بريطانيا… ودموع التماسيح
السفير أنس الطيب الجيلاني
شاءت الأقدار أن تمتحن بريطانيا في بحر هذا الأسبوع لتسقط سقوطاً مروعاً في امتحان القيم الإنسانية المشتركة، وتجلت للعالم المأساة الكبيرة بأن مَن يدَّعون حماية المدنيين والحفاظ علي مبادئ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة ما هم إلا أدوات للتآمر تنتهج المعايير المزدوجة للادعاء بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، وانكشف غطاؤهم ما بين أحبولة حماية المدنيين في السودان وحماية المدنيين في غزة… فبانت ما بينهما عوراتهم وعوارهم.. وذرف وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي دموع التماسيح (Corocodile tears) فبعد صدمته من الفيتو الروسي هرف الوزير البريطاني وجن جنونه ليتحدث بما أملي عليه من دولة الاستعمار الجديد Neocolonialism ودون أن يطرف له جفن ولم تنبث بريطانيا ببنت شفه بشأن مشروع القرار أمام مجلس الأمن حول غزة،،مما يؤكد بجلاء خطل الآليات الحالية للحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، وما يستوجب تحركات جاده لإصلاح المنظومة الدولية وبصفة خاصة إصلاح مجلس الأمن الدولي بواسطة الدول والشعوب المحبة للسلام.
مفهوم حماية المدنيين، الذي تتباكى عليه الدول الكبري غير المؤتمنة علي حماية البشرية، تم تنظيمه بموجب إتفاقيات جنيف الأربعة للعام 1946 وبروتوكولاتها الإضافية وهي في حقيقة الأمر معاهدات دولية تتضمن أهم القواعد التي تحد من وحشية الحروب وحماية الأشخاص المدنيين الذين لا يشاركون في القتال، وهذه الاتفاقيات هي المؤسسة للقانون الدولي الإنساني ويشمل تعريف الحماية في القانون كل الأنشطة التي تؤدي إلى احترام حرية الإنسان الأساسية.
إن الخطوة البريطانية الفاشلة ، وهي حاملة القلم بشأن قضايا السودان بمجلس الأمن، وحاملة القلم هي تسمية لا تخلو من وصايا في حد ذاتها حيث جرت العادة أن يتولي بعض الأعضاء الدائميين كفرنسا أن تكون حاملة القلم للدول التي استعمرتها في الغرب الأفريقي وبريطانيا للدول التي استعمرتها في الوسط والجنوب الافريقي،،هذا النظام الظالم والمتعالي يتطلب من الدول النظر فيه وإعادة تقديم مقترحات ورؤية جديدة بعيدة عن الرؤية الدونية والنظرة الاستعمارية الجديدة وربما الأجدي أن تتولي لجان مختارة من عضوية المجلس بين الدائمة وغير الدائمة أو عبر المجموعات الجغرافية في نيويورك تقديم مشروعات القرارات لدولها، وهذه فكرة تحتاج للتداول والتطوير وستجد مقاومة بلاشك من بريطانيا وأمريكا وفرنسا.
إن الخطوة البريطانية ما هي في حقيقة الأمر إلا سيناريو جديد معد أرادوا له أن يبدأ متزامنا مع رئاسة بريطانيا لمجلس الأمن لشهر نوفمبر، وكان مُقدرا لها تنظيم زيارة لبورتسودان تحت رئاسة بريطانيا لتقوم بدورها بتجيير الزيارة لمخططها الآثم والخروج بتوصيات بعد الزيارة تدعم إحبولة التدخل الانساني لحماية المدنيين ولم تتم الموافقة علي هذه الزيارة والتي خطط لها بليل ليبدأ سيناريو التدخل العسكري بعدها بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع بحجة التدخل الإنساني لحماية المدنيين أو مايعرف بمسؤولية الحماية (responsibility to protect) كما حدث إبان حقبة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون الذي أمر ذات صباح ببدء أمريكا عملية إستعادة الأمل في الصومال
(Operation restore hope)
في العام 1993م، وبعد دخول جحافل اليانكي شواطئ الصومال عبر المحيط الهندي صدر قرار مجلس الأمن لحفظ ماء الوجه لاحقاً والذي أنشأ عملية الأمم المتحدة في الصومال والتي عرفت بعملية اليونصوم (UNOSOM) وذلك بعد اشتداد الحرب بين الجنرال علي مهدي والذي كان يمثل قبائل الهوية في الصومال والجنرال محمد فرح عيديد والذي كان يمثل قبائل الهبرقدر، ومن ثم أصبحت قضية التدخل الدولي للأغراض الإنسانية وحماية المدنيين من المفاهيم التي جرى تطويرها بحجة حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من كافة أشكال التهديد والاعتداء ، وهذا الحق قصد به أستثناء من القاعدة الأساسية والعامة للقانون الدولي والتي تنادي باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية باعتبارها من المرتكزات الراسخة التي تقوم عليها مبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة.
الولايات المتحدة وبريطانيا تعلمان جيداً إلى أين يهرب المدنيون في السودان من بطش وتنكيل المليشيا المتمردة واللوذ بالمناطق الآمنة التي ينتشر بها الجيش السوداني ويحتمون به، ويفر المواطنون من المليشيا كفرار السليم من الأجرب، وكيف يستقبل الشعب السوداني قواته ومنسوبي أجهزته النظامية والمستنفرين وهي تزود عن حياضه وحماه في كل المناطق والمحاور العسكرية، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا.
حفظ الله البلاد من مكر الماكرين وأعزها وهي تخوض معركة الكرامة التاريخية الفاصلة.