تحديات دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية

وليد دليل
تشهد الخدمات المصرفية للأفراد تحولات جذرية مدفوعةً بتزايد اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومحركات الأتمتة الحديثة، والإشارات السلوكية الرقمية، وأطر العمل الخاصة بالبيانات مفتوحة المصدر. وينطوي هذا التحوّل على تبسيط العمليات الداخلية، وصياغة معايير جديدة للمؤسسات المالية في تقييم مستويات الثقة، وإدارة المخاطر، وتوفير خدمات مخصصة متمحورة حول العميل.
ويتيح هذا التوجه للبنوك اعتماد منهجيات مرنة قائمة على البيانات، تسهم في تحسين مستويات الكفاءة والشفافية والاستجابة، بدلاً من النماذج التقليدية في تقديم الخدمات، لا سيما مع ضرورة اعتماد هذه الحلول المبتكرة في ضوء استمرار نمو الاقتصاد الرقمي. فقد أصبحت الأتمتة ركيزةً لتعزيز تنافسية البنوك، وامتثالها للمعايير، ومواكبتها لتطلعات الجيل الجديد من العملاء.
تبسيط العمليات مع الذكاء الاصطناعي:
لم يَعد الذكاء الاصطناعي اليوم مفهوماً خيالياً من عالم المستقبل، بل ركيزة أساسية ترتقي بالكفاءة التشغيلية للخدمات المصرفية للأفراد. وذكرت دراسة، صادرة عن ماكنزي أن الذكاء الاصطناعي يساعد البنوك اليوم على رسم ملامح جديدة لطريقة إدارة العمليات الداخلية، والتواصل والتفاعل مع العملاء، واتخاذ القرارات.
فالذكاء الاصطناعي يسهم بفاعلية في خفض أعباء العمل اليدوي وتخفيف الاختناقات التشغيلية، من خلال أتمتة المهام الروتينية مثل إدخال البيانات، والتحقق من الهوية، ومراقبة المعاملات. وتتيح هذه المزايا للبنوك تنفيذ الطلبات بصورة أسرع، مع تقليل الأخطاء وتوجيه طاقات الموارد البشرية نحو أداء المهام الاستراتيجية.
وعلى صعيد خدمة العملاء، يقدم المساعدون الافتراضيون وروبوتات الدردشة دعماً مخصصاً عالي الجودة في الوقت الحقيقي، كما يمكنهم التعامل مع مجموعة واسعة من أنماط الاستفسارات، بما فيها إدارة الحسابات وإسداء النصائح المالية، مما يؤدي إلى زيادة رضا العميل وخفض فترات الانتظار.
أما التحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، فتمكّن البنوك من اتخاذ قرارات ذكية من خلال التعرف على الأنماط المتكررة في سلوك العميل، وتوقّع احتياجاته المالية، وتوفير ما يلزمه من منتجات وخدمات استباقياً، الأمر الذي يسهم في تعميق وفاء العميل، ونمو الإيرادات، وتعزيز المزايا التنافسية.
ريادة تحول القطاع المصرفي على أرض الواقع:
تسهم الرقمنة في مختلف مفاصل القطاع المصرفي بتسريع تحول المؤسسات المالية بعيداً عن أساليب الأتمتة التقليدية نحو أنظمة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي. وقد بدأت آليات العمل الذكية وتعلم الآلة وتوليد اللغة الطبيعية ترسم ملامح جديدة لعمليات البنوك وكيفية تقديم خدماتها للعملاء. ويمكن تلخيص هذه الملامح فيما يلي:
– اكتساب العملاء أصبح أكثر سرعة وأماناً بفضل الحلول الذكية للتحقق من الهوية وتحليل المستندات المدعوم بالذكاء الاصطناعي، حيث تسهم في تقليل العمليات التلامسية وتعزيز تجربة المستخدم.
– كشف الاحتيال أصبح استباقياً بفضل خوارزميات تعلم الآلة التي تراقب أنماط المعاملات باستمرار بهدف الإشارة إلى أي نشاط غير اعتيادي على الفور.
– الموافقة على القروض أصبحت مبسّطة بفضل التحليلات التنبؤية التي تقيّم موثوقية المقترض باستخدام بياناته السلوكية والبديلة، مما يساعد على خفض حالات الانحياز وتعزيز الوصول إلى الحلول الائتمانية.
إن البنوك التي تعتمد هذه التقنيات الحديثة بوتيرة مدروسة تؤكد تحقيقها زيادة تصل إلى 30% في مستويات الإنتاجية، إلى جانب خفض التكاليف بصورة ملحوظة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحول الفعال يتطلب -إلى جانب الأدوات- الخطط الواضحة، والبنية التحتية المتينة للبيانات، والتعاون بين الأقسام والوظائف المختلفة لضمان القدرة على توسيع اعتماد هذه التقنيات، والامتثال للوائح التنظيمية، ونيل ثقة العملاء.
منظور جديد للجدارة الائتمانية
يبرز قصور النماذج التقليدية للتصنيف الائتماني في الأسواق التي يكون فيها التاريخ الائتماني محدوداً أو غير موجود على الإطلاق. وعندها، تقدم المؤشرات الرقمية، مثل اتساق مراسلات البريد الإلكتروني وأنماط السلوك واستخدام الأجهزة، بديلاً مناسباً لتقييم جدارة المقترض.
5 مؤشرات رقمية أساسية للجدارة والموثوقية:
تساعد هذه المؤشرات الأساسية، المؤسسات المالية على تقييم موثوقية المقترض وتقييم المخاطر انطلاقاً من البيئة الرقمية.
الاتساق الرقمي:
إن استقرار أنماط استخدام البريد الإلكتروني والأجهزة يشير إلى المصداقية والموثوقية.
التحقق من الهوية:
تساعد مقارنة عناوين بروتوكول الإنترنت وأرقام الهاتف على التأكد من هوية المستخدم.
المقاييس السلوكية:
تكشف سرعة الكتابة وعادات التصفح وأنماط التفاعل عن مؤشرات الثقة السلوكية.
البصمة الاجتماعية:
يمكن للحسابات العامة ومستويات التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي أن تدعم تقييمات المخاطر والتحقق من الهوية.
سجل المعاملات:
يوفر سلوك الدفع واستخدام المحفظة الإلكترونية بياناتٍ وتحليلات مفيدة تكشف الالتزام المالي وعادات الإنفاق.
تبرز أهمية هذه المؤشرات بشكل خاص في الأسواق الناشئة وبين الفئات الشابة، التي قد لا يتوفر لديها تاريخ مالي كافي تقليدياً.
إن من أبرز تحديات دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية
جودة البيانات:
عدم تكامل أو تقادم البيانات يؤثر سلبًا على دقة النتائج.
الخصوصية والأمان:
البنوك تتعامل مع بيانات حساسة تتطلب أعلى درجات الحماية.
التكلفة العالية:
تنفيذ الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والخبرات.
عدم جاهزية البنية التحتية: الأنظمة التقليدية الحالية في بعض البنوك تعيق التكامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
عدم الثقة في الذكاء الاصطناعي:
سواء من الموظفين أو العملاء، خاصة في القرارات المصيرية مثل منح القروض.
التحديات القانونية والتنظيمية: الرقابة الصارمة على بعض استخدامات الذكاء الاصطناعي تعيق التوسع فيه.
قلة الخبرات البشرية:
نقص الكفاءات المتخصصة يعوق التنفيذ السريع والفعال.
تحيّز النماذج:
تدريب الذكاء الاصطناعي على بيانات غير متوازنة قد يؤدي إلى نتائج غير عادلة.
مقاومة التغيير:
خوف الموظفين من فقدان وظائفهم قد يعرقل تطبيق الذكاء الاصطناعي.



