بجوار الباطل لا في قلبه!

إبراهيم عثمان
الرسالة الضمنية الرئيسية التي تصل من أحزاب قحت/ صمود إلى الناس فيما يخص معظم القضايا هي: الباطل عندكم هو الحق عندنا، لكن مراعاةً لثوابتكم/عوائقنا، نتازل عن تمامه، ونقف بجواره!
نحن نعلم أن غالبكم يرانا في قلب العلمانية، ويرى أنها باطل، لكن هي عندنا حق، ومع ذلك فنحن، مراعاةً لكم، نتنازل عن بلوغ تمامها، ولا نتبناها باسمها. نتبنى شيئاً دونها، بلا اسم، يعمل ولا يُسمَّى، ولهذا فنحن لسنا في قلبها كما تزعمون، وإنما بجوارها!
نحن نعلم أن غالبكم يرى بطلان التمويل الأجنبي لنا، والعقوبات على البلد، لكن كلاهما عندنا حق، ومع ذلك فنحن نتنازل عن بلوغ تمامهما مراعاةً لكم، فما نتلقاه من أموال هو فقط لدعم الأنشطة، وما نطلبه من عقوبات هو فقط لتطويع الأنظمة، ولهذا فنحن لسنا في قلب الباطل كما تزعمون، الحق كما نرى، وإنما بجواره!
لقحت/ صمود أن تزعم أن هذا الجوار (للحق في نظرها/ الباطل في نظر الناس) يقتصر فقط على العلمانية والتمويل الأجنبي والعقوبات، إن كانت ترى أن هذا سبكون دفاعاً جيداً، ولكن الحقيقة أن هذه الرسالة الضمنية تتكرر بذات النمط في كل القضايا الرئيسية مثل عدوان آل دقلو، العدوان الإماراتي، التدخلات الغربية، الانتخابات، التوافق الوطني … إلخ.
هذا يجعلها في حالة زعم دائم بأنها ليست في قلب الباطل ــ الحق في نظرها ــ وإنما بجواره! وهذا، بدوره، يجعلها هي نفسها في مرحلة ما قبل الحماس، مرحلة اختبار القبول والمشاغبة الحذرة. ولذلك يظل خطابها حذراً يترك توصيل رسائله لما بين السطور. للأصداء، والظلال، والمعاني غير المكتملة. وهذه لا تؤسس لقبول شعبي راسخ، لأنها في ذاتها بعيدة عن الرسوخ، وقائمة على الميوعة، واللاتحديد، واللاحماس.
تجمع بين “التبشير الحذر”، و”التطمين المراوغ”، الأول للتطبيع التدريجي مع مشروعها، والثاني لتخفيف الرفض. لكن كل “تبشير” يزيد المواجهة ويصنع النفور، وكل “تطمين” يقتل الحماس ويثير الشكوك.
المشروع المتعارض مع القيم الجمعية يحتاج جرأةً لتسويقه، لكن التسويق الجريء يصنع الرفض الشعبي. وهذا يجعل خطابها غير منتج لأنه بلا حرارة، لا يعبّئ ولا يحفّز.، بل يراكم الشك ويبدد الثقة، لأنه قائم، في جزء رئيسي منه، على الإنكار والخوف من المواجهة. وهو ليس رسالة مكتملة، بل اعتذار مسبق عن اكتمالها، ليس خطة ثابتة تمضي إلى الأمام، بل مناورات مستمرة لتجنب الانكشاف.
كل هذا يجعل الناس لا يقبلون خطابها إلا بقمع مبادئهم. لينتج عن ذلك، لدى القلة المستجيبة، قبول في حده الأدنى فاتر، متردد، وقائم على كبت مؤقت لرفض غليظ.
وهكذا تظل هذه القوى أسيرة معادلة: بجوار الباطل لا في قلبه، ومعها جمهور قليل تحكمه معادلة: بجوار القبول لا في قلبه!*



