تعديلات الوثيقة الدستورية.. أن تأتي متاخرا خير من ألا تأتي

 

الأحداث – وكالات 

أعتمد الاجتماع المشترك لمجلس السيادة ومجلس الوزراء حزمة التعديلات الدستورية على الوثيقة الدستورية لسنة 2025م, حيث صادق عليها الفريق أول عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان رئيس مجلس السيادة بوصفه رأس الدولة, وقد تم نشر التعديلات بالجريدة الرسمية لجمهورية السودان وأصبحت نافذة معمول بها من تاريخ إجازتها واعتمادها والمصادقة عليها.

تساؤل مهم:

وربما ثار تساؤل مهم لماذا جاءت هذه التعديلات على الوثيقة الدستورية في هذا الوقت بالذات ؟وهل هناك ضرورة موضوعية لها؟ والإجابة على التساؤل لابد من التقرير ابتداءً بأن هذه التعديلات قد فرضتها ضرورات موضوعية, فصحيح أن الوثيقة الدستورية قد تم تعديلها عدة مرات منذ إجازتها بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير

‬ وتكونت بينهما شراكة سياسية أفضت إلى تشكيل الحكومة برئاسة الدكتور عبدالله آدم حمدوك لكن من الواضح أن بالوثيقة الكثير من المواد التي كانت بحاجة للتعديل منذ الأشهر الأولى لتطبيقها كما أن هناك مؤسسات دستورية كان من الضروري تكوينها كالمحكمة الدستورية والمجلس التشريعي القومي وبعض المفوضيات كالمفوضية القومية للانتخابات ومفوضية المراجعة الدستورية وهذه كلها مؤسسات تمهد الطريق نحو التحول الديمقراطي ونحو تحقيق الديمقراطية المستدامة.

فرضتها الضرورات:

عموما هذه التعديلات فرضتها التطورات الكبيرة التي حدثت بالبلاد عقب الانقلاب الذي قامت به قوات الدعم السريع, ولما فشلت شرعت في تنفيذ الخطوة التالية وهي الدخول في حرب شاملة ليس ضد المؤسسة العسكرية الرسمية والمؤسسات المساندة لها فحسب بل ضد كل الشعب السوداني وممتلكاته العامة والخاصة وفي معظم أنحاء السودان, حيث مارس التمرد قتلا وسحلا وتشريدا واغتصابا وانتهاكا للحرمات وتعطيلا وتخريبا للبنيات التحتية علاوة على ما لحق بكل الشعب من أثار نفسية ومعنوية.

ونخلص إلى أن هذه التعديلات وإن جاءت متأخرة فإن تأتي متاخرا خير من ألا تاتي.

مشروعية التعديلات:

بمجرد أن صدرت التعديلات على الوثيقة الدستورية حتى واجهتها انتقادات من بعض الوسائط الإعلامية والسياسية وهذه الانتقادات منها ماهو شكلي وبعضها موضوعي, ولكن معظمها يمكن الرد عليه ولعل أكثر انتقادات وجهت إلى التعديلات هي عدم مشروعيتها بإعتبار أنها لم تجاز بواسطة الجهاز التشريعي القومي وبالطبع فان هذا الانتقاد مردود عليه من الوثيقة الدستورية نفسها والتي نصت إلى حين قيام المجلس التشريعي القومي يقوم مجلسا السيادة والوزراء بإجازة القوانين والمراسيم والقيام بكل التدابير التشريعية في اجتماع مشترك, ومن المعلوم أن المجلس التشريعي القومي لم يتم تشكليه منذ إجازة الوثيقة الدستورية وحتى الآن نسبة للظروف السياسية المعلومة والتي مرت بالبلاد والتي أدت لإتخاذ رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة لإجراءات 25 أبريل2025م والتي أعقبتها الكثير من التطورات.

أبرز معالم التعديلات:

ومن اللافت للنظر في تعديلات الوثيقة الدستورية أن المشرع استدرك الكثير من الاستدراكات إذ فرضت قوى إعلان الحرية والتغيير الكثير من المواد في الوثيقة الدستورية على شريكها وقتها المكون العسكري مما زاد من الاحتقان بينهما حتى انفضت شراكتهما بالإجراءات التي اتخذها القائد العام رئيس مجلس السيادة في 25 إكتوبر2021م ولكن بعض هذه متضمنة في الوثيقة مما حتم على المشرع الغائها أو تعديلها بحسب متقضيات الحال, ولعل النص الخاص بالقوات المسلحة والذي جاء في المادة (35) قد حسم الجدل حول وضعية القوات المسلحة والقوات الأخرى والتي كانت محلا للخلاف بل كانت سببا مباشرا في إندلاع الحرب الماثلة الآن, حيث أثارت قوى إعلان الحرية والتغيير في الاتفاق الاطاري مسألة تبعية المؤسسات الاقتصادية ومنظومته الصناعية الدفاعية ووضعية ودمج قوات الدعم السريع وقد فطن المشرع لكل ذلك فجاء نص المادة 35 كالآتي:

(1)القوات المسلحة السودانية جيش مهني محترف وهي قوات نظامية احترافية غير حزبية تدافع عن النظام الدستوري وسيادة حكم القانون والحكم المدني الديمقراطي وحقوق الإنسان والدفاع عن البلاد في مواجهة التدخلات الخارجية والداخلية وتسهم في مجابهة حالات الطوارئ المحددة قانونا.

(2)تتولى القوات المسلحة إدارة الصناعات الدفاعية والمؤسسات الاقتصادية التابعة لها.

(3)يجب قبل إنقضاء ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية دمج أي قوات مسلحة عسكرية وشبه عسكرية في السودان داخل القوات النظامية وعلى الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا أن تتحول إلى كيانات سياسية وفق القانون ووفق متطلبات اتفاق سلام جوبا.

وبهذا التعديل تكون الوثيقة الدستورية قد حسمت أهم القضايا التي أثارت المشكلات السياسية التي شكلت معضلات أساسية خلال الفترة الانتقالية والتي تمددت سنواتها ولم تنتهي إلى أن قامت الحرب, وبهذا التعديل والذي جاء متوافقا مع مطلوبات المرحلة يكون قد تم التوافق على صيغة مرضية لكل علاقات أجهزة الحكم العسكرية والمدنية في الفترة الانتقالية على أن يأتي البرلمان المنتخب بما يراه مناسبا لكل مؤسسات الحكم المدني الديمقراطي المرتقب.

تعديلات أخرى مهمة:

تضمنت تعديلات الوثيقة الدستورية لسنة 2025م عددا من المواد المهمة والخاصة بوضعية الشرطة وأدوارها وفق الدستور والقانون وبما يمكن كل مكوناتها (العامة, الجمارك, الحياة البرية, السجون, والمعارف والمتخصصة) من الإطلاع بأدوارها في تطبيع الحياة المدنية, وكذلك الوضع لجهاز المخابرات العامة بما يحقق أن أدواته الخاصة بالأمن الداخلي والخارجي وجمع المعلومات وتحليلها وفق الاستراتيجية الوطنية للدولة لاسيما أن السودان بموقعه الجغرافي الاسترتيجي وثرواته الظاهرة والمخبؤة أصبح عرضة للمطامع الدولية فجاءت التعديلات مستوعبة لذلك, وكذلك من التعديلات في الوثيقة الدستورية أنها أعادت لوزارة العدل وضعيتها الطبيعية المتمثلة في تعزيز سيادة حكم القانون وولايتها على أعمال الدولة القانونية.

 

نقلا عن “أصداء سودانية”

Exit mobile version