تقارير

تحليل سياسي: ماذا يعني انسحاب إريتريا من «إيغاد»؟

لا يُعد إعلان إريتريا انسحابها النهائي من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) خطوة إجرائية معزولة، بل يمثل تحولًا سياسيًا محسوبًا يعكس تصدعًا أعمق في منظومة العمل الإقليمي في القرن الأفريقي، ويكشف حدود قدرة إيغاد على لعب دور توافقي في بيئة إقليمية شديدة الاستقطاب.

أولًا: رسالة سياسية أكثر من كونها مؤسسية

توقيت الانسحاب مهم. فالمنطقة تشهد:

•حربًا مفتوحة في السودان،

•توترات مستمرة في إثيوبيا رغم اتفاق بريتوريا،

•هشاشة أمنية في الصومال،

•وتنافسًا إقليميًا ودوليًا متصاعدًا (الإمارات، تركيا، إيران، الولايات المتحدة، الصين).

في هذا السياق، ترى أسمرة أن إيغاد لم تعد منصة محايدة، بل أداة تُستخدم – من وجهة نظرها – لتمرير أجندات دول بعينها، خصوصًا كينيا وإثيوبيا في بعض الملفات، وهو ما يتعارض مع العقيدة السياسية الإريترية القائمة على رفض التكتلات الضاغطة وتفضيل العلاقات الثنائية الصلبة.

ثانيًا: السودان في قلب الخلاف

رغم أن بيان إريتريا لم يذكر السودان صراحة، إلا أن ملف الحرب السودانية يمثل أحد محاور التوتر الرئيسية مع إيغاد:

•إريتريا تنظر بريبة إلى مسار الوساطات الذي تقوده إيغاد، وتراه منحازًا سياسيًا لبعض القوى المدنية والعسكرية.

•أسمرة ترفض أي مسار يُبقي على قوى مسلحة خارج إطار الدولة أو يمنح شرعية لمليشيات، وهو موقف ينسجم مع خطابها الأمني الصارم.

•كما تخشى أن تُستخدم إيغاد لفرض تسويات إقليمية مدفوعة خارجيًا لا تراعي موازين القوة الحقيقية.

ثالثًا: فشل إيغاد البنيوي

انسحاب إريتريا يعيد تسليط الضوء على أزمات إيغاد المزمنة:

•ضعف آليات الإنفاذ والالتزام القانوني،

•تسييس الوساطات،

•غياب الإجماع بين الدول الأعضاء،

•وتحوّل المنظمة إلى منتدى بيانات أكثر من كونها أداة فعل.

وهذا يطرح سؤالًا جوهريًا:

هل ما زالت إيغاد قادرة على إدارة نزاعات معقدة كحرب السودان؟

بالنسبة لإريتريا، الجواب أصبح واضحًا: لا.

رابعًا: إعادة تموضع إريتري

الانسحاب لا يعني عزلة، بل إعادة تموضع:

•تعزيز التنسيق الثنائي مع دول مختارة (روسيا، الصين، وربما بعض دول الخليج).

•تقليص الانخراط في أطر إقليمية متعددة الأطراف تُقيّد هامش الحركة.

• التمسك بخطاب السيادة ورفض «الهندسة السياسية الخارجية».

خامسًا: التداعيات الإقليمية

1.إضعاف إضافي لإيغاد في لحظة حرجة.

2.تعقيد مسارات الوساطة في السودان، إذ تفقد المنظمة أحد اللاعبين المؤثرين على حدود الشرق.

3.فتح الباب أمام أطر بديلة (رباعيات، مسارات عربية–أفريقية، أو تدخلات أممية أوسع).

4.تعزيز مناخ الاستقطاب بدل التوافق في القرن الأفريقي.

خلاصة

انسحاب إريتريا من إيغاد ليس خلافًا إداريًا، بل اتهامًا سياسيًا مباشرًا للمنظمة بفقدان الحياد والفاعلية. وهو مؤشر على أن النظام الإقليمي في القرن الأفريقي يدخل مرحلة تفكك مؤسسي، حيث تتراجع الأطر الجماعية لصالح الحسابات السيادية والتحالفات المرنة.

وبالنسبة للسودان، فإن الرسالة أخطر:

كلما ضعفت إيغاد، تضاءلت فرص حل إقليمي منظم، واتسعت مساحة التدخلات المتنافسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى