اقتصاد

تغيير العملة.. محاصرة عمليات النهب

تقرير – رحاب عبدالله
منذ اندلاع الحرب بين قوات الشعب المسلحة ومليشيا الدعم السريع في منتصف أبريل العام الماضي 2023 ، تصاعدت مطالبات خبراء بتغيير العملة السودانية أو إلغاء الفئات الكبيرة، ولعل الغرض الأساسي من ذلك تكبيد مليشيا الدعم السريع التي نهبت أموال الشعب السوداني والبنوك والمؤسسات المالية ، خسائر فادحة.ولكن رغم دعوات الخبراء الا أن بنك السودان المركزي ظل صامتا ، بل أصدر ورقة نقدية فئة ألف جنيه جديدة عليها توقيع المحافظ الحالي برعي صديق علي، وألحق ذلك بإعلانه ان الألف جنيه الطبعة الأولى مبرأة للذمة ، الأمر الذي وجد استنكارا  من عدد من الاوساط الاقتصادية.
طرح عملة نقدية لفئة الألف جنيه
غير أن بنك السودان المركزي أعلن للجمهور، السبت، أنه قرر طرح عملة نقدية لفئة الألف جنيه خلال الفترة القادمة ، وعزا ذلك استناداً إلى سلطات بنك السودان المركزي واختصاصاته الواردة بقانونه لسنة 2002م ، وفي إطار مسؤوليات البنك عن حماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار سعر صرفها والمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولمعالجة الآثار السالبة للحرب الدائرة بالبلاد لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها المليشيا المتمردة لمقار بنك السودان المركزي وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم ، وما نتج عن ذلك من انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار.
عملة غير مبرئة للذمة
وأوضح البنك في اعلان، السبت، استمرار المصارف التجارية وفروعها باستلام العملات من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه من المواطنين وتوريدها وحفظها في حساباتهم وتمكينهم من استخدام أرصدتهم عبر وسائل الدفع المختلفة.
كما ستقوم المصارف التجارية وفقا لإعلان البنك بتسهيل عملية فتح الحسابات للمواطنين الذين ليست لديهم حسابات مصرفية لتمكينهم من توريد ما لديهم من العملات من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه والفئات الأخرى للاستفادة من الخدمات المصرفية بما فيها خدمات الدفع الإلكتروني.
وأشار البنك إلى أنه سيعلن لاحقاً عن تاريخ إيقاف التعامل بالطبعات الحالية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه واعتبارها عملة غير مبرئة للذمة.
تأخر خطوة الحسم
غير أن خبراء انتقدوا تأخر الخطوة بعد مرور اكثر من عام ونصف من إندلاع الحرب وعمليات النهب والسلب والسرقة والتحويلات البنكية، ورأوا انه كان من الممكن إتخاذ هذا القرار منذ العام الماضي عند بداية التعدى على البنوك والمنازل والمحال التجارية لأن معظم المبالغ المالية يحتفظ بها أصحابها من الفئات الكبيرة الألف والخمسمائة.
تغيير العملة
من ناحيته اعتبر الخبير المصرفي أيمن أحمد اعلان بنك السودان باصدار عملة جديدة ،عمليا يعني تنفيذ تغيير العملة،  وأعرب في حديثه ل(الأحداث) عن أمله في تحقيق الأهداف المرجوة من هذه العملية وأهمها السيطرة على التضخم واستعادة الثقة في العملة الوطنية من قبل المواطنين ومنظمات الاعمال وحتى المستثمرين الوطنيين والأجانب، خاصة وأن مثل هذه العمليات يتوقع معها أن تسهم فى تحقيق الاستقرار المالي على مستوى النظام المصرفي وأسواق السلع في المناطق الآمنة، في ظل توقف سوق رأس المال، وهذا بدوره  سيؤدي لمساعدة النظام المصرفي على توفير التمويل للصناعات التي قامت في المناطق الآمنة.
توقيت جيد
ووصف توقيت القرار بالجيد جدا ، وعزا ذلك لأنه أتي على خلفية استقرار سعر الصرف نسبيا بعد تفعيل عمل محفظة السلع لمدة تجاوزت الثلاثة أشهر، وتوقع ايمن ان تؤدي هذه العملية في المدى الزمني الممتد حتى فبراير القادم إلى تحسين مناخ الاستثمار المحلي وتعزيز الثقة في الجنيه بشرط استمرار تحقق الاستقرار الاقتصادي على صعيد التضخم والعوامل المؤثرة فيه خاصة سعر الصرف، ورأى ان الخطوة المهمة التالية تتمثل في تخفيف الضغط على بنك الخرطوم وبنكك واستخدام تطبيقات البنوك الأخرى، وأكد  أن نجاح البنك المركزي في تحقيق الاستقرار المالي سيجعل البلاد تدخل مرحلة إعادة الإعمار في وضع مريح وسنكون مطمئنين على قدرة البلاد على تحقيق أهداف النمو الاقتصادي الموجب وربما بمعدلات اعلى من الاقليم والقارة، واعتبر ان الأموال ذات الحجم الكبير سيكون من الصعب تبديلها ، ورأى ان المبالغ خارج الجهاز المصرفي حاليا والتي تم نهبها ليست كبيرة ومعظمها تم غسله عبر شراء شقق، دولار، ذهب،  تحويلات لكل دول العالم، مؤكدا ان كل المبالغ التي كانت موجودة فى خزن البنوك التجارية لا تتجاوز  أكثر من 10% من حجم الودائع الموجودة فى الجهاز المصرفي، وقطع بأن بنك السودان هو الجهة الوحيدة التي تعرف حجم الكتلة النقدية خارج البنوك لأنه يعلم حجم المطبوع والموجود في خزن البنوك والخزنة المركزية في كل فروع بنك السودان.    واردف”في تقديري ان حتى المبالغ المنهوبة معظمها دخل الجهاز المصرفي واغلبها في بنك الخرطوم”.
فئات غير مبرئة للذمة
من جانبه قال عميد كلية الاقتصاد بجامعة السودان د.عبدالعظيم المهل انه كان لديه رأي ومازال أن تكون الورقتين فئتي ألف جنيه وخمسمائة جنيه غير مبرئة للذمة، وقال “قلنا ذلك قبل سنة ونصف مع بداية عمليات النهب من قبل المليشيا للبنوك والمؤسسات الحكومية والخاصة والبيوت وغيرها،وغير مبرئة تعني عدم مقدرته على شراء دولار أو ذهب أو بيت او ارض أو غيرها وعليه التوجه فورا إلى  البنك لتحويلها ومن ثم يمكنه الشراء بها” ، ورأى ان التغيير الحالي سيدفع (النهّابة) من غرب أفريقيا لشراء الذهب والدولار وبالتالي ارتفاع سعرها في السوق بل حتى الأصول الأخرى سيرتفع سعرها بسبب النهابة،غير ان المهل عدّها فرصة مواتية للحوسبة الكاملة وعودة النقود الى النظام المصرفي وعدم السماح بتداول الارقام الكبيرة “كاش” كما يحدث في الدول الأخرى.
تحذير من خطورة الخطوة
وحذر الخبير المصرفي وليد دليل من خطورة طرح عملة جديدة بهكذا قيمة عالية، وقال في حديثه ل(الاحداث) “خطوة خطرة جدا بالحسابات الاقتصادية”، ورأى أن هذا يعني أنه سيكون هنالك اندثار وانحصار في استخدام العملة الصغيرة من قيمة 500- 200- 100، ما عده سيولد تضخم  اقتصادي وارتفاع الاسعار للمواد ذات القيمة القليلة، لافتا الى انه لو كانت خطوة البنك بتفعيل كارت الفيزا وتسهيل نقل الاموال بين البنوك لكانت بهكذا خطوة توفر ملايين الدولارات التي كلفت طباعة ورقة العملية الجديدة. وأكد أن هنالك مخاوف من الخطوة القادمة للاقتصاد السوداني بخفض قيمة الجنيه السوداني، وتابع “هذا يعني كارثة اقتصادية أخرى وخصوصا السودان يعتمد على الاستيراد، مشيرا إلى أن الطبقة الوسطى ستتحول إلى الطبقة الفقيرة والطبقة الفقيرة ستتحول إلى الطبقة المعدومة، وأضاف “نحن مقبلين على مشروع اقتصادي يدار من قبل أشخاص لا يملكون الخبرة الكبيرة من أجل الخروج من هذه الأزمة”.
وانتقد عدم طرح الحكومة حتى الان حلول عملية من أجل المساعدة على تقليل الخسائر والانتقال إلى الحلول العملية باقل الخسائر، منوها ان في دول العالم المتحضر يتم العمل على تقليل الكتلة النقدية والانتقال للاموال الالكترونية والحسابات البنكية لما تكلف هذه الكتلة من اموال لنقلها وإعادة طباعتها وتفعيل التطبيقات البنكية للحد من تداول النقود الورقية ورفع سقف التحويلات والرجوع إلى نظام تحويل الرصيد عن طريق الهاتف النقال كلها حلول يمكن تطبيقها بدلا من طباعة النقود.
ورأى الأمين العام لديوان الضرائب الاسبق احمد آدم سالم ان قرار بنك السودان تأخر الى 18 شهرا من بداية عملية نهب المصارف وبيوت وممتلكات المواطنين ،حتى هربت معظم الأموال المنهوبة أو تم تحويلها الى الدولار والذهب أو شراء العقارات والمتحركات خارج السودان ، مبينا في حديثه ل(الاحداث) أن التغيير جاء بالفئات الكبيرة (1000-500) بغرض سحب الفئات القديمة من التداول ، واعتبر أن ذلك يعني استمرار عملية تزوير العملة الذي يعتمد على الفئات الكبيرة، منوها إلى أن البنك حتى الآن لم يحدد بداية التغيير ومتى يتم التوقف عن التعامل بالفئات القديمة بل جعلها مفتوحة.
خطوة مهمة
وثمن الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، استجابة البنك المركزي اخيرا لما ظلوا ينادون به مرارا وتكرارا من فترة بعيدة، وأضاف “أن تأتي متأخرا خيرا من إلا تأتي البتة،  واعتبرها خطوة مهمة خاصة وأن الدولة لديها الإمكانية لطباعة هذه الفئة وقد لا تحتاج لطباعة فئات كثيرة بعد نهاية  الحرب حيث يكون هناك عقد نظر في العملة في التركيبة الفئوية للعملة واستبدال العملة استبدالا كاملا، وتساءل الناير :”حاليا التفكير في نهاية الحرب بعدها هل ستبقي على العملة أم ستحذف اصفار؟”، واكد أن خطوة بنك السودان المركزي بشأن العملة خطوة ممتازة من شأنها ان تعالج خلل ظل مزمن في القطاع المصرفي السوداني من قبل الحرب بوجوود اكثر من 90% من الكتلة النقدية خارج إطار النظام المصرفي مقابل أقل 10% فقط بحوزة المصارف وهي معادلة مشوهة وتسهم بشكل كبير في عدم الاستقرار، واردف”إذا هذه الخطوة ستعالج قضية مزمنة أو مستمرة من قبل الحرب وكذلك ستعالج قضية اكتشاف التزوير لكل الفئات التي تم تزويرها سيتم اكتشافها باعتبار أن هذه الفئات ستأتي للبنوك وموظفي البنوك مدربين تدريب كامل على اكتشاف التزوير ولديهم ماكينات التي يمكن أن تسهم في كشف التزوير عكس المتعاملين في النشاط التجاري ليس لديهم القدرة على كشف التزوير أيضا المبالغ التي تم نهبها رغم أن نسب كبيرة منها تم تحويلها لنقد اجنبي أو ذهب أو غيرها لكن المتبقي الموجود الآن سيتم معرفة مصدره وبالتالي أكد ان البنوك لديها الحق في معرفة مصدر الأموال ، وشدد الناير على أن  لا يتأخر البنك المركزي في بداية تنفيذ هذه الخطوة لأنها قد تجعل الذين لديهم هذه الأموال يسرعون الخطى للتخلص منها أو استبدالها بنقد أجنبي أو غذاء وهو ما سيشكل ضغط بالنسبة للذهب والنقد الأجنبي لذلك لابد من اسراع الخطى للتنفيذ، واشار الى أن من أفضل بنود هذا القرار هو إيداع هذه المبالغ في البنوك والتعامل إلكترونيا هي خطوة ممتازة جدا لكن تتطلب تحسين لمستوى الشبكات وانتشارها وتحسين دور الشبكات حتى لا يتضرر المواطن من عدم استطاعته التعامل في ظل تدني مستوى الشبكات وغيرها وهو ما يتطلب جهد كبير، الجهد الآخر في تسهيل إجراء فتح حسابات لكل المواطنين وهي تحقق الشمول المالي وكل الدول حاليا تمضي نحو الشمول المالي اي فتح حسابات مصرفية لكل المواطنين.
فرق بين الاستبدال والتغيير
من ناحيته اوضح احمد العنان رئيس شعبة مصدري الصمغ العربي ان التأثيرات الاقتصادية المتوقعة انخفاض الدولار وذلك بقلة المعروض من العملة المحلية للشراء والبيع وكمخزن للقيمة
،انخفاض اسعار العقارات
مضيفا ان المطلوبات تكامل السياسات النقدية مع المالية،فإذا وفر الاستبدال لك فرصة معرفة المعروض من النقود يتطلب الأمر معرفة الناتج الاجمالي المحلي حتى تضبط حركة دوران النقود، لقفل ثغرة عرض النقود لابد من تحجيم الصرف الحكومي ما أمكن لان الحكومة أكبر مشتري،وتكون المصروفات على موارد حقيقية مما يتطلب النظر في الأمر الضريبي والرسوم حسب أهمية القطاع، للاستفادة من دخول الكتلة النقدية للجهاز المصرفي لابد من تكوين رصيد من العملات الصعبة  وشراء حصائل الصادر بأسعار تشجيعية من قبل الدولة،
-لا يكون هم بنك السودان خفض الدولار بدون سقف لأن ذلك يؤدي إلى زيادة التكاليف وقلة النشاط الانتاجي بل توقف معدلات النمو…يمكن لبنك السودان أن يحدد سقف للدولار لكل فترة لا تتجاوز الحدود الآمنه لاستمرارية النشاط الاقتصادي.
ورأى أن من الحكمة عدم ترك الامور تسير بعفوية.
وأعرب عن أمله في تكوين لجنة متخصصة من بنك السودان ووزارة المالية والقطاعات الانتاجية لإصدار تشريعات وسياسات حسب معطيات الواقع الناتج من استبدال العملة ولأن الاقتصاد علم بدائل إن لم تسد الثغرات قد تأتي النتائج عكسية تماما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى