د. ياسر محجوب الحسين
في أروقة السياسة السودانية، حيث لا تزال البلاد تتلمس طريقها وسط الركام والدخان، تطفو من آنٍ لآخر قرارات أو تسريبات تحمل من الإحباط أكثر مما تبشر بالرجاء. ومن بين ما رشح مؤخرا، ما يتردد عن احتمال عدم إعادة تكليف الأستاذ خالد الأعيسر بحقيبة الإعلام، رغم ما أنجزه في أشهر معدودات، وكأن الذاكرة الوطنية قد أصابها مسّ من النسيان أو عمى اللحظة.
لقد أعاد الأعيسر للوزارة هيبتها، لا بالشعارات ولا بالخطابات الجوفاء، بل بالفعل الإعلامي المهني الذي وضع المؤسسة في قلب المعركة، لا على هامشها. فالإعلام في زمن الحرب ليس ترفًا أو ديكورًا وزاريًا، بل جبهة حاسمة في الصراع. وكان الأعيسر من القلائل الذين أدركوا أن معركة السودان ضد مليشيا الدعم السريع ليست فقط في الميدان، بل في الوعي، وفي سردية الدولة، وفي احتكار الحقيقة أمام طوفان التضليل.
منذ اليوم الأول، نفض الرجل الغبار عن جهاز إعلامي مترهل، كان أقرب إلى أرشيف جامد منه إلى سلاح فعّال. فتح النوافذ على العالم، أعاد الاعتبار للمهنية، ورفع الصوت السوداني الحر وسط جوقة الضجيج الإقليمي والدولي. باختصار، قدّم خالد الأعيسر نموذجًا لوزير الإعلام المحارب لا الموظف الإداري.
وإذا صحّ ما يُتداول عن نية إبعاده عن المنصب وتكليفه بموقع آخر – مهما كانت رمزيته أو وجاهته – فإن ذلك لا يُعد ترقية بقدر ما هو تعطيل لقدرات رجل أثبت أن الإعلام يمكن أن يكون أداة بناء لا معول هدم، منصة للسيادة لا بوقًا للارتباك.
فالرجل لا يُختزل في لقب ولا يُختزن في مكتب استشاري. كاريزماه الفاعلة لا تُحاصر خلف الأبواب، بل تندفع نحو الفعل والتأثير. وإن اختير غيره للمنصب، فمن يضمن استمرار الروح التي ضخّها الأعيسر في شرايين إعلام دولة ظلت تعاني من الترهل والجمود لسنوات طويلة؟
لا ينبغي أن تغرق المشاورات السياسية في شبر موية. فالمعادلة واضحة: الرجل المناسب في المكان المناسب. وخالد الأعيسر – رغم قصر فترته الوزارية – قدّم ما يكفي من الشواهد والبراهين على صوابية وجوده في هذا الموقع تحديدا. غيابه الآن، وفي هذا التوقيت الحرج، لن يكون خسارة شخصية له، بل خسارة وطنية لإعلام يقف على تخوم الحقيقة في مواجهة حرب وجود.
إن بقاء الأعيسر وزيرا للإعلام ليس ترفا سياسيا، بل ضرورة وطنية. فلا الوقت يسمح بالتجريب، ولا المرحلة تحتمل المجاملة، ولا الشعب يقبل بأن يعود إعلامه إلى ما قبل لحظة الصحوة.
فلتكن الكفاءة هي البوصلة، لا المزاج السياسي أو توازنات اللحظة. الإعلام جبهة، وخالد الأعيسر كان قائدها الأمثل.
