تشاد: تعديل دستوري مثير للجدل

السفير عطا المنان بخيت

فى الثالث من أكتوبر الجارى عقد البرلمان التشادى بغرفتيه العليا والدنيا، إجتماعاً هاماً قاطعه نواب الأقلية المعارضة، واعتمد الإجتماع تعديلاً مهما فى الدستور التشادي، أهم بنوده هو تمديد فترة ولاية الرئيس محمد كاكا من خمس سنوات إلى سبع سنوات، دون تحديد عدد الدورات الرئاسية، مما يتيح للرئيس أن يحكم دون قيد زمنى. وقد عبر أحد نواب الأغلبية عن ذلك بإقتراح أن يقر البرلمان تسمية الرئيس كاكا رئيساً مدى الحياة. وبموجب التعديل أيضا، تم تمديد دورة البرلمان من خمس سنوات الى ست سنوات.
التعديلات ستطبق بأثر رجعى، بمعنى أن الرئيس دبى ستصبح ولايته الحالية سبع سنوات، بالرغم من أنه إنتخب العام الماضى لولاية مدتها خمس سنوات، وسيسري ذات الحكم على ولاية أعضاء البرلمان.
أثار هذا التعديل ضجة قانونية واسعة فى تشاد، بين مؤيدي الرئيس والذين يرون أن التعديل هو إجراء فني من اختصاص البرلمان، وبين المعارضة التي ترى في التعديل بداية التمكين لعائلة دبى لحكم البلاد بلا حدود.
نقدم فى هذا المقال عرضاً موجزاً لمواقف القوى التشادية المختلفة من تعديل الدستور، وتحليلاً لمآلات الوضع السياسي فى تشاد.
يمكن القول أن السلطة جاءت منقادة إلى الرئيس محمد كاكا، دون ترتيب منه، فقد وضع موت الرئيس إدريس ديبي المفاجئ فى أبريل 2021، البلاد كلها على مفترق طرق عسير, ولو كان الوضع الأمني فى تشاد حينها هادئا، كما هو الآن، ربما لا يصل الرئيس كاكا للسلطة أبداً. وذلك لأن الدستور (2005) ينص أنه فى حالة غياب الرئيس يتولى رئيس البرلمان السلطة لمدة 60 يوماً، تنظم بعدها إنتخابات عامة. ولكن الوضع الأمني في ذلك الوقت، كان دقيقا جدا ويهدد كيان وبقاء الدولة التشادية. لذلك توافق قادة الجيش وحكماء البلاد وأصدقاء تشاد على تنصيب محمد كاكا خلفاً لوالده لإدارة فترة إنتقالية تحفظ الأمن وتحقق الإستقرار ثم تُجرى إنتخابات رئاسية.
نجح المجلس العسكري بقيادة ديبى الإبن فى حفظ الأمن وحقق قدرا من الإستقرار رغم التحديات الأمنية التى لا تزال ماثلة، ولكن فى سبيل ذلك عطل الدستور، وحل البرلمان، وأدار البلاد بوثيقة ميثاق إنتقالى. فى العام 2022، فتح المجلس العسكرى صفحة مهمة للحوار مع فصائل المعارضة التشادية المسلحة والسياسية، فيما عرف بحوار الدوحة، وكانت مبادرة مهمة أقنعت عدداً كبيراً من المعارضين، بمن فيهم حاملي السلاح، بالعودة إلى الوطن الأم. وأفضى حوار الدوحة إلى حوار جامع فى العاصمة أنجمينا أطلق عليه الحوار الوطنى التشادى.
من أهم نتائج الحوار الوطني إعداد مسودة دستور جديد، إعتمد فى إستفتاء فى العام 2023، وهو الدستور الذى أتاح للرئيس كاكا الترشح فى العام 2024 والفوز فى الإنتخابات ليكون رئيساِ منتخباً. هذا هو بإختصار شديد التطور السياسي فى تشاد منذ اغتيال الرئيس إدريس ديبى الأب، وحتى إنتخاب ديبي الإبن رئيسا.
يرى مؤيدو الحكومة أن التعديلات التى أجراها البرلمان هى تعديلات فنية، لأن دستور 2023 الذى وافق عليه الشعب التشادى أقر فى إحدى بنوده تعديل الدستور، وعليه فإن التعديل مهما كانت أهميته لا يحتاج إستفتاءً آخر. وبالمقابل يرى أعضاء فى البرلمان مثل العضو باهيمى باداكى ألبرت، وهو سياسى مخضرم ورئيس وزراء، ورئيس برلمان سابق، أن البرلمان ليس مؤهلاً لإجراء تعديل دستوري بهذا العمق، ويؤكد أن المادة 282 تنص بوضوح على أن مثل هذه التعديلات لا تتم إلا عبر إستفتاء شعبي. أما جمهور المعارضة فيرى أن هذا التعديل هو إنقلاب على نتائج الحوار الوطني الجامع، وانتكاسة لحوار الدوحة.
بالنظر للحراك السياسي الراهن، فى الفضاء الأفريقي، فإن التعديلات الدستورية فى تشاد، تسير عكس رياح السياسة الأفريقية الحالية، فنظام العائلة الواحدة التى تحكم بلدا، قد أثبت فشله وإنتهى كما شاهدنا فى الغابون والكنغو الديمقراطية، وفى توغو وغيرها، كما أن نظام الحزب الواحد الحاكم الذى يحتكم للشرعية التاريخية، بدأ يتداعى بشكل ملفت كما في جنوب أفريقيا وأنجولا وموزمبيق ومن قبل في السنغال ومالى وغينيا وغيرها. وأن الرؤساء الذين جعلوا السلطة حقاً مكتسباً كما في الكاميرون وغينيا الإستوائية والكنغو، وضعوا بلدانهم في فوهة بركان مشتعل.
إن تمديد ولاية الرئيس لسبع سنوات بسقف مفتوح، من شأنه أن يضيق أفق المشاركة والتداول السلمي للسلطة، ويعزز الشعور بالإقصاء والإحباط والميل للعنف، سيما فى بلد معظم سكانه من الشباب المتطلع للتغيير والتجديد.
إن نظام الرئاسة لمدة سبع سنوات هو نظام فرنسى طبق مع الجمهورية الخامسة، ولكن فرنسا نفسها شعرت بمساوئ هذا النظام فعدلته لتكون ولاية الرئيس خمس سنوات تجدد مرة واحدة فقط.
وبقى أن نقول، أنه إذا كانت الحكومة التشادية ترى بأن حسم الولاية الرئاسية ضروري لتنفيذ برنامجها لمواجهة مشكلات تشاد المعقدة، واستخدمت تفوقها البرلماني فى ذلك، فإن المعارضة التشادية المقسمة أصلا لا تملك أية كروت ضغط لإصلاح أو تغيير الواقع السياسي الراهن الذى تراه منكراً.

Exit mobile version