الأخبار

تداعيات وآثار زيادة أسعار المحروقات الأخيرة اقتصادياً وغيرها

د.على الله عبدالرازق على الله

محلل اقتصادي ومالي

alalla@gmail.com

1
منذ تسلم حكومة الفترة الانتقالية لزمام السلطة بعد زوال النظام السابق ، و بالرغم من تهيؤ المناخ حينئذ ، فى أغسطس ٢٠١٩ ، اتت بكابينة من التنفيذيين مستلبة التوجه ، هذا فضلا عن عدم تكليف نفسها عناء ، اعلان خطة أو برنامج فى الشأن الاقتصادى لمعالجة وضعه المأزوم و المتدهور فى كافة مؤشراته الاقتصادية الكلية حينها ، لتكون خطة هادية وخارطة مسار لتصحيح الوضع الاقتصادى المشوه ، وقد اكتفت بإعلان بسيط و مغتضب ، و هو ما عرف بالأولويات العشرة حينها ، و لاحقا أعلنت برنامج المئتي يوم المشهور لوزير المالية الاسبق ، الذى تبنى خط سياسات اقتصادية تعلى من شأن الخارج ، لاعتبارات تخدم مصالح خاصة ، غير معلومة المآل ومجهولة المصدر ، و ذلك بالاعتماد على الاصدقاء الدوليين ، و قد اتضح ذلك من خلال تصريحاته المتكررة عبر وسائل الاعلام المختلفة والتي ادعي فيه ، ان الاصدقاء الدوليين جاهزين لدعم الانتقال فى السودان المعاصر ، من ناحية الاقتصاد او غيرها ، وأكد ان المؤسسات المالية الدولية تحت الخدمة و الارتهان ، و هى مستعدة لتقديم العون والمساعدة المالية و الفنية للسودان …
2
ان قرار وزارة المالية او غيرها الاخير ، فيما يتعلق بالزيادة المتواصلة و على مدار الشهر فى اسعار المحروقات ، و بعدها ، اصدار مؤسسة النفط السودانية او غيرها توجيهات ، بأن تحدد اسعار المحروقات بنفسها ، و بناء على اسعار الصرف السائدة او ان شئت السوق الموازى او الحر…
فى الظن و بعد سريان هذا القرار الطبيعى كاثر لعدم إمكانية الحكومة توفيرها لموارد نقد أجنبى لشراء المحروقات ، كنتيجة طبيعية لشح احتياطاتها ، ان ترتفع اسعار المحروقات ، كاستحابة ضرورية لاعتبارات عجز الموازنة العامة للدولة المتنامي بصورة مستمرة ، و تمشيا مع سياسات مؤسسات التمويل الدولية .. يتوقع بعد هذه الزيادة الكبيرة جدا فى اسعار المحروقات والتي تجاوزت نسبة ١٠٠٠% ، و التى هى عرضة للتغير وفقا للتغيرات فى سعر الصرف فى السوق الموازى او بعد التحرير الكامل لسعر الصرف مؤخرا ، و وفقا للزيادة او النقصان فى اسعار المشتقات النفطية فى السوق العالمى….
3
بعد هذا القرار و الإجراءات الاقتصادية القاسية التي سبقته بشهور ، و الذى هو فى الظن لم يراعى اعتبارات اداء مؤشرات إقتصادية كلية كثيرة ، و اسقاطاتها على مستوى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ، و تأثير ذلك على القطاعات الإنتاجية الحقيقية المؤثرة فى معدلات النمو و أداء المؤشرات الاقتصادية لموازنة ٢٠٢٢ ….بالضرورة ستنعكس اثر هذه الزيادة الكبيرة جدا فى أسعار المحروقات ، على المستوى العام للأسعار ، وبالتالي معدل التضخم واللذان وصلا إلى ارقام فلكية اوصلتنا بلا منازع إلى المرتبة الثانية على مستوى العالم في معدل التضخم.
ولم تسبقنا في هذا المضمار غير فنزويلا ، و حتما” سيؤدي ذلك إلى تدنى القدرة التنافسية للمنتجات السودانية في السوق العالمي ، هذا بجانب تحمل المواطنين بالداخل لتكاليف معيشة و صعوبات حياة و معيشية قاسية جدا ، لأجل مواكبة الارتفاع العنيف فى المستوى العام للأسعار فى المدى القريب ، و من اكثر الفئات التى سوف تتأثر اثرا بليغا ، فئة الفقراء ، و محدودى الدخل ، الذين تمثل نسبتهم اكثر من ٨٠% من سكان السودان في الراهن المعاصر ….
4
الجدير بالذكر ، ان هذه الزيادة الكبيرة فى أسعار المحروقات الاخيرة ، حتما ستؤدى بالضرورة الى حدوث مرونة طلب تقاطعية ، و ممتدة الاثار ، و نتيجة ، ذلك سوف تتمثل فى التخفيض المستمر فى السلع الاستراتيجية ، مهما ارتفعت أسعارها ، و ذلك باعتبارها من مجموعة السلع ذات الطلب عديم المرونة ، مما يؤدي الى ضغوطات اقتصادية كبيرة ، نتيجة الطلب الكلى المتزايد ، في ظل تناقص جانب العرض من الوقود و المشتقات النفطية ، بفعل هيمنة احتكار القلة في القطاع الخاص ، الذى يتمثل هدفه الرئيس فى تعظيم ارباحة باى وسيلة ، و بنفعية ممعنة ونهم مقيت …
5
ان تكلفة دعم المحروقات فى السودان حوالى ٣٠٠ مليون جنيه شهريا ، اى نحو 800 الف دولار او اكثر فى السنة بسعر الصرف الحالي ، حسب افادة وزير المالية الاخير ، بناء على تحديثات و تطورات الاعوام السابقة ، يمثل الجازولين ٦٠% ، و البنزين٢٥% ، و غاز الطبخ ١٠% ، و الأخرى ١١%…و بالتالى ظلت وزارة المالية تدعم تسعيرة فرق الأسعار ، و ظل هذا الدعم ضمنيا و مستترا ، لا يظهر فى حسابات الموازنة العامة للدولة ، ظلت هذه السياسة مستمرة منذ العام ٢٠١٢ و حتى ٢٠٢٠ ، و حتى وصل هذا الدعم الى الى اكثر من ثلاث ارباع عائدات الضرائب ، فى ظل غياب للتسعيرة بناء للتطورات العالمية فى الأسعار العالمية…… بينما ظلت الحكومة السابقة تقوم بتخفيض سعر الصرف ، و كانت نتيجة ذلك أن وصلت المديونية لبعض الشركات الصنيية و غيرها لاكثر من أربعة مليار دولار…..
– *٦* –
ظلت حكومة الفترة الانتقالية الحالية منذ بداية تأسيسها مشغوله بالمحصاصات السياسية ، و الحزبية، و الجرى وراء اقتسام الكعكة السياسية و الثرواتية ، للأسف لم تتنبه حكومة الفترة الانتقالية النسخة الأولى منذ مجيئها ، للقيام بمهمة الإصلاح الاقتصادى التدريجي ، المدروس و لم تقود حوارا شفافا” ، و للأسف لم يشرك اهل الخبرة و الإمكانيات العلمية و العملية المتميزة ، بل انجرفت ، و انجرت وراء سياسات صندوق النقد الدولي ، و البرنامج المراقب SMP و برنامج التسهيل الاتنمائى الممتد ، كبرنامج للاصلاح الاقتصادى. و بالنظر لسياسات صندوق النقد الدولي المطبقة فى السودان منذ العام ١٩٧٨ ، و من خلال أداء هذه السياسات فى التطبيق و الممارسة ، اثبتت الدراسات ان فعالية هذه السياسات فى بيئة اقتصاد السودان ، لا علاقة لها بالأسباب و الاختلالات الهيكلية للاقتصاد السوداني التاريخية و المؤرثة منذ الاستقلال ….
– *٧* –
يتوقع من جراء قرار رفع الدعم و تحرير الوقود كلية الاخير ، ان تظل حكومة الفترة الانتقالية الحالية ، مواجهة بالتحديات و الصعوبات الاجتماعية و السياسية و غيرها ، الناتجة من اثر هذا القرار على معاش المواطنين ، والذي يتطلب ضرورة الاهتمام بتفعيل شبكات الامان الاجتماعى ، لصعوبة و مشقة تلكم القرارات على الشرائح الضعيفة من مجتمع اهل السودان ، الذى صار جل و اغلب اهلة فقراء و جوعى ، و معدلات بطالة مرتفعة باستمرار و مظاهر إنسانية يدنى لها القلب..
– *٨* –
لذا على حكومة الفترة الانتقالية الحالية الداعية و المستندة على مفردات و شعارات العدالة و الحرية والديمقراطية و السلام ، ان تهتم ببرامج لتخفيف اثر الأعباء المعيشية القاسية ، من خلال تفعيل آليات تقديم الدعم النقدي للفقراء ، الذين وصلو الى نسبة كبيرة جدا من الشعب السودانى ، سواء برنامج ثمرات المنتهية صلاحيتةاو غيره ، لابد من المزيد المشاريع الإنتاجية و اعمال الفكر الاستثماري التطويري و استغلال موارد هذا البلد ، لا الاستهلاكية ، و ضرورة تشجيع برامج التعاونيات الإنتاجية و الاستهلاكية بصورة متلازمة ، وإن يبني ذلك على نحو علمي و وواقعي ، و ضرورة الإستفادة من تجارب الدول الشبيهة فى هذا الشأن..
*٩* –
ينبغى على حكومة الفترة الانتقالية الحالية ، و فى هذه الايام العصيبة على اهل السودان اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا ، و فى ظل هذا المنعطف الخطير سياسيا ، ان تدرك اهمية الدعم و الموازرة ، و الاهتمام بالدعم الجماهيري ، مساندة لا تخويف من المستقبل، و اجزال الدفع المعنوى للجماهير المرهقة ، و قبل ذلك تبنى سياسة إعلامية شفافة ، تحترم هذا الشعب الذى أهدى للعالم اعظم ثورة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى