولايات هناك جهات بعضها يعمل ضمن التكايا وبعضها بصورة منفصلة توفر الدواء للمرضى من حر مالها تشتريه وتوزعه على المرضى.. لا أثر هنا لا لمنظمات ولا لجهات حكومية مايحدث أن الأمور كلها رهن المواطن الذي يشتري المواد ويطبخها تحت الدانات والرصاص وأخيه الذي يقف وهو يحمل ماعونه تحت الدانات والرصاص ليحصل على ما يسد به رمق صغاره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى