رأي

“بين الألم والأمل: التأمين الطبي الخاص يستعد للنهوض من جديد”

فيصل محمد عبد اللطيف
مساعد المدير العام للشركة المتخصصة للتأمين الطبي
تُعد تجربة التأمين الطبي الخاص حديثة مقارنة مع أنواع التامين الأخرى التي بدأت فعلياً في العام 1961 حيث تم تأسيس أول شركة تامين وطنية وهى شركة التأمينات العامة (سودان) المحدودة ، و بعد أربعين عاما من تجربة التامين العام تم اصدار أول وثيقة تأمين طبي جماعي في بداية العام 2001 م عبر شركة شيكان للتامين و إعادة التأمين المحدودة ويعتبر الأستاذ نصر الدين صالح ادريس هو اب التأمين الطبي الخاص كمؤسس و أول مدير عام للتأمين الطبي الخاص و ما بين تأسيس أول تجربة في بداية الألفية الثالثة و تأسيس أول شركة تامين متخصصة في التأمين الطبي في العام 2016م وهى الشركة المتخصصة للتأمين الطبي المحدودة تقف تجربة التأمين الطبي الخاص شامخة و مميزة تستحق الإشادة و الدراسة و التطوير .
أثرت حرب ابريل 2023م على جميع القطاعات الاقتصادية في البلاد وبالطبع لم يسلم قطاع التامين من الأضرار الجسيمة التي حدثت نتيجة للحرب المدمرة ة التي لا تزال اثارها ممتدة وستستمر لعدة سنوات، وقد كان التأمين الطبي من أكثر فروع التأمين تضررًا، نظرًا لاعتماده على ثلاثة أضلاع رئيسية تشكل أساس عمله واستمراريته:
1. الجهة المؤمِّنة: وهي شركة التأمين التي تتولى إدارة وتقديم خدمات التأمين الطبي، وتتحمل الأعباء المالية والخدمية تجاه المؤمن عليهم.
2. الجهة المستفيدة (المؤمن عليهم): وهم المجموعات والأسر الذين يحصلون على خدمات التأمين الطبي، ويعتمدون عليه لتغطية تكاليف العلاج والرعاية الصحية.
3. مقدمو الخدمة الطبية: وتشمل المستشفيات، والمراكز الصحية، والعيادات، والصيدليات، التي تقدم الخدمات العلاجية لمنسوبي الشركات والمؤسسات.

تعطلت العلاقة بين هذه الأطراف، مما أدى إلى توقف الخدمات وتراجع الثقة، ما يتطلب تدخلًا عاجلًا لإعادة بناء المنظومة. سنحاول في هذا المقال التطرق الى الأضرار التي حدثت لهذه الاضلاع الثلاثة وأثر ذلك على شركات التأمين الطبي والحلول المقترحة للنهوض بهذا القطاع الحيوي سريعاً لما له من آثار مباشرة على عودة الحياة وإعادة الإعمار للعاصمة والمدن المتضررة الأخرى.
أولا: أثر الحرب على شركات التأمين الطبي الخاص:( الجهة المؤمِّنة)
في اخر إحصائية للجهاز القومي للرقابة على التأمين (وهو الجهاز المعني بتنظيم عمل التأمين في البلاد) توجد عدد (19) شركة تعمل في مجال التامين منها عدد (10) شركة تعمل في التأمين الطبي بجانب التأمينات العامة الأخرى وعدد (1) شركة تعمل فقط في مجال التأمين الطبي وليس لديها أنشطة أخرى بجانب التأمين الطبي حالياً توجد عدد (4) شركات فقط عاودت نشاطها مما يعني أن 60% من الشركات أوقفت نشاط التأمين الطبي تماماً.
أبرز الأضرار التي لحقت بهذا القطاع:
1. تضرر البنية التحتية الحيوية: تعرضت شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب تأثر شبكة الاتصالات والإنترنت ومراكز البيانات، لأضرار جسيمة أثرت على جميع أطراف منظومة التأمين الطبي، مما أدى إلى تعطّل الخدمات وتوقفها بالكامل.
2. تدمير ممنهج للممتلكات والأصول: شهدت بعض شركات التأمين الطبي خسائر فادحة نتيجة أعمال الحرق والتخريب، أبرزها إحتراق كامل لمقر الشركة المتخصصة للتأمين الطبي ببرج الساحل والصحراء بمنطقة المقرن، مما أدى إلى فقدان الأصول والممتلكات.
3. تآكل رأس المال بسبب انخفاض العملة المحلية: انخفض قيمة الجنيه السوداني بشكل حاد، حيث انخفض من مستوى مستقر نسبيًا عند 560 جنيهًا مقابل الدولار في بداية الحرب في 2023م، إلى ما بين 2500 و2700 جنيه خلال عام واحد، قبل أن يتجاوز حاجز 3000 جنيه في أغسطس 2025، مما أثر سلبًا على الاحتياطات المالية للشركات وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
4. تسريح وتقليص القوى العاملة: نتيجة لتوقف النشاط في عدد من الشركات، تم تسريح عدد كبير من العاملين في مجال التأمين الطبي. أما الشركات التي استأنفت نشاطها، فقد اضطرت إلى تقليص القوى العاملة بنسبة تتراوح بين 80% إلى 90%، لتعمل بحدها الأدنى من طاقتها التشغيلية.
5. فقدان الأقساط الآجلة: تم إصدار بطاقات علاجية لعدد من العملاء خلال النصف الثاني من عام 2022 وبداية عام 2023، حيث استفادوا من خدمات التأمين دون أن تُحصّل الأقساط المستحقة قبل اندلاع الحرب، مما انعكس سلبًا على السيولة ومعدلات الخسارة المالية للشركات.

ثانياً: المشتركين / الجهة المستفيدة (المؤمن عليهم):
وهم المجموعات والأسر الذين يحصلون على خدمات التأمين الطبي، ويعتمدون عليه لتغطية تكاليف العلاج والرعاية الصحية. وهم أساس العملية التأمينية، حسب البحث الذي تم من إدارة التسويق بالشركة المتخصصة للتأمين الطبي فقد توقفت 93% من الشركات والمؤسسات التي كانت تتمتع ببطاقة المتخصصة قبل الحرب.
أبرز الأضرار التي لحقت بهذا القطاع:
1. فقدان الأصول والممتلكات: تعرضت الشركات والمصانع الخاصة والحكومية لتخريب ممنهج واضرار جسيمة طالت الأصول والمعدات مما أدى الى توقفها بالكامل ووفق وزارة الصناعة فقد تم تدمير 90% من المنشآت الصناعية في ولاية الخرطوم وجنوب كردفان والجزيرة، أي حوالي 3493 منشأة متوسطة وكبيرة، كما صرح رجل الاعمال معاوية البرير رئيس اتحاد الصناعات السوداني للجزيرة نت بان خسائر القطاع الصناعي المالية بسبب الحرب تقدر بـ 50 مليار دولار وذكر وزير المالية د. جبريل إبراهيم أن الخسائر الاقتصادية بسبب الحرب 200 مليار دولار.
2. تآكل رأس المال بسبب انخفاض العملة المحلية: فقدان الجنيه 90% من قيمته مقابل الدولار بسبب الحرب أدى الى تراجع الاستثمار والإنتاج نتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج وهروب المستثمرين وانخفاض الصادرات وارتفاع التضخم.
3. تسريح وتقليص القوى العاملة: تدمير المنشآت وتوقف الإنتاج وفقدان الأصول ادي الى فقدان الوظائف: (خسر 5.2 ملايين شخص وظائفهم، موزعين بين: الخدمات: 2.7 مليون – الصناعة: 2 مليون -الزراعة 400 ألف) حسب مركز الجزيرة للدراسات.
4. تراجع الوضع المادي: أدى فقدان الوظائف وتوقف المؤسسات والشركات إضافة الى الهجرة والنزوح الى تراجع القوة الشرائية للأفراد والمجموعات وبالتالي أصبحت فكرة التأمين الطبي ليست ذات أولوية في الوقت الراهن.

ثالثاً: مقدمو الخدمات الطبية او المؤسسات الصحية:
وتشمل المستشفيات، والمراكز الصحية، والعيادات، والصيدليات، التي تقدم الخدمات العلاجية لمشتركي (المؤمن عليهم) شركات التأمين الطبي.
أبرز الأضرار التي لحقت بهذا القطاع:
1) انهيار البنية التحتية الصحية: حسب منظمة الصحة العالمية فقد توقفت 70% الى 80% من المؤسسات الصحية عن العمل على سبيل المثال تعرضت مدينة البراحة الطبية وهي أكبر وأحدث مقدم خدمات طبية في مدينة بحري الى حريق بالكامل كما تعرضت كثير من المستشفيات الى تدمير ونهب ممنهج للمعدات الطبية والأثاث حسب تصريح وزير الصحة الاتحادية د. هيثم محمد إبراهيم بان (خسائر القطاع الصحي بسبب الحرب بلغت 11 مليار دولار وتضرر 250 مستشفى من بين 750 مستشفى بالبلاد).
2) هجرة الكوادر الطبية المؤهلة: كانت هجرة الكفاءات الطبية تمثل تحديًا كبيرًا حتى قبل اندلاع الحرب، حيث غادر نحو 60% من الأطباء البلاد بحثًا عن فرص تخصص أو حياة أفضل في دول الخليج وأوروبا. ومع تصاعد استهداف المستشفيات والكوادر الطبية خلال الحرب، ارتفعت نسبة الهجرة، خاصة بين الاستشاريين وأصحاب التخصصات النادرة والكوادر الطبية المؤهلة.
3) تسريح وتخفيض العاملين في المؤسسات الصحية توقفت بعض المؤسسات الصحية عن تقديم خدماتها بالكامل، مما دفعها إلى الاستغناء عن كوادرها. أما المؤسسات التي استمرت جزئيًا، فقد خفضت عدد العاملين إلى الحد الأدنى الذي يضمن استمرارها في السوق، مع خطط للعودة التدريجية إلى مستويات ما قبل الحرب.
4) تآكل راس المال: أدى تدهور العملة المحلية إلى صعوبات في تحصيل المطالبات المالية من شركات التأمين، حيث تلقى عدد من المشتركين(العملاء) خدمات طبية دون أن يتمكن مقدمو الخدمات من تقديم مطالباتهم بسبب فقدان أو تلف المستندات، مما أثر على السيولة المالية لهذه المؤسسات وتعرضها لخسائر مالية كبيرة.

بعض التوصيات لإعادة بناء الثقة في منظومة التأمين الطبي وتعزيز العلاقة بين الأطراف الثلاثة:
1. تحفيز وتشجيع شركات التأمين الطبي لمعاودة نشاطها وذلك عبر تخفيض الضرائب وتيسير التمويل للقطاع الصحي والمستثمرين.
2. تعزيز دور الجهاز القومي للرقابة على التأمين لضمان الشفافية والعدالة في الأداء، مع مراجعة رسوم الإشراف المفروضة على شركات التأمين الطبي، والعمل على تخفيضها أو إلغائها ومراجعة التشريعات والقوانين المنظمة لعمل شركات التأمين الطبي.
3. التواصل مع شركات إعادة التأمين بهدف الحصول على دعم استثنائي لتعويض خسائر شركات التأمين الطبي، مما يساهم في تمكينها من الوفاء بالتزاماتها تجاه مقدمي الخدمات الطبية.
4. إنشاء صناديق طوارئ صحية تُموّل بشكل عاجل المستشفيات والمراكز التشخيصية المتضررة، بهدف تأهيل المنشآت الصحية وشراء المعدات الطبية عالية التكلفة مثل أجهزة الرنين المغناطيسي، الأشعة المقطعية، وأجهزة المختبرات المتقدمة.
5. إحكام التنسيق والتواصل والتكامل بين التأمين الطبي الخاص والتأمين الصحي الحكومي بهدف توحيد الجهود للنهوض بالقطاع الصحي وتحقيق كفاءة أعلى في تقديم الخدمات الصحية.
6. تسوية المتأخرات المالية لمقدمي الخدمات الطبية من قبل شركات التأمين، بما يسهم في إعادة تأهيل المنشآت الصحية وتحسين جودة الخدمات المقدمة واستمراريتها مما يعزز الثقة في شركات التأمين الطبي.
7. الحد من هجرة الكوادر الطبية عبر توفير بيئة عمل آمنة ومحفزة وإطلاق مبادرات وطنية لاستعادة الكفاءات الطبية (النادرة) المهاجرة عبر عقود مرنة ومجزية.
8. تشجيع الابتكار في التأمين الطبي ودعم التحول الرقمي في إصدار الوثائق وإدارة المطالبات الطبية الكترونياً.
9. إصلاح البنية التحتية الرقمية واللوجستية والاستثمار في مراكز بيانات احتياطية خارج مناطق النزاع لضمان استمرارية الخدمات مستقبلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى