تحرير الجزيرة .. رسائل سياسية

 

عادل الباز

1

تحررت الجزيرة وسالت مشاعر الناس جداول.. ضحك من ضحك وبكى من بكى، وحزن كثيرون وسفوا تراب الندم على دعمهم المليشيا. تدفقت على الأسافير مقالات وكتابات كثيرة حول الجزيرة وتاريخها وأهميتها العسكرية السياسية والاقتصادية. ضحك الناس كثيراً وهم يستمعون للمتمرد يهرف بما لا يعرف ويتهم ويشتم ويتحدث عن انسحاب تكتيكي، وذلك انسحاب سيمتد حتى يصل تخوم تشاد قريباً بإذن الله.

2

دعونا ننظر للحدث وتداعياته من زاوية سياسية، فإذا كان تحرير الجزيرة عسكرياً كشف عن الخسائر التي تكبدتها الميليشيات في عتادها وجنودها ومواقعها التي استولت عليها خلال السنتين الماضيتين فلقد أدى تحرير الجزيرة لجملة من الخسائر السياسية التى لا يمكن تعويضها وخاصة لكفلاء المليشيا وحلفائها الداخليين والخارجيين، ولسوء حظ المليشيا أن تلك الخسائر جاءت في وقت دمغتها الإدارة الأمريكية فيه بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية مما يعني أن صلاحيتها السياسية في الإقليم ودولياً انتهت بل حررت لها شهادة وفاة، وأبلغ دليل هو إلغاء السلطات الكينية للمؤتمر الصحفي الذي أعلنت عنه المليشيا نهار أمس الإثنين، والذي كان مقرراً عقده بفندق راديسون بلو في العاصمة الكينية نيروبي، بحجة أن المليشيا لم تتخذ الخطوات القانونية في التصديق للمؤتمر.. مش قلنا ليكم؟

3

سياسياً، بعث تحرير الجزيرة عدة رسائل، الأولى كانت في بريد الحواضن الاجتماعية التي لا زالت تدعم المليشيات وتتوهم أن بامكانها الانتصار على الجيش السوداني والاستيلاء على البلاد، فإذا بها تتداعى أمام أنظار العالم أجمع، ولذا فإن الاستمرار في تحشيد شباب تلك الحواضن ليكونوا وقوداً لحرب المليشيا وطموحاتها غير المشروعية إنما هو انتحار سياسي وله تداعيات خطيرة على تلك الحواضن في المستقبل ويعمق من تشققات الوضع الاجتماعي الذي اهترأ أصلاً، ثم هو دعم بلا طائل، فلن تكسب المليشيا الحرب، بل ستكون هي محرقة لشباب تلك المحاضن دون أى مكاسب يمكن أن تتحقق لتلك الحواضن ولا للمليشيات.

4

رسالة سياسية أخرى للكفلاء الرسميين المليشيا وهي أن الميليشيا لا مستقبل لها وأنكم مهما دعمتموها بالمال والمرتزقة والسلاح، ليس بمقدورها الصمود، وها هي تنهار في كل وثبة من وثبات الجيش من السوكي، الدندر، لجبل موية، لسنار، لسنجة، لسنار، لبحري وها هي الآن تعرد بكل جبن من مدني، مشتتة وممزقة من كافة أنحاء الجزيرة.

5

بعد تحرير الجزيرة انتهى وكسد سوق المبادرات، فيصعب على أي دولة أو أي جهة أن تأتي لتدعو إلى مبادرة جديدة أو قديمة، إذ عصفت معارك الجزيرة بأي احتمال أن تقبل الحكومة بمبادرة جديدة والساحة السياسية أصلاً مصابة بتخمة من المبادرات، وكلها لم تجدِ فتيلا، وحتى المبادرة السعودية الأمريكية التي تمخض عنها إعلان جدة باءت بالفشل حين رفضت المليشيا تنفيذ مقررات جدة. يتوهم الواهمون أن انتصار الجزيرة يمهد الطريق للتفاوض فجاء الرد سريعاً من الفريق الكباشي من مدني (لا تفاوض مع المليشيات).

6

رسالة لدول الجوار أن هذه المليشيا التي دعمتموها وفرشتم لقائدها البساط الأحمر كرئيس دولة مستهينين بالعلاقات التاريخية بين السودان وجواره خدعتكم وجعلتكم تظنون أن بمقدورها الاستيلاء على السودان، فأقمتم لها معسكرات التدريب ومراكز التشوين والمطارات ورفضتم إدانتها بعد كل المجازر التي ارتكبتها، هاهي الآن المليشيا تتداعى أمامكم لم ينفعها دعمكم ولا تغطيتكم على جرائمها بمنع إدانتها في كل المحافل الإقليمية والدولية، ولذا الآن ينبغي عليكم التوقف عن دعمها والنظر للعلاقات التاريخية المتجذرة بين شعوب هذه المنطقة والسودان.

7

وآخر رسالة بعثت بها انتصارات الجزيرة إلى جماعة تقدم، أن رهانكم على المليشيا واتخاذكم لها كظهير عسكري تستخدمونه ضد الجيش والشعب قد باء بالفشل، ولن تقم للمليشيات قائمة بعد أن قُصم ظهرها في الجزيرة ومهما وقعتم معها المواثيق وتوليتم راية الدفاع عنها إعلامياً وسياسياً، فإن المليشيا خسرت الحرب، وليست الحرب وحدها، إنما خسرت وجودها وقبولها بين السودانيين، انتهت المليشيا وقضي أمرها الآن ومستقبلاً، أما أنتم (جماعة تقدم) فتحتاجون لمعجزة ليقبلكم الشعب كفصيل وطني من فصائله ـ ولذا خير لكم أن تسارعوا بطلب المغفرة من الشعب والتوبة سبعة مرات والاغتسال من العمالة والإقلاع نهائياً عن التحالف مع المليشيا أو دعمها بأي صورة أو الصمت على جرائمها، عسى بعد ذلك أن يرضى ويغفر لكم الشعب جرائمكم في حقه.

Exit mobile version